نبض القلم
ومضات ديمقراطية .. بدعة ديمقراطية 4 – طالب سعدون
الديمقراطية من أكثر الكلمات رواجا اليوم في العالم عموما بمختلف انظمته السياسية .. تسمعها تتردد على الالسن كثيرا ، و تتكرر بقوة وصيغة روتينية مملة في البرامج والسياسات والمنتديات ، كما اصبحت أكثر عرضة للتشويش والنقد والانحراف عن هدفها الحقيقي ممن لا يؤمن بها الا لغايات خاصة ..
الانتخابات الامريكية الاخيرة مثال خطير عن الديمقراطية وكيف إنحرفت وقدمت صورة حقيقية عن (خط سيرها) الجديد ، فقد اخذت الانتخابات فيها منحى جعل المفكرين والسياسيين بما فيها امريكيون يرون في ديمقراطية امريكا (ديمقراطية هشة) وقد لا تختلف كثيرا عن أي (ديمقراطية) في العالم الثالث وجمهوريات الموز … ما حدث في امريكا وصف باختصار انه (انقلاب على القيم التي قامت عليها الديمقراطية ) فالديمقراطية بدلا من ان تعمق الوحدة عززت الانقسام وهذا خلاف المبدأ الذي تسعى اليه ..
كيف للديمقراطية مثلا ان تأتي برئيس حكم اربع سنوات ثم إنقلب عليها وهاجم انصاره مؤسساتها التشريعية (برلمان وشيوخ) ونالوا من تلك الصورة و (الهالة) التي طبعت في العقول على مدى قرون عن الديمقراطية الامريكية ..
ما حدث في امريكا ليس حدثا عابرا .. بل محطة مهمة في تاريخ الديمقراطية ليس في امريكا فقط بل في العالم .. وعد ما حصل حدثا كبيرا ربما تجاوز في صداه جائحة كرونا التي غزت العالم ..
ومثلما للديمقراطية منظرون ومريدون عبر تاريخها الطويل لها (مستغلون) وطارئون يركبون موجتها ويتشدقون بها للوصول الى أهدافهم الذاتية والجلوس على مقاعد البرلمان و كراسي السلطة الاثيرة ولا يتورعون عن إتباع مختلف الوسائل بما فيها المرفوضة في سبيل تلك الاهداف تحت ذريعة (تمثيل الشعب) التي لم يعد لها مبرر بعد ثورة الاتصالات والتواصل المتسارعة ووسائل الاحتجاج والتعبير الكثيرة وسنتاول هذا الموضوع في (ومضة) اخرى…
فهل الشعب يحكم فعلا بعد نهاية الانتخابات أم هي سلطة شكلية لانها تتحول بعد انتهاء العملية الى تلك الفئة القليلة وتكون هي الحاكمة باسمه حتى وإن جاءت قراراتها خلاف ما يرغب أو لمصالح تلك الفئة .. وهذا ما يتعارض تماما مع الديمقراطية كونها منهجا علميا سليما للبناء والتنمية وإسلوب حياة للتطور والتقدم وإحترام حقوق الشعب وتقوم على الالتزام الصارم بالقوانين ومراقبة تطبيقها بدقة .
والاعتراضات والنقد والحراك والتظاهرات ضد قرارات البرلمانات خير شاهد على ما ذهبنا اليه .. وكذلك الاحتجاجات على قرارات الحكومات التي تنبثق عن تلك البرلمانات مثال اخر ايضا ..
يبدو مما سبق ان الديمقراطية اليوم أصبحت من أكثر المفاهيم السياسية عرضة للتشويش والاستغلال وتغليب المصلحة الذاتية حتى وإن بدت مشروعة ومؤطرة بمشروعية (شعبية) تأخذها من الانتخابات وذريعة تمثيل الشعب ..
أمور كثيرة دخلت على الديمقراطية ، وليس منها حرفتها عن معناها .. جعلتها تفقد ذلك المعنى والاساس الذي قامت عليه قبل الاف القرون ..
ولكن ..
يجب الاقرار ان الشعب يتحمل المسؤولية الاولى في هذا الانحراف من خلال صوته وإختياره الذي قد يأتي باناس لا يؤمنون بالديمقراطية أساسا بل يعتبرونها وسيلة للوصول الى السلطة ، أو هم طارئون عليها .
فقبل أن يلوم الشعب الديمقراطية وينتقدها يجب أن ينتقد نفسه ويلومها عندما يأتي الى السلطة باناس ليسوا أهلا لتحمل تلك الامانة والمسؤولية في الرقابة والتشريع والحكم ولم يقدر قيمة صوته عندما يبيعه بابخس الاثمان ..
الهدف الذاتي جعل الدعاية الانتخابية عند البعض تأخذ مسارا ليس له علاقة بالديمقراطية ايضا ولا بالمهمة البرلمانية في ما بعد ..
كيف ..؟.
هناك من البرلمانيين من (يصغر) دوره و (يستهين) به عندما يتحول في موسم الانتخابات الى ساعي أو واسطة أو وسيط مع البلدية أو مع شركة انشاءات أو مقاولات أو أي جهة اخرى لجلب (بلدوزر) مثلا الى المنطقة لتبليط شارع أو تسويته على حد ما ذهبت اليه برلمانية اوربية من أصل عراقي في لقاء تلفزيوني .. ليس (لوجه الله) أو (إكراما) لعيون المنطقة ، بل لكسب الاصوات في حملته الانتخابية والفوز بمقعد ( وثير) في البرلمان يحقق له ما يريد .. وكأنه يقايض هذه بتلك .
