وماذا بعد كل هذا؟
عند المساء.. كان الحي يعيش في سلام.. ويغص شارعه الضيق بالمارة والسيارات والمحلات والمقاهي والمطاعم الشعبية وورش التصليح على جانبي الشارع..
رجال وشباب في المقاهي .. يتسامرون.. يتحدثون.. عن متاعبهم وعن تطلعاتهم واشغالهم.. وآخرون يقفون عند الازقة واطفال يلعبون وناس منهم يقفون عند فرن الصمون.. وشباب يشترون بعض السندويجات من الفلافل او الهمبركر.. وناس عائدون من اعمالهم وبيدهم اكياس من الفواكه والخضاراوات يحملونها لاطفالهم.. وصبي ذاهب للصيديلة لشراء دواء لوالده المريض.. وآخرون يتجمهرون عند ابو احمد المضمد.. وسيارات الاجرة توصل الناس الى بيوتهم واخرون يستأجرونها لقضاء اعمالهم او ايصالهم الى مكان ما.. وشباب يقفون بالشارع كلاً مع اصحابه يتحادثون .. ويتلاطفون.. ومفردات كثيرة في حي شعبي(الوشاش) وعلى غفله يتربص الموت بكل هؤلاء الابرياء وليحصد منهم ما يحصد لا على التعيين.. وانما الموت سيطال كل من كان قريباً من سيارة الموت المفخخة التي انفجرت.. وجعلت الحي وكل الحي يعيش لحظات رهيبة مع الموت.. حيث تناثرت الجثث هنا وهناك.. واحترقت السيارات.. وتطاير زجاج المحلات والبيوت .. لهب من النار.. ودخان.. يخيم على المكان وتهدمت المقاهي والمحلات وتناثرت محتوياتها وتعالت الصرخات.. واختلطت الاصوات.. وركضت الجموع.. وهب سكان الحي للانقاذ.. غير خائفين من لهيب النار.. او ان مفخخة اخرى قد تنفجر… وحملت الاهالي الجثث بسياراتهم قبل وصول الاسعافات وكذلك اخلاء بعض الجرحى الى المستشفيات القريبة.. وركض سكان الحي يبحثون عن ابنائهم او ابائهم.. نساء واطفال وشباب يتباكون ويبحثون تحت الركام .. على محبيهم.. عن اجساد كانت تعيش هنا قبل لحظات.. يضحكون .. يتحادثون.. ويشربون الشاي..
وسقط كل شيء.. وسال الدم على الارض.. ليشكوا.. ويستغيثوا.. ولكن هل من مجيب.. وجاءت سيارات الاسعاف والحريق ورجال الشرطة والحرس وامتلأ الحي بهم..
فكان سكان الحي ابطال.. نشامى.. عند المصاعب .. اصحاب نخوة.. وتم اخلاء الشهداء والجرحى وخيم السكون.. وجلس الناس على الارصفة وهم مذهولون من هول الحادث الذي خطف ابنائهم واخوانهم وابائهم.. حيث تفحمت بعض الاجساد مواقف مؤلمة.. تجعلك تبكي رغماً عنك.. وبدموع محرقة .. وقلوب موجعه.. بعد ان نفذ منها الصبر.. ورجل كبير يقف ويشير بيده الى حجم الكارثة والكلمات تختنق ولا يستطيع الكلام فيجهش بالبكاء وهو يشير الى الدماء والاحذية والمداسات المتناثرة.. فكل شيء من حولهم محطم.. وعلى امتداد الشارع الكل يسأل عن الشهداء ويريدون ان يعرفوا من الذي ستشهد وما ان يعرفوا اسماً من الاسماء.. حتى يضربون الكف بالكف اسفاً على رحيله..
وعاش الحي يوماً عصيباً يلفه الحزن والأسى واللوعة.. وبقى الجميع حتى الصباح يتطلعون اخبار الشهداء والجرحى..
وفي اليوم التالي.. قد اغلقت المحلات ابوابها.. وخلى الشارع من المارة والسيارات.. واخذت سيارات امانة بغداد برفع الانقاض.. وبقايا السيارة المتفحمة.. واخذت السيارات تحمل الى الحي رفاة الشهداء.. الواحد تلو الاخر.. وسط الغضب الشعبي.. والعيون الباكية وصيحات التكبير.. وانتشرت جموع من الشرطة والجيش بشكل كبير ولافتات سوداء قد صفت الواحدة جنب الاخرى عند مدخل الحي.. ووسط كل هذا وذاك .. يتساءل المواطنون .. الى متى هذا الحال.؟
ولماذا الدولة مكتوفة الايدي حيال ذلك؟
وكيف السبيل لردع كل هذه الهجمات.
ويسال آخرون..
وما المراد من كل ذلك.
وما الغاية منه؟
هل هي رسالة الى الدولة.
وهل الدولة لديها ما تخفيه عن الشعب؟.
ومتى ينتهي كل ذلك؟.
والى متى نبقى ندفع ضريبة الدم؟.
وما الذي جناه الشعب من وراء كل ذلك؟.
واي شيء نقوله .. غير..
لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم وندعوا الله سبحانه وتعالى بالرحمة لشهدائنا الابرار واسكنهم الله فسيح جناته.. والهم اهلهم وذويهم الصبر والسلون وان لله وانا اليه راجعون.
محمد عباس اللامي – بغداد
AZPPPL