وإلي بغداد سليمان باشا وأهل الموصل – طارق حرب
في سلسلة بغداد تراث وتاريخ كانت لنا محاضرة عن الوالي العثماني سليمان باشا الصغير الذي تولى حكم بغداد من سنة 1807 الى سنة 1810م وعلاقته بالموصل التي كانت مقراً لتجميع القوات للأطاحه بحكمه ومحلاً لقائد هذا التوجه القائد العثماني حالت أفندي الذي قاد هذه القوات وجلها من أهل الموصل بقيادة محمود باشا الجليلي وهاجم بغداد وكيف ان والي بغداد سليمان باشا( كوچك) أي الصغير لما علم بما يدبره له حالت أفندي ومحمود الجليلي وان الجيش الذي سيهاجم بغداد أكثره من أهل الموصل أصدر أمراً بأن لا يبقى في بغداد أحد من أهل الموصل حتى ولو كان مقيماً في بغداد منذ زمن بعيد لا بل تذكر بعض المصادر التاريخيه انه لا يقيم الموصلي ببغداد حتى ولو كان ساكناً فيها منذ أربعين سنه وكان ذلك سنة 1810م وكيف ان أهل الموصل فرحوا عند مرور رأس هذا الوالي مسلوخاً في طريقه الى الاستانه بعد قتله. وتبدأ عملية (اجتثاث) أهل الموصل من بغداد وتعرضهم للتنكيل وسجنهم وضربهم بالسياط منذ أن تولى سليمان باشا الصغير حكم بغداد سنة 1807 حتى سنة 1810م والذي تولى السلطه بعد مقتل سلفه والي بغداد علي باشا بطعنة خنجر في خاصرته سددها له أحد الموثوقين المقربين منه عندما كان يصلي صلاة الفجر وكان من قتله يصلي الى جانبه في المسجد فتولى ابن أخت القتيل سليمان باشا الصغير ولاية بغداد بعده وعلى الرغم من صدور فرمان من الاستانه بتعيينه لكن الدوله العثمانيه لم يرضها هذا الوالي لأسباب عديده منها قلة الاموال التي يرسلها للباب العالي من بغداد ورغبة الدوله العثمانيه بانهاء حكم المماليك لبغداد حيث ان سليمان باشا الصغير وقبله الولاة السابقين بمن فيهم الاقوى سليمان باشا الكبير من المماليك كما ان الوالي الجديد وجه حملة عسكريه الى جنوب تركيا في مدينتي أورفه وماردين لتأديب بعض القبائل وترتب على ذلك حصول عمليات قتل وسلب ونهب من سكان المناطق التي مر بها جيش والي بغداد وقدم سكان هذه المناطق شكاوي الى الباب العالي لذلك تزايدت الرغبه لدى الاستانه بأنهاء حكم سليمان باشا لبغداد حيث وجد السلطان العثماني الجديد محمود الثاني الذي تسلم العرش في الاستانه سنة 1808م وجد ان والي بغداد لم يكن يسير في خطة الدوله العثمانيه لاستحواذه على أموال سلفه ولم يرسلها الاستانه وان هنالك تدخلا للفرنسيين في بغداد لذلك كلف السلطان حالت أفندي الذي أشغل سابقاً منصب رئيس كتاب أي وزير خارجيه الذي يثق به السلطان فزادت مناصبه في الدوله العثمانيه وان كانت له توجهات تقترب من البريطانيين ويبتعد عن الفرنسيين لذلك كلفه السلطان بالمهمه الكبيره في بغداد وفي طريقه الى بغداد وصل الى الموصل حيث استقبله الجليليون حكامها بحفاوه بالغه وأكرموه غاية الاكرام وخصه محمود باشا الجليلي والي الموصل بتقدير كبير وتمكن من ملء اذن حالت أفندي بكل ما يشين بوالي بغداد ودبر تقديم