وعاء الغبار يطرق باب الدار – عبدالرضا سلمان حساني
عواصف الغبار
وأنا أبدأ كتابة مقالي هذا، تذكّرتُ مثلاً صينيّاً يقول
( لاتعطني سمكة ولكن علّمني كيف أصطادها). وهذا ماأشعر بأنّه ينطبق على مانعيشه من عواصف غبار في هذه الأيّام في المساكن ومواقع العمل وكلّ الأجواء والأنحاء وإمتداد الصحراء.
وسأختار بالذات مختبرات ومشاريع البحث العلمي في الكليّات والتي تتولى برامجها وأجهزتها تحضير نماذج أغشية رقيقة والغبار على الأبواب والشبابيك وعالق في ملابس العاملين والباحثين. أفلا كان ممكناً من توجيه البحوث بإتجاه تجنّب أو تنقية مثل هذه الظروف الجويّة قبل سنوات بدلاً من بحوث لانحتاجها، خصوصاً وإننا بدأنا بإقتراح مناهج وبحوث تغيرات المناخ منذ العام 2009 للدراسات العليا-فيزياء؟ أضف الى ذلك، فإنّ المناخ قد حذّرنا بتسجيل درجات حرارية غير مسبوقة تجاوزت حاجز 50 درجة مئوية في جنوب العراق والمناطق المحيطة قبل عدة سنوات . وهذا هو أحد العوامل الفعّالة المتسببة في جفاف تربة الأرض وإرتفاع درجة حرارتها وتشكّل مايسمّى بأوعية الغبار في الصحراء بمرور الوقت واذي سنصل اليه.
هوامش فيزيائيّة
تمتص المواد المختلفة كميّات متباينة من الحرارة(طاقة حرارية) بسبب اختلاف تراكيبها. يُطلق على كمية هذه الطاقة اللازمة لرفع درجة حرارة المادة بمقدار درجة مئوية واحدة اسم السعة الحرارية.
وللإقتراب من مواد العواصف يتوجّب القول بأنّ الماء يمتلك حرارة نوعية أعلى من الرمل ؛ يحتاج الى طاقة حرارية أكثر لتسخينه كما يتضح في رمال سواحل البحار حيث يكون الرمل أكثر دفئاً في يوم مشمس. وبعيداً عن سواحل البحار وفي الصحراء، تبدأ عواصف الرمال والغبارعادة بوجود رياح تزيل الطبقة العليا من الرمال والغبار عن التربة. ويحدث ذلك في معظم المناطق الصحراويّة على الكرة الأرضيّة التي هي موطنها.
ويمكن أن تتسبب في عواصف رعديّة حين تتشكّل الغيوم تحت ظروف جويّة ملائمة. وبالرغم من أنّ حجم حبّة الرمل أكبر
من حبّة الغبار، إلاّ أنّ العاصفة الرمليّة هي أسهل للحدوث بسبب طبيعة التركيب النسيجي لحبّات الغبار المتشكلة في طبقاتها.
وهنا يجب التفريق بين عواصف رمليّة وأخرى غبارية؛ فالرمل ينتج من تفتت الصخور البالية والغبار يأتي من التربة وبقايا رمل ناعم والتي غالباً ماتكون مركبات عضوية وخليط من المعادن وبقايا رمل قديم بسبب عوامل التعرية.
عند صعود الغبار الى ارتفاعات أعلى فأنّه سيضيف متغيرات الى طبقة تروپوسفير التي تمتد من سطح الأرض الى ارتفاع 12 كم وتليها طبقة ستراتوسفير وهي بداية منطقة الطيران وكذلك وجود طبقة الأوزون في أعلاها.
وهنا يأتي تأثر الرحلات الجويّة عند حدوث عواصف كثيفة.
لقد إقتبس الغرب تسمية (هبوب) العربية وكتبوها بالإنجليزيّة للتعبير عن الرياح القويّة المسببة للعاصفة الترابية في الصحراء. ويشار اليها في أميركا بأنّها عاصفة بخصائص إستثنائيّة ترفع الغبار الى أعالي الجو بإرتفاع مئات الأمتار وينتقل الغبار مسافة مئات كيلومترات بسرعة تتراوح بين (10-40) كيلومتر في الساعة ويمكن لهذه العاصفة أن تحجب ضوء الشمس كليّاً الى درجة العتمة. ومثل هذه العاصفة(هبوب) تحدث في صحراء ولايتي أريزونا وتكساس الأمريكيّتين وصحارى أفريقيا إضافة الى مناطق صحراويّة في الشرق الأوسط كالمملكة العربية السعودية ومناطق في العراق وماحولها.
وتشهد مناطق في أستراليا وجنوب شرق الولايات المتحذة الأمريكية وجزء من أراضي المكسيك مثل هذه العواصف أيضاً حال هبوب رياح ونشوء تيارات حمل حرارية في تربة جافة، وهذه هي شروط حدوث العاصفة المشار اليها في أعلاه.
يسبب إستنشاق الغبار أمراض ذات الرئة والربو ، تماماً مثلما الحال في إستنشاق الدخان. وعليه، يستوجب إرتداء الكمامات عند التعرض للعواصف الرمليّة والغباريّة وإطفاء أجهزة تكييف الهواء التي تسحب الغبار والرمال الى داخل البيت أو السيارة.
جرس الخطر
والآن يجب أن نتذكر بأنّ إستمرار هذه العواصف بشكل متكرر، وهو ماسيحدث، فإنّ ذلك سيغيّر في خصائص المنظومة البيئيّة والزراعة وسنشهد بعد عقد من الزمن تغيّراً في لون الأرض في بعض المناطق وتبلور نضوج تشكيل وإستقرار ظاهرة أوعية الغبار المفروضة لتكون منشأً لهذه العواصف.
كما سيشح الماء في الأنهار وقلّة الأمطار نتيجة تغيّر المناخ وستنحسر الخضراء، وما علينا إلاّ أن نتمنى بقاء (الوجه الحسن) بعد إنحسار للماء والخضراء.
فعلينا دق جرس الخطر وإعلان وتوثيق قائمة المخاطر في برنامج بحث علمي حقيقي وواقعي سريع الفعالية بعيداً عن الكاميرا والمايكروفون.
سطور الختام:
ورغم مانراه في الأجواء والأنحاء
ورغم ماتكتبه السنين في الأنباء
ورغم لون ذلك الغبار
تبقين يابغداد في نقاء
ووردة العشّاق قد تفتّحت
وفاح عطرها في ساحة اللقاء..
{ ( پروفسور فيزياء الپلازما- عضو معهد الفيزياء في المملكة المتحدة)