هوب.. نموذج عن أقلية على طريق الخروج من الدعارة في فرنسا

باريس‭ (‬أ‭ ‬ف‭ ‬ب‭) – ‬باتت‭ ‬الدعارة‭ ‬من‭ ‬الماضي‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬هوب‭ ‬البالغة‭ ‬25‭ ‬عاما،‭ ‬فهذه‭ ‬الشابة‭ ‬الكونغولية‭ ‬التي‭ ‬أرسلتها‭ ‬شبكة‭ ‬إلى‭ ‬فرنسا‭ ‬عام‭ ‬2012،‭ ‬هي‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬أولى‭ ‬عاملات‭ ‬الجنس‭ ‬اللواتي‭ ‬سلكن‭ ‬طريق‭ ‬الخروج‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬العالم،‭ ‬بفضل‭ ‬إجراء‭ ‬أتاحه‭ ‬قانون‭ ‬نيسان‭/‬أبريل‭ ‬2016‭ ‬الهادف‭ ‬إلى‭ ‬مكافحة‭ “‬نظام‭ ‬الدعارة‭”.‬

وتفتخر‭ ‬هوب‭ ‬التي‭ ‬ساعدتها‭ ‬إحدى‭ ‬الجمعيات‭ ‬على‭ ‬تركت‭ ‬الدعارة،‭ ‬بأن‭ ‬لديها‭ ‬وظيفة‭ ‬مستقرة‭ ‬الآن،‭ ‬فهي‭ ‬تعد‭ ‬وجبات‭ ‬الطعام‭ ‬للمسنين‭. ‬تلقت‭ ‬ابنتها‭ ‬تعليمها‭ ‬في‭ ‬مدرسة‭ ‬ابتدائية،‭ ‬في‭ ‬ضاحية‭ ‬باريسية‭ ‬صغيرة‭ ‬حيث‭ ‬عاشتا‭ ‬عامين‭ ‬في‭ ‬شقة‭ ‬نظيفة‭. ‬وبات‭ ‬لدى‭ ‬هوب‭ ‬التي‭ ‬تفضل‭ ‬عدم‭ ‬ذكر‭ ‬اسمها‭ ‬تصريح‭ ‬إقامة،‭ ‬وهي‭ ‬الآن‭ ‬تحظى‭ ‬بما‭ ‬تصفه‭ ‬بـ‭”‬الاستقرار‭”.‬

وتقول‭ ‬الشابة‭ “‬سأكون‭ ‬كاذبة‭ ‬لو‭ ‬قلت‭ ‬إنني‭ ‬لست‭ ‬سعيدة‭. ‬لقد‭ ‬أصبحت‭ ‬الآن‭ ‬حيث‭ ‬أريد‭ ‬أن‭ ‬أكون‭”. ‬مرّت‭ ‬هذه‭ ‬الشابة‭ ‬اليتيمة‭ ‬بمراحل‭ ‬صعبة‭. ‬اضطرت‭ ‬لممارسة‭ ‬الدعارة‭ ‬في‭ ‬سن‭ ‬الرابعة‭ ‬عشرة‭ ‬في‭ ‬جمهورية‭ ‬الكونغو‭ ‬الديموقراطية‭. ‬في‭ ‬السابعة‭ ‬عشرة،‭ ‬أُرسِلت‭ ‬إلى‭ ‬فرنسا‭. ‬وتروي‭ “‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬مطار‭ ‬رواسي‭ ‬بأوراق‭ ‬ثبوتية‭ ‬مزورة،‭ ‬ثم‭ ‬نُقِلت‭ ‬إلى‭ ‬منزل‭ ‬سيدة‭ ‬في‭ ‬أورليان‭ (‬وسط‭ ‬فرنسا‭). ‬كنا‭ ‬مجموعة‭ ‬فتيات‭ ‬من‭ ‬جنسيات‭ ‬مختلفة‭”.‬