الشكاوى ضده لأن والي بغداد كان مناوئا للجليليين ويعمل على تنحيتهم من حكم الموصل ولما وصل حالت أفندي لبغداد فاتح سليمان باشا بوجوب الأنقياد لأمر السلطان ودفع المبالغ المترتبه عليه وحاول الاطلاع على بعض حسابات بغداد لكن الوالي منعه ولم يمكنه وأظهر له عداوة بسبب اتصاله ببعض معارضي الوالي واتصاله بالمقيمية البريطانية ولزيادة الخصومه بينهم فأن حالت أفندي صارح الوالي بأنه سيندم أشد الندم الامر الذي طلب فيه الوالي منه العوده من حيث أتى وفعلاً عاد حالت أفندي للموصل وحال وصوله أرسل الى السلطان في كل ما حصل ووصلت رسالته مع شكاوي الناس ضد والي بغداد فصدرت الاوامر بعزل الوالي ومصادرة امواله ومنح سلطة تعيين من يشاء بدلا من سليمان باشا فتداول الامر مع قائد الموصل محمود الجليلي وتم له ما أراد فجمع قوات من اهل الموصل والكرد بقيادة عبد الرحمن بابان ومن قبائل طي والعبيد والبيات والغري وسار حالت أفندي بالقوات صوب بغداد بقيادته والقائد الثاني محمود باشا الجليل لقوات أهل الموصل وعند اقترابهم من بغداد تكونت في بغداد سراً جماعه يرأسها عبد الرحمن أغا الاورفه لي الموصلي وتتألف من أهل الموصل في الكرخ التي قتلت قائد القوات الانكشاريه في بغداد الموالي لسليمان باشا واحتلوا قلعة بغداد وأخذوا يقاتلون أتباع والي بغداد سليمان باشا لكن قوات الوالي قاتلتهم ففر عبد الرحمن الاورفه لي الى جيش حالت أفندي خارج بغداد فقرر الوالي تأديب الموصليين المقيمين في بغداد وطردهم وجمع عددا منهم وضربهم ضرباً بالسياط وأخذ يتعقب الموصليين وينتقم منهم وأمر بألا يقيم موصلي ببغداد ولو كان الموصلي من سكنة بغداد قبل أربعين سنه وسجن كثيرا منهم ففر جميع أهل الموصل من بغداد وأختفوا منها وهكذا كان الانتماء للموصل كمدينه سبباً في الطرد والضرب بالسوط والسجن والقتل أحياناً واذا كان والي بغداد سليمان باشا تمكن من دحر القوات المهاجمه لبغداد والتي تتشكل بأكثرها من الموصليين في منطقة الاعظميه غير انه استيقظ صباح أحد الايام فوجد جيشه قد تخلى عنه بالكامل وترك معظم الجنود الجبهه خلال الليل بعد أن فعل حالت أفندي والقائد الموصلي فعلته فهرب جنود الوالي على اساس ان هنالك فرمانا بعزل الوالي سليمان باشا من ولاية بغداد وانه لا بد من تنفيذ هذا الفرمان لأنه صادر من ولي أمر المسلمين السلطان العثماني لذلك هرب سليمان باشا وعندما عبر نهر ديالى جنوب بغداد نزل في ضيافة شيخ عشيرة الدفافه الشمريه الذي قطع رأسه وارسله الى حالت أفندي ببغداد وبدوره سلخه وأرسله الى عاصمة الدولة العثمانية وعند مرور رأس والي بغداد مسلوخاً في الموصل فرح أهل الموصل بذلك شماتة به وهكذا كان أهل الموصل الذين حاربوا سليمان باشا وحاربهم هو وطردهم من بغداد كانت نهايته هكذا مع شماتة أهل الموصل به وهكذا أنتهى حكم سليمان باشا لبغداد وبدأ حكم عبدالله باشا وهو من المماليك من سنة 1810 حتى سنة 1813.