هيبة المعلم.. هل تلاشت؟
نبيل ابراهيم الزركوشي
يكثر الحديث في هذه الايام عن هيبة المعلم ،ويذهب البعض الى القول ان المعلم قد فقد هيبته الى الابد ولا يمكن ان يستعيدها بأي حال من الاحوال وهناك من يقارن معلم اليوم بمعلم الامس وكيف كان الطالب يخشى من المعلم داخل المدرسة وخارجها مُعزيا ذلك الى القوانين الصارمة التي كانت تفرض على الطالب ولعل ابرزها حسب اصحاب هذا الرأي هو استخدام الضرب الذي تم منعه في المدارس حاليا مما ادى الى فشل التعليم وتدني المستوى العلمي للطالب وتحول الطالب الى شخص عاصي للأنظمة والقوانين من هنا يمكن طرح عدة اسئلة منها هل المعلم فقد هيبته حقاً ؟ ومتى فُقدت هذه الهيبة؟ ؟ و كيف يمكن اعادة تلك الهيبة؟ وماهو دور الدولة في اعادة هذه الهيبة هل من خلال القرارات التي تصدرها ام هناك اليات اخرى اكثر فعالية يمكن للدولة ان تعمل عليها؟
ان الحديث عن هيبة المعلم والحكم عليه من خلال احداث فردية شهدتها بعض المؤسسات التربوية وتناقلتها بعض وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي بطريقة اظهرت فيها الضعف والخيبة التي اصيب بها المعلمون والتربويون هو امر لا يعطي الصورة الكاملة عن المشهد الحقيقي للساحة التربوية التي انجبت الطبيب والمهندس والضابط ورجل القانون وصولا الى اصغر موظف بالدولة ولا تزال تمارس عملها بكل جد واجتهاد ، نعم لا يمكن نكران وجود شواذ في المؤسسات الحكومية عامة وبما ان المؤسسة التربوية احدى اهم تلك المؤسسات و يمر الجميع عبرها وهي بوابة المستقبل للأجيال لابد من ظهور حادثة هنا او مخالفة هناك وإذا كان يعتقد البعض ان الامور كانت سابقاً تسير بكل سلاسة وانسيابية وأفلاطونية هو غير دقيق في رأيه والسبب واضح من خلال القوانين والأنظمة التي كانت متبعة وهي ذاتها الى يومنا هذا وفيها العديد من العقوبات ضد من يعتدي او يسيئ الى المعلم او أي عضو من الاعضاء المنتمين الى كوادر المدرسة ولو لم تكن هناك هذه الامور انذاك لما دعت الحاجة الى سن قوانين لعلاجها.ومن خلال عملنا في المؤسسة التربوية العراقية طوال هذه الفترة نرى ان هناك تربويين يحظون بقدر كبير من الاحترام والتقدير ومهايبين من قبل شريحة عريضة من الطلاب وهم موقرون من قبل الجميع حتى الذين تخرجوا من طلبتهم ويتذكرونهم بكل خير ويقدمون لهم الشكر والعرفان وأؤكد جازماً ان الامر يعود ليس لكونهم شديدين ولا لكونهم كانوا يستخدمون الضرب على العكس فهم مرنون ومتعاونون ويغلب عليهم روح التسامح والأبوة التي استشعرها منهم اؤلئك الطلبة وأيضا المعلم المحترم هو قوي في مادته العلمية يعطي الدرس حقه يُحضر مادته التي سوف يلقيها في الصف وهو ملتزم بالدوام جاد في تعامله لا يتأخر لايختلق الاعذار من اجل ترك الدوام لايضيع وقت الدرس بالأحاديث الجانبية غير المفيدة وبذلك يضيع الفرصة على من يردي اضاعة الوقت بلا فائدة لذا ان اختزال هيبة المعلم بالضرب وإعادته هو امر مجحف بحق المعلم الذي درس الاساليب التربوية وعلم النفس وطرق التعامل مع المراهقين وعليه هو يملك من الاساليب التربوي ما يجعله ذو هيبة ووقار فارضاً احترامه على الجميع وهو اجحاف ايضاً بحق الجيل الذي يربيه اذا كيف يمكن ان نصنع جيل يتعايش سلميا