مرشحون في الانتخابات ، ومنهم برلمانيون سنوا (بدعة) ديمقراطية تسجل لهم ك (براءة اختراع) في الديمقراطية وتعد (إضافة نوعية !!) للتجارب الديمقراطية ، ربما (تستفيد) منها أخرى غيرها في هذا المجال لكي يصل بسببها أي طامح الى البرلمان ويضمن تحقيق أحلامه الشخصية ..
في مواسم الانتخابات رأينا هناك من (النواب) من تحول الى (موظف بلدية) خاص بمحلة أو مدينة أو قرية معينة فيبادر( لوجه المنطقة) و(تقربا لأهلها) بتعبيد شارع هنا أو هناك ، أو إكسائه بمادة (السبيس) فقط ، أو يعطي عهدا بتنفيد ذلك إذا ما فاز في الانتخابات ، أو ينصب محولة كهربائية في المنطقة أو يسعى في ذلك لدى الجهات المعنية ، ومع الاسف تجد هناك من ينشر او يبث مثل هذه الاخبار ، أو يتحول الى (مكتب تشغيل) او مكتب عمل على حد تعبير النائبة المذكورة ، فيعطي وعودا بتشغيل العاطلين عن العمل وغالبا لم تنفذ أو ينفذ منها عدد بسيط ..
ليس هناك إعتراض ، بل هو واجب وفرض أن تتمتع جميع مدن وقصبات البلاد بافضل الخدمات ويحصل جميع المواطنين على حقهم في العمل بما يناسب مؤهلاتهم ، لكن واجب البرلماني أكبر بكثير من أن ينحصر بتعبيد شارع معين ، أو نصب محولة كهربائية في شارع ما ، أو تعيين عدد من العاطلين في منطقته الانتخابية ..
واجبه أكبر ، وهو كيف يتمكن أو يسعى من خلال موقعه البرلماني الى (اصدار قرار أو تشريع في البرلمان يلزم الحكومة بتعبيد كل شوارع البلاد من أقصاها الى أدناها وليس منطقته التي رشح عنها ، وهكذا بالنسبة الى كل الخدمات والمرافق الانتاجية .. وكيف يتمكن في البرلمان من إصدار قوانين وتشريعات وضوابط تحقق هدف تشغيل جميع العاطلين .. عندها يكون قد حقق انجازا لجميع المواطنين وبضمنهم ابناء محلته أو مدينته التي رشح عنها .. وكيف له ان يساهم من موقعه التشريعي والرقابي بتطور الصناعة والزراعة والمرافق الانتاجية والخدمية لتستوعب الايدي العاملة في البلاد ..
واجب البرلماني أكبر من أن ينحصر بشارع او محلة أو مدينة فتلك لها بمسميات عديدة من المسؤولية الوظيفية في القرية والناحية والقضاء والمحافظة بينما واجب البرلماني يمتد على مساحة البلاد كلها في التشريع والرقابة لكي تؤدي مؤسسات الدولة مهماتها في خدمة المواطن كل حسب اختصاصها ..
مهمته في البرلمان ..كيف يحقق افضل الخدمات لجميع المواطنين من خلال التشريع ورقابة صارمة على الاجهزة المعنية تحقق مستوى عاليا من الانتاج وتمنع الفساد وهدر المال العام وبذلك يكون قد ضمن لابناء محلته نصيبا منها .. وهكذا بالنسبة الى جميع المرافق الاقتصادية والمالية والانتاجية ..
ما أكثر الوعود ، ولو تحقق بعضها وليس كلها لكان حال البلاد مختلفا عما هو عليه الان .. اساليب اصبحت مكشوفة تقابل بالرفض والازدراء من الجماهير ..
من حق المرشح أن يسعى لكسب الاصوات للوصول الى البرلمان .. وهو حق كفله القانون ، لكن بالطرق القانونية والديمقراطية ايضا ..
إذا كان المواطن حرا في صوته لكنه يتحمل مسؤولية الاختيار وانحراف الصوت عندما يتحول من هدفه الوطني الى هدف ذاتي صغير لا يناسب قيمة الصوت ومهمة من يمنحه الثقة وتمثيل الشعب كله وليس هو فقط ..
الصوت أمانة .. وعندما يذهب لمن لا يستحقه يكون المواطن قد ارتكب خيانة وتصرف بهذه الامانة بما يضر البلاد والعباد .
وتلك مهمة صعبة ..
ومهمة وطنية يجب أن يبحث المواطن من خلالها عن مرشح يتلمس فيه الثقة والحرص ، لكي يأتمنه على أرضه وثروته ، وجميع ما يحظى باهتمامه وما يحلم به ويتمناه لنفسه ، ولوطنه ، ومواطنيه…
ينبغي ان يعرف الناخب قبل النائب :
ان العضوية في البرلمان وأي موقع حكومي ينبثق عنه ، وكل منصب في الدولة ، ليس هبة شعبية ، أوغنيمة شخصية ، أوفرصة تغتنم لمنافع ذاتية، بل مهمة وطنية عالية خاصة في الظروف الصعبة والاستثنائية ..
0000000000000000
كلام مفيد :
من جميل ما قرأت ..بعض الناس كمسائل الرياضيات الحل طويل والنتيجة صفر ..