وداع شيخ قضاة العراق
أكرم عبد الرزاق المشهداني
فاضت إلى بارئها راضية مرضية مطمئنة، روح شيخ قضاة العراق، وأحد عمالقة القانون العرب، ورئيس محكمة تمييز العراق سابقاً، الأستاذ القاضي ضياء شيت خطاب، رحمة الله عليه، وذلك فجر يوم التاسع من نيسان 2012، وأقيمت على روحه الطاهرة مجالس العزاء في الموصل وبغداد وعمّان، حضرها الكثير من القضاة والقانونيين من زملاء وطلبة الراحل العزيز. ويبدو أن قدر العراق أن يفقد أبناءئه الأبرار واحداً تلو الآخر، على ترابه أو في ديار الاغتراب، ومؤسف أن لا نسمع بخبر رحيلهم إلا بعد مرور فترة من الزمن والعتب على أجهزة ووسائل الإعلام المنشغلة عن هكذا شؤون.
علاقتي بالراحل وذكريات
تعود علاقتي بالأستاذ الفاضل ضياء شيت خطاب، شيخ قضاة العراق، وسنهوري العراق، وأحد عمالقة القانون في الوطن العربي، إلى أعوام 1966 ــ 1969 حيث كان المرحوم يدرسنا في كلية الحقوق مادة المرافعات المدنية، وأتذكر أنه طلب منا تقديم بحث في المادة، وأن درجة البحث تكون 20 ، وفعلا كتبت بحثا بعنوان البينة في الإثبات بين الشريعة والقانون ، ونلت عليه درجة كاملة، ومرت السنون وكنت أتابع أخبار أستاذنا ضياء، من خلال ولده فارس الذي كان يشتغل مفوضا في دائرة عملي الأدلة الجنائية . وفي الأعوام الأخيرة قبيل غزو العراق كنت أحرص على زيارته في منزله بحي القضاة في الحارثية كل يوم جمعة مع مجموعة من أحبابه. وقد فاجأني في عام 2002 أي بعد 33 عاما، بتقديم نسخة البحث الذي قدمته له وأنا طالب بالحقوق 1969، مما يدلل على ذكاء هذا الرجل واهتمامه ببحوث طلابه واحتفاظه بها. كان الراحل لا يتردد في معاونة أي طالب علم أو باحث وكان يعين طلبة الدراسات العليا بإعارتهم كتبا من مكتبته الخاصة النادرة التي تحوي آلاف الكتب.
ولعله واجبٌ علينا ان نعرف العالم بتاريخ أحد عظماء امتنا العربية والاسلامية الذين رصنوا الامة بقواعد واسس متينة، في مجالات الفقه والقانون والقضاء، اقدم على عجالة نبذة عن حياة قاض من قضاة الامة واعدل قضاة المسلمين بحكمه وقراراته التي لم تحِد عن الحق أبدا.. انه الاستاذ العلامة ضياء شيت خطاب رئيس محكمة التمييز الاسبق في العراق، احد أبرز فقهاء القانون في العالمين العربي والإسلامي.
نبذة عن حياة علامة القضاء ضياء شيت خطاب
ولد الأستاذ ضياء شيت خطاب في مدينة الموصل 1920 من ابوين عربيين، ومن أسرة شريفة النسب تمتهن التجارة تجارة الخيول ، حيث يتصل نسبه الى سيدنا الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب، ولديه ثلاثة اشقاء وخمس شقيقات، ابرزهم العالم والمؤرخ العسكري الاستاذ اللواء الركن محمود شيت خطاب والفريق علي احسان شيت خطاب، وكلهم ممن خدموا عراقنا الحبيب في مجالات شتى، فاللواء الركن محمود شيت خطاب علم من أعلام العراق وعضو مجمع اللغة العربية وتقلد مناصب وزارية عدة في العراق، وله مؤلفات تاريخية وعسكرية معتبرة ماتزال لحد اليوم تعاد طباعتها.
