هناك بغداد – مجيد السامرائي

هناك بغداد – مجيد السامرائي

تحت هي وانا فوق فوق قريبا من الثقب الاسود عاليا في السماء .تبدو الاشياء على الارض هندسية منتظمة ( هي من فعل الانسان ؛ هذا مايؤكده المصور هادي النجار في حوار لي معه ضاع من يدي .. هادي قول : الطبيعة عابثه ؛ كل التجريدات التي تراها من نافذة الطائرة من تعرية الارض الجغرافية )! اجمل المدن ليلا هي : قال لي يحيى شاهين والطيب صالح ومحمود ياسين ثم محمود مرسي وكلهم رحلوا وانا لاالفق عنهم شهادات مزورة ..دهشوا لمرأى بغداد حين لم يكن أحد من  اهلها يدفع فاتورة للكهرباء وليس لهذا الاختراع الاديسوني وزير !

 في حفل توقيع كتابي اطراف الحديث سألني صحفي شاب : ماهي محاسن الشهرة ؟ قلت بثبات : ان تعفى من مهمة نزع الحزام والنطاق فتكون مثل دولته الذي نصل بنطلونه على المنصة!هذا في مغادرة البلاد اما في محاولة بلوغها من المطارات البعيدة فانت وغيرك سواء كاسنان المشط .. تفرض عليك جميع الالتزامات من القفازات الى الكمامات !

 بغداد مدينة لاتنتمي الى عصر الكورونا الزاهر ..فليس للناس قانون رادع ولا امر جازم ولاناهر! عرفني الجميع إنني قادم من بلاد تبدو بعيدة رغم انها لصق العراق تقطعها بساعة واربعين دقيقة – حسب مسموعاتنا عند الاقلاع جوا !  كنت اسير في الشارع وانا اسير الكمامة ثم جاء من اماطها عن وجهي ؛ وقال كن مثلي !

 تلقيت دعوات من مدن عدة حتى البيها جميعا دون الالتزام بجدول جغرافي حسب الادنى والاقرب ؛ فلابد ان اتناول الدولمه في ديالي والشاي في جمجمال والصبور في الصويرة والباقلاء بالدهن التي هي من عائلة الفول في الفلوجة ؛ وجميع المأكلولات تنتمي الى مايوصف بأنه (الايموت  يكطع) او كما يقول الاردنيون : كل لقمة حكاية ! وانا عندي معدة عصفور كناري تساوي ربع معدة نانسي عجرم وليست بيلوسي قاهرة ترامب ! لكني دائما في كل مأدبة اكون اول القائمين  والنافضين ايديهم من السفرة مرددا ماحفظه لعبد الرزاق عبد الواحد :

يقولون هل بعد المنيّة غايةٌ/أجل بعدها ألا تجوع ولا تعرى

وأن تترك الدنيا وذكراك ملؤها/ثكلتك…إنّ الموت موتك في الذكرى

 ان تشارف على الموت جوعا ارقى من ان تموت وانت متخوما حد إنقطاع النفس الذي يماثل اعراض الكورونا !هنا لاتنطبق مقولة ( الناس على دين ملوكهم ) فلاأحد يحتذي حذو دولة الكاظمي بالظهور المتعمد في كل المحافل المحلية والاستتقبالات الدولية وهو مكمم تماما بشكل لايراعيه الرئيس الامريكي – الراحل بقوة عن البيت الابيض !

 في الشوارع بعد انتصاف الليل اسمع صوتا يخرج من مكبرة صوت تحت إبط رجل يدعي العرج : (كمامات ام السيم عشرين بالف) .. ولا احد يمد يده اليه دفعا للبلاء وردا لدعائه عليهم ولهم. اجمل متسولات المعمورة هنا لهجتهن لاتدل على انهن من بلاد الراقدين، لكن الحاجة دفعتهن الى الهجرة والضياع بين الكوكب والمجرة ؛ يمسحن زجاج السيارة دون أن يسألن الناس الحافا وعلى الكتف يغفو رضيع لايصحو كأنه تحت تأثير مخدر!  قلت لصاحبي الذي يتأمل وزني الثابت دون زيادة رغم الدعوات لثلاث وجبات : اعرف انك سوف تكتب عن كل ماتشاهد بطريقة المستشرقين !

  تنتمي بغداد الى مدن المستقبل فهي حضارية متأوربة متأمركة فيها كلما يماثل بلدان الفردوس في الهجرة ؛ مضيئة تشاكس الليل البهيم وتطرحه ارضا ؛ ثم هي دون تمهل تدخلك في ظلام عميق يماثل تلك الظلمات التي عشتها في نواكشوط الموريتنانية التي ان رفعت عنها في بعض الشوارع السيارات صارت تماثل فيلم الرسالة !

 تقول لي زوجتي مهاتفة معاتبة : يمعود هاي وينك اكو واحد يظل برا بنصاص الليالي عبالك هاي عمان ؟  وعمان تدخل اجباريا مع انتصاف الليل في حظر تام طبقا لامر الدفاع رقم 11. في ذات اللحظة – بعد انتصاف الليل في بغداد  بقليل – تدخل سيدتان مقهى مختلطا دون حذر ؛ رغم ان الانواء تبشر بزخات متقطعة لاتعوق حركة السابلة.  في طريق العودة  يطلب مني صاحبي الذي يقلني بسيارته ان اكتب نقدا في اغنية صمون عشرة بالف والذي يرفع   صوت سعدون الساعدي مناهضا مشاعري المحايدة .

 عند نقاط التفتيش يمتثل الجميع للسير ببطء واضح: شايلين سلاح؟! ،( لالالا طبعا)، ممكن الاستاذ يترجل ويشير الي – دون ان يقع قلبي يبتسم ( ممكن سيلفي دكتور؟) ضاحكاً( ليش  تبكيهم في أطراف الحديث )؟

مشاركة