هواجس متضاربة لدى القاص المغربي شكيب أريج

هواجس متضاربة لدى القاص المغربي شكيب أريج
الكتابة إحساس مشوب بالحيرة والدهشة
حاوره عبد الهادي روضي
قليلة هي الأسماء التي ترسم خارج فضاءات البهرجة والتهافت تحققها الإبداعي، مؤمنة بجرعات الكتابة الأدبية في تضميد جراح الذات، واستعادة توازنها النفسي، مساهمة بذلك في الانتصار للجمال والكتابة، نكاية بالأضواء، وشكيب أريج هو إحدى تلك الاستثناءات التي تغرد خارج السرب، غير عابئة بكدمات الحياة، مسكونة بالإبداع والكتابة حد الهوس، وغيورة على المشهد الإبداعي والثقافي حد اللا مهادنة، لذلك لا تتأخر في إبداء امتعاضها وتبرمها مما ينشر هنا وهناك، بالإضافة إلى ذلك، شكيب إنسان طافح بطيبة بسطاء تارودانت المدينة المغربية العميقة،
ــ الزمان ــ تفتح مع شكيب أريج هذه الفسحة، لاجتراح ما يعتمل ذاته من هواجس ومشاريع وأحلام إبداعية.
س1 متى وكيف تحققت علاقتك مع القصة القصيرة؟.
صراحة لا أدري متى، ليس لدي جواب دقيق باليوم والساعة والدقيقة. كل ما أعرفه هو أنني قرأت قصص الأنبياء، وقصص عطية الأبراشي وقصص المكتبة الخضراء في وقت مبكر من طفولتي، وكنت قارئا نهما وضيفا ثقيلا على المكتبات. الآن فقط أفهم أنه ذلك الميل الفطري للبحث عن القصة، هو ما يحركني نحو استجداء القصة من الجدة والأم والأب والمدرس، وحين لم أشف غليلي اتجهت نحو الكتاب وكان لدي أنذاك يقين بأنني سأنهي قراءة كل قصص العالم، ربما ذلك ما يفسر ارتباطي العميق بالقصة، تلك العلاقة التي بدأت تتخذ منحى جديدا حين اقتنعت أنني يمكن أن أكون قصة ويمكن أن أروي قصة.
س2 ماذا تمثل لك كتابة القصة في الوقت الراهن؟. وهل أنت مقتنع بضرورة كتابتها في زمن هيمنة الصورة وألعاب ــالبيلز طايشن ــ، وبرامج تلفزية ك ــ لالة لعروسة ــ و ــ أخطر المجرمين ــ؟
القصة متغلغلة في الوجدان الجمعي للناس، وكتابتها في اعتقادي شكل مـن أشكال
التعبير عنها، وأجد أن الناس مهما انصرفوا إلى وسائل الترفيه فإن اتصالهم بالحكي أمر بدهي، فهناك حبل سري يربط الحياة التي نعيشها بفن القصة. البرامج التلفزية والألعاب تثير ضجة في حينها ثم تنسى، لكن القصص حاضرة معنا دائما، حتى وإن لم تثرنا تلك الموضوعة على الرفوف، فالقصص التي نعيشها تحدو بنا إلى تجديد العهد بالقراءة والكتابة، لأن الكاتب الجيد الذي يلمس الأوتار المرهفة للناس يصل إليهم. مثلا نجيب محفوظ كتب قصص وروايات رائعة نقلت إلى الدراما التلفزية ووصلت إلى جميع الناس حتى أولئك الذين لا يقرؤون.
