كلام مسموع
حسن النواب
قد يظن بعض القرّاء ، أني أبالغ كثيرا إذا ما أخبرتكم أن خروج المنتخب الأولمبي من تصفيات كرة القدم في البرازيل صدمني بقسوة وجعلني مكتئباً ولم أتناول طعامي لمدة يومين متتاليين ، مكتفياً بشرب بعض العصائر وقهوة بمرارة نتيجة التعادل ، والتي أضاعت حلمنا بالصعود الى نصف النهائي ، بل في يوم المباراة مع جنوب أفريقيا والتي صادفت عندنا في الساعة التاسعة صباحاً وهو موعد ذهاب أبنائي لمدارسهم ويتوجّب حملهم بالسيارة لإرتباط أمهم بعملها كمربية أطفال بذلك الوقت ، ولذا قررت منحهم إجازة شخصية والبقاء في المنزل برغم ان وقت نقلهم الى المدرسة لا يتجاوز الربع ساعة ، لكني آثرت ان لا أفقد حتى دقيقة واحدة من هذه المباراة الحاسمة وحتى أرى لاعبي المنتخب وهم يرددون النشيد الوطني ، لم انم تلك الليلة وبقيت سهرانا نتيجة القلق الذي إجتاحني بلا رحمة ، ولما بدأت المباراة ، كان جسدي يرتعش لسبب مجهول ، وتفاقم خفقان قلبي وإضطرابي مع تسجيل منتخب جنوب أفريقيا هدفاً تافهاً وغير متوقع بمرمانا ، لكني استرجعتُ تنظيم روحي وشكيمتي مع هدف التعادل الذي سجله اللاعب الغيور سعد عبد الأمير ، وإتسعت نافذة الأمل أمام ناظريَّ مع ضغط منتخبنا المتواصل على مرمى فريق الخصم وتوالت الفرص المحققة التي تبخّرت بسبب أنانية بعض اللاعبين وسوء الحظ ، في الشوط الثاني سارعت لإبتلاع حبوب الضغط وداء السكّر مع إفراطٍ خطر بالتدخين ، وفشلت من تناول كأس عصير البرتقال لتقوية وهن قلبي بعد ان أضاع شيركو كريم هدفاً مؤكداً وهو على بعد ياردات قليلة من المرمى ، دقائق المباراة تركض أسرع من غزال شارد ودقات قلبي تخفق بعنف مثل طبل أفريقي ، حينها أدركت ان المنتخب العراقي أضاع فرصة الصعود الى الدور الثاني بعد تبديلات المدرب عبد الغني شهد ، وعرفت فيما بعد ان تبديل علي حصني كان بسبب تدهور حالته الصحية ، بينما حمادي أحمد أهدر فرصة تسجيل هدف محقق نتيجة تمركزه الخاطىء ولذا لم يتمكن من اللحاق بكرة عرضية كانت قريبة جداً من قدميه ، وبدأت ملامح الخيبة ترسم لوحتها المؤلمة على وجوه الكادر التدريبي وخريطة العراق بأكملها ، سبقتها بأيام خيبة خسارة مشترك بمسابقة التجذيف وهزيمة الملاكم وحيد عبد الرضا الذي علل خسارته لإصابة عادت إليه بالجولة الثانية ؟! وهزيمة لاعب في مصارعة الجودو ، لم يبق الاّ رباع رفع الأثقال سيروان والذي سنراه هذا اليوم ، أملاً بالحصول على ميدالية برونزية برغم المؤشرات تخبرنا ان هذا الإنجاز التأريخي يبدو مستحيلا ً، هكذا اذن بكل بساطة عاد وفدنا العراقي من البرازيل بوجوه قانطة وحزينة ، نحن العراقيين عندما نفكّر بالدفاع ، نتوّحد جميعا ، وهذا سر تعادلنا مع البرازيل ، ونحن العراقيين عندما نفكر بالنصر ،كل واحد منا يريد ان يصبح عنترة بن شدّاد وهذا سبب إنكسارنا الدائم ، 29 مرة وصلنا الى مرمى جنوب أفريقيا مع عشر فرص بأهداف محققة ، سبب الخسارة أنانية اللاعبين ، والله والله ، كنت أخشى ان أنانية اللاعبين ستجعل الفريق يعود الى بغداد بخفيّ حُنين ، لأن تعادلنا مع الدنيمارك كانت سببه الأنانية، بينما اللاعبين الشقر فازوا على جنوب أفريقيا ، لأنهم سجلوا هدفا بعيدا عن الأنانية ، لقد إنهزموا من البرازيل بخسارة ثقيلة لكنهم صعدوا ، لأنهم كانوا يفكرون بتعاون جماعي قبل مصالحهم الشخصية ، لأنهم يمتلكون وعياً إحترافيا ، لاعبونا يفتقرون له للأسف ، لا تلوموا المدرب فلقد وصل الى مرمى الخصم 29 مرة وأقولها بصراحة أن المنتخب العراقي بحاجة الى طبيب نفسي وكادر إداري مثقف ويمتلك الوعي ، أنانية اللاعبين سبب الخسارة أولاً وسوء الحظ ثانياً وهذا الحظ لا نستحقه بسبب الأنانية ، هذه هي الحقيقة ، لم يكن بعض اللاعبين يفكر الاّ بنفسه ، كان يريد لفت الأنظار إليه لأسباب تعرفونها جميعا ، لأن السماسرة يجلسون على المدرجات ، خسر اللاعبون ما فكروا به من صفقات إحترافية ، وخسر العراق ، ثمة صورة غريبة نشرتها مواقع التواصل الإجتماعي إستوقفتني بعد خروج المنتخب الأولمبي ، إذ شاهدت المدرب عبد الغني شهد بتلك اللقطة فاقداً لأعصابه وهو يركل حمّالة قناني الماء والتي ظننت إنها تعويذة أفريقية زرقاء وضعت امام الكادر التدريبي ، لتبطل سحر منتخب جنوب أفريقيا ؟! الذي إشتهر بصناعة السحر لمنتخبه ، ترى هل كنّا بحاجة الى طلّسم يبعد الأنانية عن بعض اللاعبين وسوء الحظ ، وهل كان بوسع المشعوذ ابو علي الشيباني أن يصنع طلّسما يجعل المنتخب العراقي يعود الى بغداد بالميدالية الذهبية ؟! لا ادري كيف سيكون الأمر مع منتخب كرة القدم وهو يقترب من تصفيات كأس العالم ؟ وهل ان المدرب شنشيل سيعتمد على تعويذة من سوق مريدي بمباراته مع منتخب أستراليا والتي ستقام بمدينة بيرث حيث أقيم ، وبرغم ان الملعب لا يبعد عن منزلنا الا بمئات الأمتار ، لكني لن أحضر لهذه المباراة حتى لا يتوقف قلبي بسكتة مفاجئة ، وسأظل حبيس منزلي أدعو لهم بالفوز وبعيداً عن السحر والشعوذة ؟‼ عسى نراهم في روسيا هذه المرة ، وليس ذلك ببعيد على أسود الرافدين .
حسن النوّاب
hassanalnawwab@yahoo.com