قصة قصيرة
وادي عبقر
مساءً سمعت طرقا على الباب الخشبي القديم من مطرقة نحاسية على شكل رأس أسد، سألتُ
= من هناك ومن الطارق؟
فجاء صوت غريب من بعيد: أفتح نحن الجن قلتُ لهم وأنا في حيرةٍ من أمري: عموا ظلاماً كانت الليلة كما يقال ليلة ليلاء والقتام يشتد والنوء غامضٌ لا يفتح عن شيء والسماء لا تبين لكن احدهم أجاب: عموا صباحاً، عموا مساءً نحن هنا لأخذك الى وادي عبقر.
محفوظ داود سلمان
قلت لهم يا أبناء العم أيها الجن ماذا أفعل أنا في وادي عبقر، إني شاعر على هامش الشعر ولا أومن بان الشعر ينتج حنطة او ينضج الخبز أجاب أحدهم: بدون سجال او نقاش تفضل معنا فهناك اجتماع طارئ للشعراء الصعاليك من اجل الدفاع عن حقوقهم.
فركبت مضطراً او خائفا في عربة فضائية وغادرت منزلي، وشاهدت من الأفق كثبان الرمال وأشجار الأثل والقيصوم والخزامى والشيح تنتشر في صحراء ليست لها أبعاد وكانت الخيام والدور تبتعد عني وتتضاءل حتى وصلنا وادي عبقر وهو وادٍ تسكنه الجن والغيلان يمتد في اعماق الصحراء بين جبلين وعليه سقف من الاشجار وتنمو نباتات العرار وعندما هبطنا شعرت بالخوف مما سيحل بي في هذا المهمة النائية، لكن شيئا لطّف من شعوري بالتوتر عندما رايت في انتظارنا شاعر الصعاليك عروة بن الورد والسليك بن السلكة والشاعر تأبط شراً، والشنفرى،
سألت الشاعر تأبط شراً من أيما عرب انت فأجاب انا ثابت بن جابر من قيس بن عيلان بن مضر بن نزار كنت تأبطت سيفي وخرجت وعندما سألوا أمي عني قالت تأبط شرا وخرج وانا واحد من اشهر العدّائين العرب الذين لا تلحقهم الخيل وكنت سقطت في كمين واستطعت النجاة عدْواً على الاقدام مع رفيقي الشنفرى.
ثم تقدم عروة بن الورد قائلا انا أنسب الى قبيلة عبس وانا الذي أوقع الحرب بين عيسى وفزارة وانا ساخط على الظرف الذي جمع بين ابي وامي ورغم اني عشت محروما فأنا ابو الصعاليك وانا من سرق مئة من الابل وزعتها على الفقراء الصعاليك كنت مدمنا على الغزوات والغارات في احياء العرب وانا واضع سياسة الصعاليك ثم تقدم الشنفرى: انا من بني الحرث بن الازد وانا ابن اخت تأبط شراً وقيل في المثل اعدى من الشنفرى فانا واحد من ثلاثة عدّائين ، أخذتُ أسيراً منذ طفولتي وقتلت 99 شخصا من الناس الذين اسروني بما فيهم قاتل ابي عندما كان محرماً في منى تقدم كبير الجن وقال والان عرفنا الخصائص التي تتفردون بها الغزو والاغارة والعدْو أي الركض السريع، واحتمال الجوع وقول الشعر بلغة الصعاليك وجمهور الفقراء انتم ذؤبان العرب وانتم أغربة الصحراء والان علينا اتخاذ قرار حاسم للدفاع عن مصالحكم ضد الشعراء اصحاب الياقات البيض والمعلقات والاسواق التي كان يجلس فيها النابغة الذبياني في قبة من ادم يقدم معايير في النقد كما يشتهي ويكيل بمكيالين ولذلك علينا البحث عن لغة جديدة تعبر عن جمهور الصعاليك وان نحرق قبة الادم التي يتستر وراءها النابغة والشعراء المداحون/ تقدم واحد من الشعراء المجانين وفجر نفسه ولما اشتعلت النيران في المخيم كانت الجن تسخر وتفصح عن براثن ذئبية وهي تحدق في النيران مغمورة بسعادة زائفة لمرأى النيران المشتعلة وهنا انتفض عروة بن الورد ابو الصعاليك محتجا على هذا الجنون ، والعمل الانتحاري الذي يستهين بالانسان وقيمته الانسان اثمن راسمال وقف عروة يلقي خطابه ايها الصعاليك..
يا غربان العرب وذؤبانها..
نحن نعيش مرحلة من اخطر مراحل التاريخ، اننا جيل الضياع والفقر والتشرد، نحن الذي ولدنا من رمال الصحراء وسبرنا اغوارها، وقرأنا اخفاف الابل وشربنا الماء القراح، وبقرنا بطون البقر وبحثنا عن قطرة ماء واستقطرنا السراب في جلود الابل وكنا نمتص قطرات الندى في خِرق ثيابنا المبتلة ونشتف عرقنا نازفا من جباهنا نحن الذين قطعنا الصحراء عدواً وخُلعنا من قبائلنا كنتم تصرخون امام بيتي يا ابا الصعاليك اغثنا فنخرج للغزو، انتم عيالي علينا اختيار الزمان والمكان المناسب لسلب اموال الاغنياء وتوزيعها على الفقراء ولا نسمح لأحد بتزييف فلسفة الصعاليك او تحريف الصعلكة كما يفعل اصحاب الابل لاني رايت الناس شرهم الفقير، ان للصعاليك لغة مغايرة تعبر عن وضعنا الاجتماعي الراهن وعن مرحلة جديدة يا غربان العرب..
ان الجن تلك الكائنات الخفية الشفافة التي لا نراها تتامر علينا وتتحرك بين الستائر والحظائر تريد استلابنا لاهداف بعيدة عن اهداف الصعلكة وغاياتها النبيلة وبينما انا في غمرة ذهولي من خطاب عروة بن الورد ولغته وهو يتقدم حشد الصعاليك، وكانت الظهيرة شديدة القيظ والجن تعبث في الفضاء الازرق، سمعت في قيلولتي بين اليقظة والحلم ـ طرقاً على الباب الخشبي وكان الجوع قد الح بي ، ورايت القمر الافل قرصا من الرغيف خرجت لأفتح الباب لعل الجن عادت ثانية تريد اعتقالي او اخذي الى وادي عبقر للمشاركة في ثورة الصعاليك واستنفار الجياع لكني فوجئت بامير الصعاليك ووجهه الجهم الشاعر عروة بن الورد يقول: انا وكيل المواد الغذائية وقد وصلت اليوم مفردات البطاقة التموينية تفضل لاستلام حصتك من الدقيق.