أتم الراحل ضياء شيت خطاب دراسته الأولية في مدينة الموصل أم الربيعين عام 1938 ودخل كلية الحقوق ببغداد وتخرج فيها عام 1942، وبعدها تزوج من السيدة عالية ضياء يونس من اشهر عائلات مدينة الموصل وانجب منها ثمانية اولاد، ثم سافر ببعثة دراسية عليا، الى الولايات المتحدة وحاز على الماجستير في القانون المقارن من جامعة جورج واشنطن. ومنح شهادة تقديرية من قسم القانون والسياسة في جامعة بغداد بمناسبة مرور 75 عاماً على تأسيسها حيث كان ضياء شيت من خريجيها المتميزين، كما كرمته كلية الحقوق قبل أربعة أعوام في ذكرى مرور مائة عام على تأسيسها 1908 ــ 2008. كما كرمه بيت الحكمة ومنحه جائزة القانون، وأصدر عنه كتابا من تأليف السيد حميد المطبعي.
بعد تخرجه من كلية الحقوق مارس المحاماة بضعة أشهر ثم عين معاوناً قضائياً في محكمة بغداد، وفي 1945 عين حاكماً قضائياً في المحاكم المدنية. ودرج في المناصب القضائية حتى اصبح عضواً في محكمة الاستئناف في بغداد عام 1955. وانتدبه وزير العدل مدوناً قانونياً في ديوان التدوين القانوني عام 1959. وعين حاكماً للتمييز عام 1963 وانتدب إلى ديوان التدوين القانوني مجلس شورى الدولة سنة 1970، وعين نائباً لرئيس محكمة التمييز ثم رئيساً لمحكمة التمييز عام 1979. واحيل على التقاعد لبلوغه السن القانوني عام 1983. وكان خلال اشتغاله في محكمة التمييز استاذاً محاضراً في كليات الحقوق. كما كان يستضاف في معهد البحوث والدراسات العربية التابع للجامعة العربية في القاهرة لإلقاء المحاضرات على طلبة الدكتوراه والماجستير والدبلوم.
من أبرز مؤلفاته
1 ــ شرح قانون المرافعات المدنية والتجارية 1967.
2 ــ بحوث ودراسات في قانون والمرافعات الجديد 1970.
3 ــ التنظيم القضائي في العراق 1968.
ــ الوجيز في قانون المرافعات العراقي 1973.
5 ــ فن القضاء 1984.
6 ــ أدب القضاء. وقد أهداني نسخة منه 1999.
7 ــ وله أكثر من خمسين بحثا منشورا في الدوريات الاكاديمية داخل العراق وخارجه.
أهم المناصب التي تقلدها
تولى مناصب عديدة ساهم من خلالها في خدمة وتحقيق العدالة في العراق . فقد مارس الاستاذ ضياء شيت خطاب المحاماة لبضعة اشهر بعد تخرجه، وبعدها تم تعيينه معاوناً قضائياً في محاكم بغداد مابين الاعوام 1945 ــ 1955، وعين بعدها عضواً في محكمة الاستئناف العراقية في بغداد عام 1955. وبعدها انتدبه وزير العدل للعمل خبيراً في ديوان التدوين القانوني ونتيجة لابداعه وتفانيه في عمله فقد عين عضواً في محكمة تمييز العراق عام 1964 ثم رئيساً لديوان التدوين القانوني ما يعرف اليوم بمجلس شورى الدولة عام 1970 وبنفس السنة عين رئيساً لمحكمة التمييز العراقية، واستمر بوظيفته هذه حتى عام 1979، ونال منصب عضو لجنة التحكيم الدولية في مدينة لاهاي. وكان رئيساً للجنة وضع قانون التنظيم القضائي رقم 60 لسنة 1979، ورئيس لجنة وضع قانون التنفيذ رقم 45 لسنة 1980، ورئيس لجنة وضع قانون الرسوم العدلية رقم 14 لسنة 1981، ورئيس لجنة وضع مشروع قانون الاجراءات المدنية، وعضو لجنة مشروع القانون المدنـي. بالاضافة الى انه شارك بوضع بعض القوانين المتعلقة بتنفيذ قانون اصلاح النظام القانوني رقم 35 لسنة 1977.
كما نال الاستاذ ضياء شيت خطاب عضوية المجمع العلمي لثلاثة اقطار عربية هي العراق والاردن ومصر العربية بالاضافة الى انه قد مثل العراق في ندوات ومؤتمرات عربية ودولية، منها المؤتمر الأول للمحامين العرب بالقاهرة 1961 بحضور الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وألقى الأستاذ ضياء بحثاً في المؤتمر نال الاستحسان. وقد اطلق عليه كثير من الباحثين والقانونيين العرب لقب سنهوري العراق ، نسبة إلى شيخ القانونيين العرب الأستاذ المرحوم عبدالرزاق السنهوري، أحد واضعي القانون المدني العراقي، نظراً لما قدمه من خدمات كبيرة للقانون.