س3 ما الدوافع التي تجعلك تختار كتابة القصة بدل أجناس إبداعية أخرى؟
أتهيب الكتابة بصفة عامة وأقصد كتابة الشعر والرواية والقصة والمسرح، وبالمقابل أحب أن أقرأ، لكن القراءة تؤدي إلى الكتابة، هكذا يمكن القول أن إقدامي على كتابة القصة هو ورطة، فأنا لم أخترها، ربما هي من اختارتني. إن العدد الكبير من سراد القصة الذين همسوا في أذني بقصصهم لا شك سيدفعني لاقتراف بعض القص. من جهة أخرى أعتقد أن عطشي للقصة دافع أساسي يجعلني أحاول أن أشفي غليلي، ثم إن القصة تمنحك إمكانية أن تعيش حيوات أخرى بطولها وعرضها وتفاصيلها وهو إغراء لا يقاوم للوقوع في شباك هذا الجنس المتسم بالغواية.
س4 ماهي الأحاسيس التي تخالجك وأنت تكتب نصك القصصي؟
لحظة كتابة القصة بالنسبة إليَّ تتويج. إن فوهة البركان تلفظ حممها بحماس وبفجائية انفجارية، كذلك أكتب بعد اختمار طويل لأمشاج الحكايا، وكأني أحاول أن أ سقط الثمرة من الشجرة بعد أن تكون قد نضجت. هو إذن شعور بالنضج والاكتمال الذي ما يلبث أن يتحول إلى سراب، لأعاود الكتابة بعد اختمار جديد، وهكذا فالإحساس بالنص وهو ينكتب إحساس مشوب بالحيرة والدهشة وكأنك تتساءل هل أنا هذا؟؟ ويحتاج منك الأمر أن تتخذ مسافة منطقية لمعرفة كيف انكتب معك نصك، وأخيرا فإن لكل نص خصوصيته وحميميته وطقوسه.
س5 هل لديك رهانات معينة حينما اخترت الإبداع والقصة تحديدا؟
بالتأكيد لدي رهانات، لا أكتب من فراغ وإلى الفراغ. أراهن على القيم الإنسانية وعلى تعزيز المشترك بين بني البشر.. قيم الاختلاف والحرية والسلام والوئام..،
أراهن على تحقيق التواصل والرقي في الأخلاق والسلوك والعقليات دون ادعاء للوصاية ودون وعظ فج منفر. أراهن على التغيير على عدة أصعدة التغيير الاجتماعي والسياسي والثقافي ووو..ولدي يقين أن الأجيال القادمة ستكون أفضل ومتفائل بأن التعليم والصحة والحياة بصفة عامة ستكون أفضل. الزمن بطبعه قدمي.
س6 تمارس التدريس، والصحافة، والإخراج السينمائي، وكتابة القصة. كيف توازي بين هذه الأجناس الإبداعية؟ وأيها الأقرب إلى حواسك؟
في الأصل الأجناس الأدبية والفنون لا حدود بينها. فقط طبيعة الزمن تتحكم فتجعل التخصص في مجال معين طاغيا، وليس من الصعب إيجاد خط ناظم وعلاقة تكاملية بين هذه الأمور، فعلى سبيل المثال القصة التي يمكن أن أدرسها يمكن أن أعمل على إخراجها إلى المسرح أو السينما، ويمكن أن تكون موضوعا جيدا في الصحافة. إن تعدد الاهتمام الأدبي قيمة مضافة ومسألة مرغوب فيها قدر المستطاع، على الرغم من كون الأجناس الأدبية تتعايش كالضرائر في كنف المبدع، إلى أن يحقق جنس أدبي واحد الهيمنة. هي كلها قريبة مني، ولكن القصة تستغرقني أكثر، ربما بحكم احتكاكي بها منذ أمد بعيد، أو ربما بفعل ضمور الإبداع الشعري في الآونة الأخيرة
س7 من أين يستمد شكيب أريج هذه التعددية في الكتابة والميولات؟
التعددية مصدرها تنوع مصادر القراءة، وأميل بطبعي إلى التنويع، وأكره ما أكره الاقتصار على مجال واحد أو النظر، إلى الأمور من زاوية أحادية. وعليه فهذه التعددية، في اعتقادي، نابعة من القدرة على الانفتاح، فلا يجب على المدرس أن ينغمس في المقررات والطباشير فقط، ولا يجدر بالمبدع القاص أن يحصر إبداعه في الحدود الضيقة للقلم، الإبداع مرتبط بالحياة، ومن المشين الركون إلى زاوية ضيقة.
