ولادة عرجاء أم ديمقراطية مبتورة؟

 ولادة عرجاء أم ديمقراطية مبتورة؟

في كل دورة انتخابية، يتكرر المشهد ذاته في العراق: صناديق اقتراع، حملات دعائية، ووعود تتكاثر ثم تتبخر. لكن خلف هذا المشهد، تتوارى أسئلة جوهرية حول شرعية التمثيل، ونزاهة الإجراءات، وفاعلية البرلمان في التعبير عن إرادة الشعب. هل ما نشهده هو ممارسة ديمقراطية حقيقية؟ أم أن الانتخابات تُولد عرجاء، محاطة بشبهات التسييس، ومكبّلة بعكاز المحاصصة؟

قوانين متبدلة وثقة متآكلة

الخلل البنيوي يبدأ من النظام الانتخابي نفسه، الذي شهد تعديلات متكررة دون أن يستقر على صيغة عادلة. فبين التمثيل النسبي والدوائر المتعددة، ضاعت أصوات كثيرة، وتحوّلت العملية إلى سباق تحالفات لا تعكس بالضرورة تطلعات الناخبين. المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، التي يُفترض أن تكون ضامنًا للنزاهة، تواجه انتقادات متكررة بشأن استقلاليتها، ما يُضعف الثقة العامة ويُثير الشكوك حول نتائج الانتخابات.

برلمان المحاصصة… سلطة بلا فعالية

منذ تأسيس النظام السياسي الجديد، ارتبط البرلمان العراقي بالمحاصصة الطائفية والقومية، ما جعله ساحة لتوزيع النفوذ لا منصة لصناعة القرار الوطني. الكتل السياسية تتصارع على الحصص، بينما تتراجع القضايا الجوهرية أمام مصالح ضيقة. هذا الواقع يُنتج برلمانًا مشلولًا، عاجزًا عن اتخاذ قرارات حاسمة، ويُغذّي الانقسام بدل أن يُداويه.

عزوف شعبي وتضليل إعلامي

نسب المشاركة المتدنية في الانتخابات الأخيرة تعكس إحباطًا شعبيًا متراكمًا. كثيرون باتوا يرون أن “الصوت لا يُغيّر”، وأن “النتائج محسومة سلفًا”، ما دفعهم إلى الانسحاب من العملية السياسية. في المقابل، تُخاض الانتخابات بأدوات غير ديمقراطية: المال السياسي، شراء الذمم، وتضليل إعلامي ممنهج. كثير من المرشحين يفتقرون للرؤية، لكنهم يملكون التمويل والقدرة على استغلال الحاجة، ما يُفرغ العملية من مضمونها الأخلاقي.

هل من أمل؟

رغم هذا المشهد القاتم، لا تزال هناك محاولات إصلاحية تُقاوم التيار. أصوات نزيهة، وناخبون واعون، ومبادرات شبابية تسعى لتغيير قواعد اللعبة. لكن هذه المحاولات تحتاج إلى بيئة حاضنة، وإرادة سياسية، ووعي شعبي متجدد. الإصلاح لا يبدأ من صناديق الاقتراع، بل من إعادة بناء الثقة، وتحرير البرلمان من قبضة المحاصصة والمال السياسي. حينها فقط، يمكن أن تولد الانتخابات مستقيمة، لا عرجاء.

عبدالستار الراشدي – بغداد

مشاركة