وطنى ليس ككل الأوطان
خراب وضياع
أمسكت قلمي في ساعة متأخرة من الوقت , وقررت أن أكتب عن وطني العراق الحبيب , بعض الكلمات والمعاني , فوقفت عاجزاً عن التعبير والتفكير, وحتى عن سبب كتابتي, هل هو وفاء أو رثاء , هل مدح أو فخر, حاولت أن أجمع كل قوتي وأكتب جزءا مما يجول ويدور فى خاطري ونفسي, وأن أكتب عنه وعن بعض المواقف والمميزات التى يمتاز بها عن مختلف الأوطان. فالوطن بالنسبة لي, هو المكان الذي ولدت فيه، وعشت في كنفه، وكبرت وترعرعت على أرضه وتحت سمائه، وأكلت من خيراته وشربت من مياهه، وتنفست هواءه، واحتميت في أحضانه، فالوطن هو الأم التي ترعانا ونرعاها. وهو السند لمن لا ظهر له ، وهو البطن الثاني الذي يحملنا بعد بطن الأم. هو المكان الذي نحبه ، والذي قد تغادره أقدامنا , لكن قلوبنا تظل فيه , ويضل غالبا على كل من ينتمي إليه , فهو السكن والمأوى, وهو الحضن الدافئ عندما يغدر الآخرون ، هكذا رأيته متميزاً ومثاليا بالقيم والإنسانية وحب الأخرين , ولا يحتاج إي تزكية من أحد , لإنه أكبر وأعظم من هذه التزكيات , رأيته ويراه الأخرون كالشمس الساطعة , التى تمد ملايين الناس من هذا العالم بالدفء والحنان , بالطاقة المتجددة بالإمل والحياة , كان يحمل وطني بداخله أكبر مما تعنيه كلمة وطن , وجسده بالقول والفعل على أرض الواقع, وطنى كان مدرسة يضرب بها المثل فى الأخلاق , والفضيلة والثقافة والدين , وكل ما تتطلبه المثلية , لم يكن وطنا تقليديا كمثل الأوطان , فهو يختلف ومميز عنهم فى كل الأشياء , علمني إن سلاح كل إنسان هو الدين والعلم والمعرفة , ورسخ في أذهاننا إن الأهداف النبيلة تحتاج إلى الكثير من التضحيات , وأن المادة وسيلة للحياة , ولا يمكن أن تقيم الإنسان , كان دائماً باسطاً يداه لمساعدة الأخرين من الدول الفقيرة والمحتاجة , وأؤمن بأن الله زرق وطني وأنعم عليه بطاقة غير محدودة. علمنى إن الصبر قوة وشجاعة , ومن يتحلى به فى المحن ينال الرضا , والسعادة فى الدنيا والأخرة , وقدم لنا أعظم الدروس فى ذلك بصبره على الكثير من المحن والمصائب , وكان يحبس أحزانه وأنفاسه من أجل أن تستمر الحياة , بكل يسر ومرونه , ولا تؤثر ويتأثر بحزنه الأخرين , أيوجد أكثر من ذلك ثبات وصبر وقوة , أنه وطني الغالي العراق , علمني أن نناصر المظلوم , وندعم الضعفاء ولو بكلمة طيبة , وأن نعيش قضايا الأمة , ورسخ فى ذاكرتي وذاكرة الأخرين , أن من يعيش لنفسه لا قيمة له , نعم لقد سجد كل هذه المعانى والكلمات , بتفاعله مع من حولنا فى مصائبهم , وتعد ذلك بتفاعله وحزنه على ما يحدث فى العالم العربي والإسلامي , فكان على سبيل المثال , مناصراً للنضال فى كل مكان , وتألم على ما يحدث من مجازر فى فلسطين , وصبرا وشتيلا , وحروب لبنان وغيرهم , فكان وطني يحزن لمصابهم , ويدعو لهم بالثبات والنصر, علمني وطني المحبة والعطاء والإيجابية, وأن تكون لنا أهداف فى الحياة , فما عهدناه إلا متسامحاً مع كل من حوله, سباقاً للعطاء المادي والمعنوي, إن شعر مجرد الشعور أن من حوله في حاجته, له قلب يسع الجميع , قلب له القدرة على بث الحب للجميع , فلم يكن معرفة الإنسان كان أو دولة شرطاً لمحبته أو للتعاطف معه, علمني وطني أن الوطنية حب وأنتماء وتضحية وعطاء بدون حدود أو شروط , فكان يفتخر دائماً بجهاد أجدادنا أثناء الإستعمار , وحددثنا عن خصالهم وأخلاقهم , ورسخ فى داخلنا أن الوطن جزء من شخصيتنا, وأن الغيرة عليه من الخصال البديهية, ويردد لنا دائماً أن الوطن هو ماض وحاضر ومستقبل , علمني إن الوطن هو صمام الأمان , وهو السد المنيع الذي يحمينا من المؤثرات الخارجية. الوطن لا يحتاج لمساومة , ولا يحتاج لمزايدة , ولا يحتاج لمجادلة , ولا يحتاج لشعارات رنانة , ولا يحتاج لآلاف الكلمات أفعالنا تشير إلى حبنا، حركاتنا تدل عليه , حروفنا وكلماتنا تنساب إليها ، أصواتنا تنطق به آمالنا تتجه إليه، طموحاتنا ترتبط به هذا هو وطني العراق الغالي, وهذا قليل من خصاله وأفعاله , فلا الام لحزني عليه , وما يحدث له من خراب وضياع , وسلب إرادته وإستباحة سيادته, بسبب سلوك وتصرف وأفعال سفهاء القوم , ولا نلام إن بكيناه رمزاً ونبعا للحب والعطاء , ولا نلام إن بكيناه مصدرا للدفء والقوة , وقدوة فى الصبر والإيجابية فى الشدة والرخاء , فبقدر حزني وفخري بك يا وطني ستبقى أنت الوطن , وأتمنى أن أكون مثلك.
احمد عباس الذهبي – بغداد