إضافة لعمله في مجال القضاء، فإن العلامة ضياء شيت خطاب، مارس التدريس في الجامعات والمعاهد العراقية لسنوات طويلة منذ عام 1959، حيث كان استاذاً محاضراً في كلية الحقوق بجامعة بغداد لسنوات كثيرة ودرَّس ايضاً في المعهد القضائي وفي كلية القانون جامعة النهرين جامعة صدام سابقاً .
رحل ضياء شيت خطاب، وفاضت روحه إلى بارئها، بعد مسيرة حافلة بالعطاء الثر للعراق وللأمة، كان رحمه الله، حجة في القانون، وكان قديرا في تفسير النص القانوني، وكان مثالا للقاضي العادل الشجاع المصلح، يحمل دقة في التفكير، وحيادا في الرأي، وعدالة في الحكم، وعلم لاينافس في الشريعة والقانون يرحمه الله.
يكفيه فخرا أنه قد تخرج على يديه الآلاف من القانونيين والقضاة العراقيين والعرب وأن آثاره العلمية ماتزال تنتج آثارها وتشع العلم والمعرفة لتضئ الدرب لسالكي درب القانون. فبعد الإحتلال الغاشم عام 2003 إستضافت قناة الجزيرة شيخنا الفاضل ضياء شيت خطاب، يوم 14»5»2003، في برنامج مباشر يبث من بغداد يدعى العراق مابعد الحرب يقدمه محمد كريشان وكان الحديث عن القضاء في العراق، وحين سأله المقدم عن مدى استقلالية القضاء في العراق قال الاستاذ خطاب بالحرف الواحد الدستور العراقي المؤقت لسنة 1970، وهو آخر دستور مؤقت عراقي ينص على أن القضاء مستقل ولا سلطان عليه لغير القانون، وكذلك قانون التنظيم القضائي أيضاً فيه نص أن القضاء مستقل ولا سلطان عليه لغير القانون من الناحية القانونية والدستورية .
وحين سأله مقدم البرنامج محمد كريشان عن مدى وجود تدخلات خارجية في شؤون القضاء العراقي، قال الأستاذ ضياء أنا عينت قاضيا منذ عام 1945 بالعهد الملكي، ثم الجمهوري، واستمريت بالقضاء من قاضي صغير إلى رئيس محكمة التمييز، وقضيت عشرين عاما متواصلة في محكمة التمييز ولم ألمس أي تدخل مباشر بالدعاوي… هذا غير موجود، لم يطلب منا شخص أن نحكم بكذا، ولا نحكم بكذا… سواء في العهد الملكي أم الجمهوري . وهذه شهادة لنقاء القضاء العراقي قبل أن يتلوث بعد الإحتلال.
ويمكن لمن يريد الإطلاع على هذه المقابلة قرائتها على موقع شبكة الجزيرة على الانترنيت بالرابط التالي
من الامور المبدئية هي رفض المرحوم ضياء شيت خطاب المشاركة في لجنة كتابة الدستور المسخ لعام 2005، حيث حضر عدد من أعضاء لجنة كتابة الدستور إلى داره في الحارثية، وطلبوا رأيه في مواد الدستور، فأجابهم الأستاذ ضياء بكل صراحة وشجاعة كيف اشارك المحتل بكتابة هذا الدستور المعد سلفاً من المحتل وابداء رايي فيه ، وقال لهم لقد تصفحت مشروع الدستور وانتم تقولون قد اعددتم الدستور… فما الفائده ان القي نظره عليه بهذه العجالة؟ انه يحتاج الى تعديل جذري وانا غير موافق عليه ، وقد اعتذروا منه في نهاية الامر.
رحم الله شيخ قضاة العراق، ضياء شيت خطاب، واسكنه فسيح جنانه فقد كان عالماً وقاضياً وأديباً ومعلماً خدم العراق وفق امكاناته نزيهاً شريفاً ملهماً لكل من سار على درب العدالة الحقيقية المنصفة.. كان ضياء شيت خطاب مدرسة كاملة في علمه وشجاعته وأدبه.. وفي معاونته للآخرين وبالأخص دارسي القانون..
/4/2012 Issue 4176 – Date 17 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4176 التاريخ 17»4»2012
AZP07