وزير – اياد السعيد
قبل أن يمنّ الله علينا بهذه الديمقراطية وحكوماتها وبرلمانها الوطني المستقل المنتَخَب كنت أعمل مندوبا(مراسلا بلغة اليوم) لقناة العراق الفضائية .. وكعادتي عليّ أن أقف صباحا أمام مدخل وزارة الصحة في الجهة المقابلة بانتظار الباص الذي يُقلّني يوميا إلى ساحة عنتر ، ذات صباح وفجأة سمعت منبه إحدى السيارات المسرعة في الإتجاه الثاني مقبلة من ساحة عنتر بإتجاه الباب المعظم وأمامها سيارة إسعاف لكن الذي حدث ولفت إنتباه كل الحاضرين هو أن السيارة الصغيرة نوع مارسيدس ضايقت سيارة الإسعاف وأجبرتها على التوقف أمام بوابة وزارة الصحة بالضبط فترجل أحدهم بزيه العسكري مع سائقه وإتجه مباشرة إلى سائق الإسعاف فأنزله وأمره أن يفتح باب الإسعاف الخلفي وإنصاع هذا للأمر وفتح الباب ..
تفحص ذو الزي العسكري ما بداخل سيارة الإسعاف وبهدوء سحب سائقها من يده وأشار إليه بأن يقود سيارته ليسير خلفه فدخلت السيارتان إلى بناية وزارة الصحة ورغم بعد المسافة بيني والحادث إلا أنني تيقنت أنّ ذا الزي العسكري هو الوزير أوميد مدحت مبارك فلا يحتاج الأمر إلى ذكاء أو تمحيص لأنها سيارة مميزة ومعه سائق خاص وآخر مرافق .. لم أستفسر من أحد ولم أعبر الشارع لأرى ماذا يحصل لأني مرتبط بدوام رسمي ففضلت صعود الباص لأذهب إلى عملي لكنني وبفضول الصحفي أردت أن أعرف ماذا حصل فإتجهت إلى زميلتي مندوبة القناة في قطاع وزارة الصحة وأخبرتها بما شاهدتُ وطلبتُ منها أن تسأل الوزير عمّا حدث .. في نهاية الدوام وعند عودة الجميع من واجباتهم لكتابة تقاريرنا ومونتاجها قالت لي زميلتي إن ما حصل هو أن وزير الصحة كان في سيارته نحو مقر عمله وقد لاحظ سيارة الإسعاف هذه تسير بسرعة مع تشغيل جهاز التنبيه فيها ولاحظ من خلال زجاجها عدم وجود مسعف أو مرافق أو حتى مريض بداخلها فأراد أن يتأكد بنفسه ، ولمسافة مناسبة إعترض سيارة الإسعاف وفتح بابها فلم يجد مريضا أو حالة طارئة ولا مسعفا وإنما السيارة فارغة وإن السائق هذا خالف تعليمات الوزارة والمرور لأنه شغّل صفارة التنبيه بدون مبرر لذلك عاقبه .. بعد أسبوع من الحدث كانت مناوبتي للزميلة عند إجازتها فكان واجبي أن أعد تقريرا عن حصة وزارة الصحة وما وصلها من مستلزمات وأدوية ضمن إتفاقية النفط مقابل الغذاء والدواء فدخلنا مكتب الوزير وكانت الصدفة أن الوزير كان في إجتماع مع مسؤولي تنفيذ الإتفاقية من الامم المتحدة فكنت مصغيا لحديثه ونقاشه معهم بإنتباه شديد وأردت تسجيل ثلمة أو غموض لأنفذ من خلاله إلى معلومة أو مفصل غائب فلم أجد لأن النقاش كان واضحا وبالأرقام والكميات ومواعيد التسليم وقد عرض الوزير حاجة العراق الفعلية وكان غير راضٍ وكلماته حادة وجادة بديبلوماسية وهدوء لافت.
حين إنتهيت من تسجيل تصريح له سألته عن الحدث الذي شاهدته بنفسي مع السائق فضحك وقال بهدوء أيضا : هذا موظف في وزارة الصحة يعني أنا مسؤول عنه أساء لنـــــــظام الشارع وأيضا إستخدم صفارة التنبيه بلا مبرر، يجب أن ينال جزاءه لكــــي يلتزم بالنظام هو وغيره .