ومضات
في الاونة الاخيرة بعد سقوط الحكم الشمولي تحديدا بعد سنة 2003 شهدت الساحة العراقية تغيرا شاملا في تحركات المراة العراقية الصابرة في كل الميادين واخذت شيئا من الحرية النسبية في مجالات الادب والفن والمسرح والثقافة والاعلام وعلى كل الاصعدة ولاحظنا دورها في قيادتها للسيارات بنفسها وتحمل المسؤولية كاملة بدلا من الرجل في توفير كلما تحتاجه من امور بيئية منها توصيل اولادها الى المدارس والى اخره من الاحتياجات اليومية التي تستدعي حاجتها الى قيادة سيارتها بنفسها ولاسيما في العاصمة وبعض المدن الاخرى من عراقنا الحبيب برغم انغلاق المجتمع وتسلط الذكور فيه، فباتت هناك قناعة تامة انه لا تطور ولا تحرك لعجلة اي مجتمع دون مشاركة المراة الى جانب النصف الثاني الرجل بكل عزيمة واصرار عبر الوقوف ضد التخلف والتسلط العشائري.
فارتأينا ان نخرج الى الشارع ونتمتع بهذه الظاهرة الرائعة الرائدة.. فالتقينا ببعض النسوة وتكلمنا عن تجربتهن في السياقة والمشاكل التي تعترضهن اثناء السياقة.
فالسيدة الفاضلة لمياء سلمان شكر تحدثت عن تجربتها في السياقة للسيارات فقالت: ان زوجي قتل من قبل الامريكان ووقعت المسؤولية بالكامل علي ولدي ثلاثة اولاد جميعهم في المدارس ويحتاجون الى العيش الكريم الامن، فقررت ان اتعلم سياقة السيارة واعمل سائقة خطوط لطلاب المدارس صباحا ومساء وفي نفس الوقت اوصل اولادي الى المدارس مع الطلاب وبهذا استطعت ان اوفر لهم عيشا كريما ولم احتج الى احد.
وبصدد المعارضة من الاهل والاقارب قالت:- في البداية عارضوا اخوتي وحاولوا ان يمنعوني بحجة العيب من ان امراة تعمل كسائقة تكسي للطلاب ولكن بارادتي واصراري تحديت المصاعب واثبت لهم انني لست اقل من الرجل بل ووفرت لاولادي مالا وعيشا كريما، اكثر مما كان يوفره لنا زوجي المرحوم انذاك.
{ وماذا علمتك تجربتك هذه؟
– علمتني تجربتي ان المراة لا يقتصر دورها بان تصبح امراة تقليدية بيتوتية محصورا دورها في تربية الاولاد ورعاية الزوج فعندما تناط لها المسؤولية تصبح امراة ذات شخصية قوية متميزة حتى عن الرجل نفسه لذا يخشى الرجل من اناطة المسؤولية للمراة لانها ستتفوق عليه ولا يستطيع ان يسيطر عليها بعد ذلك.
والتقينا بالسيدة امل عباس تقود سيارتها بكل اناقة وذوق ورقي وطرحنا عليها بعض الاسئلة:
{ سيدتي الفاضلة.. متى بدأت قيادة السيارة؟
– قبل سنتين عندما سجلت اولادي في المدرسة وبدأت المعاناة والقلق عليهم من الطرق وما يخبئه لنا من انفجارات وخطف بالاضافة الى كثرة المتاعب اليومية في التسوق وقضاء الحاجات المنزلية.
{ هل انت موظفة؟
– كلا .. انا ربة بيت.
{ وكيف فكرت بقيادة السيارة؟
– زوجي يذهب الى العمل ولا يوجد لديه الوقت لاخذ اولاده الى المدارس وخوفي عليهم فطرحت عليه الفكرة في البداية عارض بشدة خوفا علي من ازدحامات الطريق والمضايقات المرورية.. ولكن بعد اصراري وافق ولكن بتحفظ لم تكن الموافقة مطلقة. فعملت سلفة واشتريت سيارة ودخلت دورة تعلم قيادة السيارة وبعدها اعتمدت على نفسي في قضاء كل شيء متعلق بالمنزل وتوصيل الاولاد الى المدارس وكل الامور البيتية.
{ ما هي المشاكل التي تعرضت لها اثناء قيادة السيارة.؟
– المشاكل كثيرة جدا انهم لا يتحملون امراة تنافسهم او تزاحمهم او حتى تشاركهم في اي مجال وكأن الدنيا خلقت لهم فقط فالبعض متسلط حتى في قيادة السيارة فهناك من يشتم وهناك من يتحرش ويعكس علي واتخلص بالقدرة لكي لا اعمل حادثا فضعاف النفوس اكثر من الكثرة ولا يوجد رادع وقانون يحسب أمثال هؤلاء.. فالقوانين حبر على ورق في عراق اليوم.
