ولادة علي بن أبي طالب إشراقة النور والإيمان – حميد علي موسى

ولادة علي بن أبي طالب إشراقة النور والإيمان – حميد علي موسى

السلام عليك ياسيد الوصيين وامام المتقين في يوم مولدك الاغر …

ولد علي بن ابي طالب في يوم الجمعة الثالث عشر من شهر رجب بعد مضي ثلاثين سنة من عام الفيل .. وقبل البعتة النبوية باثنتي عشرة سنة وقيل في بعض الروايات اقل من ذلك العام بقليل

.. والده  : عبد مناف وكنيته ابا طالب   بن عبد المطلب بن هاشم … وكان ابا طالب الذي يظهر ان كنيته التي اخذها من ابنه الاكبر غلبت وتقدمت على اسمه … وكان كما تجمع الروايات رجلا مهابا شريفا في قومه

امه : فاطمة بنت اسد بن هاشم بن عبد مناف

وعلي هو اول هاشمي يولد من ابوين هاشميين اذ كان بنو هاشم قد تعودوا ان يتصاهروا مع أسر اخرى من قريش قبل ان يتزوج ابو طالب من بنت عمه فاطمة بنت اسد ..

وينقل الرواة وكتاب السير في احايتهم عن ولادته الشريفة .. لما احست فاطمة بنت اسد بوجع الولادة اقبلت الى المسجد الحرام وطافت حول الكعبة ووقفت رافعة رأسها بالتضرع الى الله ليسهل لها أمر ولادتها قائلة “يارب ..اني مؤمنة بك وبكل كتاب انزلته وبكل رسول ارسلته ومصدقة بكلامك وكلام جدي ابراهيم الخليل عليه السلام الذي بنى بيتك العتيق ..واسألك بحق انبيائك المرسلين وملائكتك المقربين وبحق هذا الجنين الذي في احشائي الأ ما يسرت لي ولادتي . ” وعند انتهائها من دعائها انشق لها جدار الكعبة من الجانب المسمى بالمستجار ودخلت الى جوفها واطبق عليها الجدار والتصقت جوانبه وولدت على ترابها الطاهر ابنها عليا وخرجت به تحمله من الموقع الذي انشق لدخولها بعد ان بقيت في داخلها ثلاثة ايام …

وينقل الرواة ..  عن يزيد بن قعنب قوله ” كنت والعباس بن عبد المطلب جالسين بين فريق من بيت عبد العزى ازاء بيت الله الحرام فجاءت فاطمة بنت اسد الى الكعبة بعد ان شعرت بالطلق .. فوقفت ورفعت رأسها وطرفها الى السماء ودعت …فانشق لها الجدار ودخلت بها  واطبق عليها …”

ويذكر السيد محمد كاظم القزويني في مؤلفه الامام علي من المهد الى اللحد  ان السيدة فاطمة بنت اسد تحدثت عن ما جرى لها في داخل الكعبة فقالت ” جلست على الرخامة الحمراء ساعة واذا انا قد وضعت علي ولدي ولم اجد وجعا ولا الما . “

وليد جديد

استقبل محمد بن عبد الله وهو بعد لم يبعث وعمه ابو طالب الوليد الجديد بفرح كبير يحتضنانه ويقبلانه بسرور لا حدود له ..وقد اولم سيد قريش والبطحاء وليمة عظيمة نحر فيها عددا كبيرا من الابل والذبائح  وأذن في الناس اذانا جامعا  ان هلموا الى وليمة ابني علي قائلا :  “معاشر الناس الأ من اراد من طعام ولدي علي .. فهلموا وطوفوا بالبيت سبعا سبعا وادخلوا وسلموا عليه فان الله شرفه ..”

وقد تواترت رواية ولادة علي بن ابي طالب التي انكر البعض من حاسديه حدوثها من الذين اوغلوا في حقدهم لهذا الجبل الاشم فذكرها ثمانية وعشرون من عمالقة كتاب السير ورواة الحديث في تاريخ المسلمين كالمسعودي في مروج الذهب وعبد الحميد خان الدهلوي في سيرة الخلفاء وتغنى بها شعراء العصور في قصائدهم  .. وسطرتها كتبهم التي تعد مراجعا لجميع المسلمين على اختلاف مشاربهم ومذاهبهم ..وعدوها منقبة خالدة تضاف الى مناقب سفرة الخالد المجيد ..اراد الله جلت قدرته ان يكرمه ويكافئه مسبقا فهيأ له هذا المكان الطاهر .. والى ذلك يذهب السيد الحميري في قصيدته :

ولدته في حرم الاله وأمنه

والبيت حيث فناؤه والمسجد

بيضاء طاهرة الثياب كريمة

طابت وطاب وليدها والمولد

ويتطرق  محمود الالوسي في شرح قصيدة عبد الباقي العمري لهذه المأثرة

فيقول “وفي كون الأمير كرم الله وجهه ولد في البيت أمر مشهور في الدنيا وذكر في كتب الفريقين السنة والشيعة ولم يشتهر وضع غيره كما اشتهر وضعه واحرى بأمام الائمة ان يكون وضعه فيما هو قبلة للمؤمنين ؛ سبحان من وضع الأشياء في مواضعها وهو احكم الحاكمين . “