يتقبل الرأي والرأي الاخر ويتلاحق مع ما يحيطه من افكار ومتغيرات عبر هذه الالية أي الضرب التي كانت مشاعة في اكثر البيوت وهي مختفية الان اما ذا كان تشبث البعض بالسيرة النبوية في هذا المجال عبر الحديث القائل “مروا أبناءكم بالصلاة لسبع سنين، واضربوهم عليها لعشر سنين”ان الضرب او العقوبة ذاتها امر ارتبط بفعل الكبائر باعتباره حداً شريعياً يقام على مرتكبيها وهذا يتناقض مع الاسس العلمية والتربوية التي تتبعها جميع دول العالم في هذا المجال كما ان النهج النبوي التربوي واضح ونرى ذلك جليا في تعامله مع سيدي شباب اهل الجنة اذ كان عليه الصلاة والسلام يطيل السجود أثناء لعب الحسن والحسين على ظهره الكريم. لذا اذا اردنا ان يكون جميع المعلمين ذو منزلة رفيعة وذو مكانه في نفوس الطلبة ويحضون باحترام وتقدير جميع افراد المجتمع يجب علينا:-
- 1. حسن اختيار من يتقدم لكليات التربية من الناحية البدنية والجسمانية وحتى السلوكية كي نحصل على شخص متزن من جميع النواحي مع اعادة النظر في الطرق المتبعة للتدريس وزيادة الدروس العملية وتغير اسلوب ترك الطالب دون ممارسة عملية الى السنة الاخيرة من الكلية اذا ان الطالب فاق مدرسه معلوماتياً بوجود الانترنيت والتكنلوجية الحديثة وفتح قناة التعين المباشر لخريجي الكليات التربوية مع اشتراط اجتياز المتقدم لاختبارات عدة وهذا الامر موجود في العديد من الدول التي تسبقنا في هذا المجال.
- 2. خلق روحية عالية لدى المعلمين وجعلهم يشعرون بأهمية العمل الذي يقوم به وأنهم حاملون لرسالة الانبياء وان الطلبة امانة في اعانقهم جسداً وفكرا وعقلا وروحاً .عبر منشورات وكتب توضح التعليمات لهم تصدر من وزارة التربية اثناء العطلة الصيفية.
- 3. اشراك التربويين في دورات مهارية وفكرية بصورة مستمرة لتعلم كيفية التعامل مع الطلبة والإطلاع على الطرق الحديثة للتدريس اذا ان العلم في تطور مستمر وعجلة التقدم الحضاري يجب ان تواكب هذا التطور.وهنا يستطيع ان يؤدي هذا الدور مدربين مختصين في مجال التنمية البشرية والمؤسسة التربوية قادرة على خلقهم بكل تاكيد.
- 4. خلق ترابط وثيق بين القيادة الادارية العليا للمؤسسة التربوية وبين ادوات تنفيذ العمل التربوي (التربويين) اذا ان فرض انظمة تربوية معينة عليهم دون الاخذ برائهم وعدم اشراكهم في طرح ما لديهم من افكار هو امر يقلل من هيبتهم في عيون الطلبة بالإضافة الى القرارات غير المدروسة والآنية للوزارة كالدور الثالث وإعطاء عشر درجات والسماح بالدخول الوزاري دون استحقاق ادى الى تخلخل المنظومة التربوية بجميع مفاصلها.
- 5. عدم وجود تأكيد في المنهاج على توقير المعلم او ابراز اهمية دوره وأيضا ان الاسئلة النهائية وخاصة الوزارية تكون نصاً من الكتاب جعل من التربوي اداة لتلقين المادة وتعليم الطالب كيفية حفظ تلك المادة مما ادى الى قتل روح البحث العلمي والاجتهاد للإطلاع على المزيد من الامور في مجال اختصاصه.
لذا يجب على الجميع العمل معاً في سبيل خلق جيل يستطيع ان يقود البلد بصورة صحيحة وإصلاح ما تم افساده من قبل الانظمة التي مرت علينا وترك الخطابات والمناشدات لان الامر لا يتحقق الا من خلال وضع رؤية واضحة وصحيحة مستوحاة من افكار اهل الشأن انفسهم.