اما الانسة فاتن محمد فتقول:
– انا طالبة جامعية والدي هو الذي شجعني على قيادة السيارة وعلمني السياقة لانه لا يستطيع ان يوصلني الى الجامعة ولا يثق باي سائق وخوفه علي هو الذي شجعني لقيادة السيارة.
{ والمشاكل التي واجهتك اثناء قيادة السيارة، ولاسيما انت صغيرة وجميلة؟
– المشاكل كثيرة ولاسيما من رجال السيطرات العسكرية في الشوارع فاحيانا يوقفوني ويسألوني اسئلة لغرض التحرش والمضايقة لا اكثر.
{ هل لديك مخالفة مرورية؟
– كلا لانني احترم القوانين المرورية واحترم كل من يحترم القانون هذا ما تعلمناه من والدنا فالشارع ملك عام والسياقة فن وذوق واخلاق واحترام وثقة والدي بي والحرية التي منحها لي جاءت من ايمانه بمبدأ المساواة بين الرجل والمرأة. اما المحامية وداد عبد الرحمن واثناء قيادتها السيارة حدثتنا ان قيادة المرأة للسيارة هي جزء من رفاهية المجتمع وتقدمه ومدنيته العالية.
{ هل تعرضت لاي مشاكل اثناء قيادة السيارة في الشارع؟
– المشاكل كثيرة لان الشارع ما عاد يستوعب هذا الكم من السيارات والقوانين اغلبها معطلة تماما فالتنظيم المروري والعمل بالقوانين هو الذي يقلل المشاكل، بالاضافة الى السيطرات العسكرية ومشكلة الازدحامات التي وجودها دون فائدة فقط حولت المدينة الى معسكر لا غير.. فأنا اقود السيارة منذ السبعينات ولم اشهد من قبل مثل هذا الازدحام ولا مثل هذا التسيب الموجود في الشارع، مع الاسف فنحن نحتاج الى منظمة خلقية كاملة لاعادة هيكلة الشخصية العراقية. والتقينا بالسيدة اسماء حيث حدثتنا عن المشاكل الكثيرة التي واجهتها اثناء قيادة السيارة ووجهنا اليها بعض الاسئلة.
{ هل وجدت نفسك حرة بدون قيود او عوائق او شروط اجتماعية تعوقك اثناء قيادتك للسيارة؟
– نعم ولكن بشكل نسبي جدا.. لقد امضيت حياتي وانا انتظر هذه البحبوحة من الحرية لان سعادة الانسان في حريته وعدم وجود من يكون وصيا على هذه الحرية والتدخل في الشؤون الحياتية واعتبر هذه خطوة من الخطوات التي حطمت جزءا من القيود التي كبلت المرأة عبر العصور والازمنة.
{ ماذا تحتاجين اثناء قيادتك السيارة؟
– احتاج حماية ورعاية قانونية تحمييني من التسلط المجتمعي الذكوري لكي يكون دوري في المجتمع مثالا في كل المجالات ليس فقط في البيت والحقل وتكون المسؤولية مشتركة لبناء بلد متحضر مدني يرتقي الى مستوى البلدان الاخرى.
والتقينا باحد رجال المرور وحدثنا عن دور المراة في قيادة السيارة وتعلم السياقة مقارنة بسياقة الرجل للسيارة قال الملازم محمد علي جاسم:- ان المراة ملتزمة بقواعد السير والمرور والقوانين المرورية بكل دقة واكثر من الرجال والمحافظة على النظام في الطريق العام كما انها اكثر توازنا من الرجل في السياقة حتى في الحوادث المرورية عندها اقل من الرجل بكثير واحيانا تجبر على حادث بسبب تطفل بعض الشباب ومعاكستهم لها اثناء السياقة مما يجبرها لعمل الحادث..
اذن في الختام .. المراة العراقية لديها القدرة والرغبة على التميز واثبات الذات في كل مجالات الحياة وتحدي العقل الذكوري في مجتمعنا العشائري وكيفية اقناعهم بانها لا تختلف عنهم بكل الطرق المتاحة وتكون على قدر المستطاع من المسؤولية للنهوض بمجتمع مدني عصري يرتقي ويطمح الى التقدم والرفاهية والالتحقاق بالعالم المتمدن على قدر المستطاع وان كانت هنالك معوقات وصعوبات معطلة لنشوء الدولة المدنية فالف تحية للمراة العراقية، فعملية تحرر المراة عملية كفاح طويل وتحتاج الى استبسال وتضحية وارادة لتثبت للجميع انها قادرة على قيادة مجتمع باكمله وليس قيادة سيارة او اسرة او مصنع.. والى اخره وتكون صانعة للقرار السياسي اذا ما انيط بها هذا الدور.
ماجدة البابلي – اليرموك