ولابد لاي متابع لسفر ابا الحسن وحياته ان يخطر في ذهنه تساؤل مشروع  ان للكعبة باب معروف يدخل الناس منه ..فلماذا لم تدخل منه امه بل انشق لها الجدار ..؟؟ وكيف لأمرأة مثل فاطمة بنت اسد ام علي وقد بقيت لمفردها في جوف الكعبة تواجه آوجاع الطلق والولادة ..فمن ساعدها في ولادتها ياترى ..؟؟  وماذا اكلت وشربت طوال تلك الايام الثلاث …فيجد الاجابة على تساؤله ويستنتج ان ذلك الولادة المباركة لم يخضع للظروف الاعتيادية الطبيعية المتعارف عليها بل انها خضعت لظروف المعجزة الالهية لهذه الام ووليدها الطاهر ابن سيد قريش  ..

وتتحدث المصادر التأريخية ان قحطا قد حل في ربوع قريش وازمة عيش طحنتهم طحنا وافقرتهم ويرون  ان تلك الازمة قد شكلت انعطافة كبيرة في حياة علي ونعمة من نعم الله عليه فقد كان ابو طالب كثير العيال وتعسرت اوضاعه … فقال محمد بن عبد الله لعمه العباس بن عبد المطلب وكان من ايسر بني هاشم  ” ان اخاك ابا طالب كثير العيال وقد اصاب الناس ما ترى فانطلق بنا اليه لنخفف عنه عياله “حتى اتيا اليه فقالا له أنا نريد ان نخفف عنك عيالك حتى ينكشف عن الناس ما هم فيه …فقال لهما ابو طالب اذا تركتما لي عقيلا فاصنعا ما شئتم .. فاخذ محمدا عليا وهو اصغر ابناء عمه فضمه اليه واخذ العباس جعفرا وهو اكبر من علي بعشر سنين فضمه اليه وبقي مع ابن عمه حتى بعثه الله رسولا لهذه الامة فاتبعه علي وآمن به وصدقه وهو اول الرجال امنت بما انزل في بدء عصر الرسالة من قريش ..

.. وكان رسول الله اذا حضرت الصلاة وهي التعبد قبل ان تفرض ليلة الاسراء يخرج الى شعاب مكة ويخرج معه علي فيصليان حتى يرجعا في امسية اليوم .

دين ابراهيم

وقد شاهدهما ابا طالب يصليان فقال للرسول الكريم ياأبن اخي ما هذا الدين الذي اراك تدين به فقال له ” ياعم هذا دين الله ودين ملائكته ودين رسله ودين ابينا ابراهيم الخليل بعثني الله به رسولا للعباد ..” فاقسم له عمه ان يحميه مابقي حيا مهما يكن من أمر فلا يمر اليه وبه أحد ..وهو القائل في كل مواقفه ..

والله لن يمروا اليك بجمعهم

حتى اوسد في التراب دفينا

وسأل ابا طالب ابنه عليا ما هذا الدين الذي انت عليه ..فاجابه ياابت امنت بالله وبرسوله وصدقته بما جاء به وصليت معه لله وتبعته فرد عليه ” أما انه لم يدعك الا الى الخير فالزمه .. “

يذكر عبد الرحمن الشرقاوي في مؤلفه علي امام المتقين ” ان ابا طالب كتم اسلامه ايثارا للسلامة ولكيلا يصطدم بشراسة الملأ من قريش الذين كانوا يرون في الدين الجديد خطرا كبيرا عليهم وعما وجدوا عليه اباءهم من عبادة الاصنام والاوثان ..”

ويعد قول الشرقاوي المنصف دليلا كافيا قاطعا لتأكيدات اغلب الرواة في بداية عصر الرسالة عن وثوق وصحة اسلام ابا طالب مؤمن قريش وسيد البطحاء وردا على كل الاباطيل والمزاعم  التي يتحدث عنها البعض من الذين عميت ابصارهم وعقولهم عن تلمس ورؤية الحقيقة الواضحة وضوح الشمس في رابعة النهار ..

واسلمت ام علي بن ابي طالب فاطمة بنت اسد وصدقت بدعوة الرسول العظيم فكانت اول امرأة اسلمت بعد خديحة الكبرى سلام الله عليها  .

واشرف خاتم الانبياء والمرسلين محمد المصطفى على تربية ابن عمه منذ صباه بعد ان فتح عينيه عليه قبل ان يصبح رسولا .. ونشأ في بيت الوحي وتربى في بيت التنزيل ولم يفارق ابن عمه المصطفى في مسيرة دعوته لنشر الدين الحنيف وهاجر معه الهجرتين وبايعه البيعتين وزوجه ام ابيها كريمته فاطمة الزهراء البتول وجاهد بين يديه في غزواته الثلاثة والثمانين حتى قويت شكيمة الاسلام بسيفه ..

وحري بنا القول في تناول مسيرة هذا العملاق الفذ ان الله شرفه وكرمه ان جعل ولادته في بيته العتيق فان عليا وفى بعهده الايماني لربه الواحد الاحد  وشكر لله الذي اسبغ عليه ذلك الشرف بافعاله حينما امره الرسول الكريم بعد فتح مكة بالصعود على كتفه وعاتقه لتطهير سطح  ونحن نستحضر ذكرى يوم ولادتك الاغر .

مشاركة