وتضيف‭ “‬كانوا‭ ‬يأخذوننا‭ ‬بالسيارة‭. ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬أعرف‭ ‬إلى‭ ‬أين،‭ ‬تارة‭ ‬إلى‭ ‬منازل‭ ‬وطوراً‭ ‬إلى‭ ‬غرف‭ ‬فنادق‭”. ‬وكان‭ ‬الزبائن‭ ‬يدفعون‭ ‬مباشرة‭ ‬للشبكة‭ ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬هوب‭ ‬تحصل‭ ‬على‭ ‬شيء‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الأموال‭. ‬ثم‭ ‬حملت‭ ‬بعد‭ ‬ممارسة‭ ‬الجنس‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬وقاية‭ ‬مع‭ ‬أحد‭ ‬الزبائن‭.‬

ونصحتها‭ “‬السيدة‭” ‬بأن‭ ‬تطلب‭ ‬مساعدة‭ ‬جمعيات‭ ‬تعنى‭ ‬بحالات‭ ‬مماثلة‭. ‬وهنا‭ ‬انتهى‭ ‬عملها‭ ‬في‭ ‬الشبكة‭. ‬

إلا‭ ‬أن‭ ‬هوب‭ ‬عاودت‭ ‬ممارسة‭ ‬الدعارة‭ ‬بعد‭ ‬مدة‭ ‬وجيزة‭ ‬من‭ ‬الولادة‭. ‬وتتذكر‭ ‬قائلة‭ “‬لم‭ ‬أكن‭ ‬أريد‭ ‬ذلك،‭ ‬ولكن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬لدي‭ ‬أي‭ ‬شيء‭. ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬في‭ ‬حوزتي‭ ‬أي‭ ‬أوراق‭ ‬ثبوتية،‭ ‬لذلك‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬ممكناً‭ ‬أن‭ ‬أحصل‭ ‬على‭ ‬وظيفة‭. ‬كان‭ ‬عليّ‭ ‬شراء‭ ‬الحليب‭ ‬لابنتي‭”. ‬ومن‭ ‬بدون‭ ‬سكن،‭ ‬كانت‭ ‬هوب‭ ‬تتنقل‭ ‬مع‭ ‬صغيرتها‭ ‬من‭ ‬فندق‭ ‬إلى‭ ‬آخر‭ ‬بفضل‭ ‬نظام‭ ‬الإقامة‭ ‬الطارئة‭ ‬للمشرّدين‭.‬

وتمكنت‭ ‬هوب‭ ‬من‭ ‬التواصل‭ ‬مع‭ ‬جمعية‭ “‬لو‭ ‬موفمان‭ ‬دو‭ ‬ني‭” ‬التي‭ ‬تنشط‭ ‬في‭ ‬محاربة‭ ‬الدعارة‭.‬

وتتذكر‭ ‬رئيسة‭ ‬فرع‭ ‬الجمعية‭ ‬في‭ ‬إيسون‭ (‬ضمن‭ ‬المنطقة‭ ‬الباريسية‭)  ‬إيفلين‭ ‬بار‭ ‬أن‭ “‬حال‭ ‬هوب‭ ‬النفسية‭ ‬والبدنية‭ ‬كانت‭ ‬سيئة‭ ‬جداً‭”‬،‭ ‬مشيرة‭ ‬إلى‭ ‬الأضرار‭ ‬التي‭ ‬تتسبب‭ ‬بها‭ ‬الدعارة،‭ ‬فقررت‭ ‬الجمعية‭ ‬تأمين‭ ‬حاجاتها‭ ‬الأساسية‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالغذاء‭ ‬والنقل‭.‬

وفي‭ ‬العام‭ ‬2016،‭ ‬صدر‭ ‬قانون‭ “‬تعزيز‭ ‬مكافحة‭ ‬نظام‭ ‬الدعارة‭” ‬الذي‭ ‬أكدت‭ ‬فرنسا‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬اعتزامها‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬البغاء‭.‬

