هوس التعدّد والبناء المعقّد

هوس التعدّد والبناء المعقّد

يستفزكَ ذلك الشعور بالقرف من اولئك الذين يحشرون أنفسهم في كل محشر ..يُغَرّد مع البلبل وينعق مع الغراب وينعب مع البوم ليعود متقمصا صوت الحَمام وما يستحق الاّ الحِمام جزاءً ومغرما..

 تطالعك أمثال هؤلاء الشرذمة من الذين لايجدون ملجأً أو مغارات حينما يختلط لديهم الفكر العلماني بالسلوك الديني المتطرف… فهو من اليسار يمسك مقبضًا ومن المرجعيات الدينية يقبض على اذيال عباءآتهم… هؤلاء الذين ينطبق عليهم الوصف القرآني(هم للكفر يومئذ أقرب منهم للايمان)

 للأسف هذا الضياع والتباس المواقف لاتجده الاّ في الشخصية العراقية التي حكم عليها القدر ان تعيش على حافة الأنهار وتخضع لمدنية المدن وانماط معيشتها وفي الوقت عينه تحمل جينات الصحراء بكل قسوتها وفضاضتها وخشونة طباعها… وهذا التشكيل الغريب هو الذي أعطى لعالم الإجتماع العراقي الدكتور علي الوردي رحمه الله فرصة التأويل لإزدواجية الشخصية العراقية.. في حين وضع باقر ياسين مشرطه دون ان يتمكن من استئصال العلّة في الشعور الغريب الذي يتناوب ذلك الإنسان مابين الحب العاصف حد الوله والكره الذي يصل فيه الانسان حدود القسوة المقرونة برغبة الإنتقام…

 سلوك غريب يتجذر في النفس التي عاشت حياةً قلقة لا أمان فيها ولا استقرار ليجد فيها العراقي نفسه أو يلتقط أنفاسه ليُحَكّم شيئًا أبعد من غرائزه ونزعاته الشخصية.. العراقي المتثاقف ولا أقول عوام الناس…. مثل الطفل الذي تُسليه لعبة وتُبكيه نكبة وينهض مع الجموع كالمفجوع دون أنْ يدري أين تأخذه قدماه ..يصفق بحرارة قبل ان يستبين ويرفض بإشارة قبل ان يتبين له الخيط الأبيض من الخيط الأسود من مخايل الأشياء.. يتعاطف ..يصب لعناته وغضبه ..يثرثر ..يضحك بهوس… يفور… لكنّه سريع التلف مثل بضاعة لاتستمر الاّ بشروط التبريد..

 تتابع بعض الشخصيات… تشعر بضياعها حين لاتكون أكثر من رجع صدى للأحداث ..يتبنى موقفا معاديًا لعقيدته الفكرية (العلمانية) ليحشر نفسه مع عقيدة دينية ورثها ولم يكن له يد في اختيارها.. يلعن الظلم ليبارك الظلام بعد هنيهة لانّه معمدٌ به نفسيا فيغلب لديه الطبع النفسي على التطبع الفكري…

 ليس عندي كهرباء لاني مصعوق بتيارٍ أقوى ..لن استطيع الفكاك من هذا الكابوس حتى ينجلي غبار الصحراء وتتضح الرؤية.

مصطفى داود كاظم

 

مشاركة