س8 هل كتابة القصة تحتاج بالضرورة إلى النقد؟
لكي ننظر أمامنا نحتاج إلى عينين. والعيون التي نرى بها القصة هي النقد. إذن فالقاص الذي لا يكتب بحس نقدي أفقه الإبداعي محدود. النقد ضروري، وليس بالضرورة أن يكون القاص ناقدا يصر ح بنقده، قد يكتب القاص مجموعة من القصص تحمل رؤيته وينقل عبرها تصوراته للحياة والإبداع والإنسان، هو في نظري ناقد دون أن يكون مضطرا لكتابة مقالات نقدية فجة. من جهة أخرى، القصة معنية دائما بجمهورها، هذا الجمهور لا يمكن أن يواجه الإبداع بدون رد فعل نقدي.
س9 فزت مؤخرا بجائزة وطنيةــ جائزة رابطة أدباء الجنوب ــ.كيف كانت أحاسيسك؟ وماهو رأيك في الردود التي خلفها فوزك بها؟.
لا أخفيكم الحقيقة، عادة ما تتبلد أحاسيسي إزاء خبر المفروض أن يبهجني، لقد
تعاملت مع الخبر كأنه لا يعنيني، وهنأت نفسي وكأنني شخص آخر، وأعدت وضع القصة الفائزة بالجائزة في ميزان النقد لكي أتأكد من قيمتها، أكيد أن تقديرا وودا يتجددان لرابطة أدباء الجنوب وللإبداع والكتاب الذين أتقاسم معهم رغيف الإبداع. أما عن الردود فأرى أنها ردود أتقاسمها مع رابطة أدباء الجنوب، فقد أسعدني أن يعلو نجم هذه الجائزة، وأن يكون صيتها وطنيا، فهي تدفع إلى الالتفات إلى الصحوة الأدبية التي يعرفها الجنوب المغربي، وترسخ تقليدا وإن بدا قديما في أصقاع أخرى من المغرب فهو جديد بالجنوب. أما فيما يخصني فقد بدا الأمر من شدة عزوفي على المشاركة في المسابقات وإصدار الكتب، مقابل احتكاكي بالأدب والأدباء مثل كذبة أبريل، وأكيد أن ردود الأفعال خاصة التي وصلتني كانت متفاوتة من حيث الاهتمام، إلا أن ما يعنيني بدرجة قصوى هي الردود التي اكتشفَت متأخرة أنني أكتب القصة، كأن الجائزة هي التي تمنحك شهادة رسمية بأن تكون قاصا.
س10 وأنت تكتب ماهي الطقوس التي تحتاجها بالضرورة؟
لا أحتاج إلى طقوس وشروط محددة لكي أكتب. حين يكون الأمر مرتبطا بشرط أو طقس قسري معين فإنني أزهد في الكتابة، لأن الكتابة، بالأساس، هي نوع من التخفف من كل شيء، من إكراه الزمن والمكان والأشخاص ووو..هذه الإكراهات لو استحضرتها في كل حين فلن أكتب أبدا، لذلك لا أحب أن تكون طقوس الكتابة مرتبطة بمزاج أو مكان أو زمان. يمكن أن أكتب في أي ظرف حتى في ظرف الموت.
س11 باختصار ماذا توحي الأسماء التالية
1 ــ تارودانت عروسة الجنوب.
2 ــ أحمد بوزفور قاص وإنسان.
3 ــ ثانوية الوحدة بيتي الثاني
4 ــ أيمن قمر في سمائي
5 ــ القصة لساني
6 ــ المهلوسون الجدد حائط للبكاء على الأدب
7 ــ كائن ذهني أنا.
8 ــ الزواج حياة أخرى.
AZP09

مشاركة