كلام أبيض
وبلغوا سن الرشد – جليل وادي
في بلد يُكثر فيه الاستثنائي ، وكل ما هو خارج القواعد والضوابط بتنا نشك في كل شيء ، فهل كل من بلغ الثامنة عشرة من العمر أصبح راشدا ، وهل يرتبط الرشد بالعمر دون عوامل أخرى ربما تكون أكثر أهمية من سنين تمر فتغير ما بالأجساد أكثر مما تغير في العقول ؟ ، يُقال ان الرشد سن البلوغ والتعقل والتكليف ، والرشاد تعني الطريق الصحيح ، والراشد هو الذي يسلك الدرب السوي ، وعندما يوصف هذا العمر بسن التكليف فانه يدل على ان الشاب أصبح صالحا في دينه ، ومصلحا في ماله ، ويشير التعقل الى الفهم ، وان الشاب أصبح يفكر بطريقة منطقية ، وبات يدرك منافع وأضرار البيئة التي يحيا فيها والسلوكيات التي يقوم بها .
ما نراه في الشارع ليس من النوادر : ماذا يعني أن يزدحم بسلوكيات شبابية بعيدة كل البعد عما يُطلق عليه بالرشد ؟، بالرغم من ان أعمار بعضهم قد تجاوزت السن الذي عد معيارا للرشد ، ما يجعلك تشك في صحة هذا المعيار .
الكثير من الناس غير راضين عما يرون ، ويتوقعون ان الظاهرة الشبابية بحالها الراهن تضمر خطرا مستقبليا جسيما عصي على السيطرة طالما فقدناها الآن ، بوادر القلق والحذر التي تنتاب الناس بادية لعيان كل من يتأمل في الظاهرة ، حتى صرت تظن ان عقدين اضافيين لن تجعل من بعض شبابنا راشدين ، فالسلوك الطفولي والرعونة والتهور ، والتصرفات غير المهذبة ، وعدم انتقاء الألفاظ المناسبة للمقام ، وعدم تفهم مواقف الآخرين ، وضعف ادراكهم لأهمية قيمة التقدير ، صارت سمات راسخة لدى الكثير منهم .
عندما نلتقي أشخاصا من شرائح مختلفة وبأعمار كبيرة ونلحظ انهم غير راشدين سرعان ما نعزو أسبابه للجهل ، أي ضعف او انعدام الحصيلة العلمية والثقافية ، وبما ان المدرسة هي المسؤولة عن اكساب الأطفال المعارف العلمية ، فغالبا ما يكون التشكل الثقافي مقرونا بعملياتها ، والمدرسة هي أكثر مؤسسات التنشئة الاجتماعية تأثيرا في هذا الشأن بحكم عملها الممنهج والهادف . ولذلك يمكن القول لا رشد حقيقي الا مع دور فاعل للمدرسة . ولإهمالنا المدرسة تراجع مستوى الرشد الذي بدأ مع الحرب العراقية الايرانية ، وتجلت مظاهره في فترة الحصار ، واتسع بشكل لافت بعد الاحتلال ، ومع كل مرحلة تزداد خطورة هذه المظاهر ، وتتجسد بأفعال بعضها غريب جدا لم نسمع به من قبل ولا يستوعبه عقل .
واذا كان العمر لا يكسب رشدا ولابد من معيار معزز آخر ليتسنى تصنيف هذا الشاب او الشابة ضمن الراشدين ، وقد يكون المعيار الداعم هو التحصيل الدراسي بمستوى معين ، فان المدرسة لا تكسب نضجا اجتماعيا ، ذلك ان النضج الاجتماعي هو حصيلة التفاعل مع مختلف شرائح المجتمع ، واكتساب الخبرات والمهارات التي يقتضيها التعامل في الحياة اليومية ، لذا قد تجد من يحمل أعلى الشهادات الدراسية ولكنه غير ناضج اجتماعيا ، بينما تلتقي رجلا بأعلى درجات النضج الاجتماعي لكنه لا يتوافر على تحصيل علمي .
بالمطلق أقول : ان مدرسة حقيقية وليست شكلية ، مع معلمين يؤمنون ان التعليم ليس مهنة يكتسبون منها أجرا فحسب ، بل رسالة أخلاقية ، كفيل بان تصل بالشباب الى الرشد حتى قبل بلوغهم عمر الثامنة عشر ، ما يجنبنا المستقبل الذي نراه مرعبا في حال بقت الأمور على حالها .
مشكلتنا في اللامبالاة التي تطبع سلوكنا ، وعدم تأملنا في دقائق الأمور ، فكل الأشياء من حولنا متروكة للتشكل العشوائي ، وتصوروا شكل الثمار التي سنجنيها من عمل بلا تنظيم دقيق ولا هدف واضح ولا أداء مخلص ، ما زلنا لا نعرف بالضبط ماذا نريد ، وكيف نحقق ما نريد ؟ ، البعض ممن يتصدرون الصفوف أسير الانتقاد دون أن يحرك ساكنا ، والبعض الآخر تطغى الانشائية على أفكاره ويرى في نفسه علاّمة زمانه ، بينما سيل الخراب يتسع ، وطال حتى المقدس ، وكونوا على يقين : بانهيار منظومتنا القيمية ، لن تقوم لنا قائمة.
jwhj1963@yahoo.com