وينص‭ ‬القانون‭ ‬على‭ ‬تسطير‭ ‬مخالفات‭ ‬في‭ ‬حق‭ ‬الزبائن،‭ ‬ويتيح‭ ‬لعاملات‭ ‬الجنس‭ ‬سلوك‭ “‬طريق‭ ‬الخروج‭” ‬لمدة‭ ‬عامين‭. ‬وإذا‭ ‬تعهدن‭ ‬التوقف‭ ‬عن‭ ‬ممارسة‭ ‬الدعارة،‭ ‬يحصلن‭ ‬على‭ ‬تصريح‭ ‬إقامة‭ ‬موقت،‭ ‬وعلى‭ ‬تدريب‭ ‬مهني‭ ‬ومساعدة‭ ‬مالية‭ ‬تبلغ‭ ‬330‭ ‬يورو‭ ‬للفرد‭ ‬الواحد‭.‬

وحصلت‭ ‬هوب‭ ‬بالفعل‭ ‬على‭ ‬تصريح‭ ‬الإقامة‭ ‬الذي‭ ‬يعطيها‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬العمل‭. ‬وتابعت‭ ‬دورة‭ ‬تدريبية‭. ‬وتمكنت‭ ‬من‭ ‬إبقاء‭ ‬ابنتها‭ ‬في‭ ‬المدرسة‭ ‬رغم‭ ‬التغييرات‭ ‬الدائمة‭ ‬في‭ ‬سكن‭ ‬الطوارئ‭. ‬وبعد‭ ‬عامين،‭ ‬في‭ ‬أيلول‭/‬سبتمبر‭ ‬2019،‭ ‬نجحت‭ ‬في‭ ‬إنجاز‭ “‬طريق‭ ‬الخروج‭”.‬

وتعلّق‭ ‬الشابة‭ ‬الكونغولية‭ ‬قائلة‭ “‬نصيحتي‭ ‬للواتي‭ ‬ينخرطن‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الطريق‭ ‬أن‭ ‬يصبرن،‭ ‬فهو‭ ‬ليس‭ ‬سهلا‭”. ‬وأخبرت‭ ‬هوب‭ ‬بعض‭ ‬صديقاتهن‭ ‬اللواتي‭ ‬لا‭ ‬يزلن‭ ‬يمارسن‭ ‬الدعارة،‭ ‬لكنهن‭ ‬لم‭ ‬يبدين‭ ‬أي‭ ‬اهتمام‭. ‬وتقول‭ “‬بعضهن‭ ‬يكسبن‭ ‬جيداً‭ ‬من‭ ‬عملهن‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال‭. ‬

لكلّ‭ ‬واحدة‭ ‬خياراتها‭. ‬بالنسبة‭ ‬إلي،‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬الدعارة‭ ‬حياة‭”.‬

وهوب‭ ‬هي‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬الحالات‭ ‬الاستثنائية‭. ‬فبعد‭ ‬خمس‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬إقرار‭ ‬قانون‭ ‬مكافحة‭ ‬الدعارة،‭ ‬شرعت‭ ‬564‭ ‬عاملة‭ ‬جنس‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬طريق‭ ‬الخروج،‭ ‬وهو‭ ‬أقل‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬الأهداف‭ ‬المحددة‭ (‬ألف‭ ‬لسنة‭ ‬2017‭ ‬وحدها‭). ‬ومن‭ ‬بينهن،‭ ‬لم‭ ‬تكمل‭ ‬الدورة‭ ‬التدريبية‭ ‬سوى‭ ‬161‭ ‬فتاة‭.‬

وتشير‭ ‬التقديرات‭ ‬الرسمية‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬في‭ ‬فرنسا‭ ‬اليوم‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬30‭ ‬و40‭ ‬ألف‭ ‬عاملة‭ ‬جنس‭.‬

مشاركة