هناء أدور صوت المرأة المكتومة – عادل سعد
كيف يحكم الفزع والتكتم والعيب حقوق النساء
من لا يعرف هناء ادور عن كثب يتصورها امرأةً متعجرفةً صاحبةَ مواقف حادةٍ تستسيغ الهجوم والتنديد والادانات ، بل تمتلك اختصاصاً في هذه الانواع من التقريعات ، بل هناك من يتصورها لا تتورع عن التسبب بالضرر التنكلي لصالح اهداف تؤمن بها ، وان نزعتها اليسارية الواضحة تجعلها على صدام يومي مع الواقع العراقي دون ان تعير الاهتمام للمخلفات الاجتماعية القاسية التي قد تنتج ، بل قد يذهب ابعد في ظلمهِ لها انها تنكر ماتحقق للمراة العراقية من مكاسب ولذلك ترّكز دائما على السلبيات ولم تتمرن بعد على خطاب الشكر .
هناء ادور ليست كذلك ، ان تصنيفها نفسياً على قياس هذه الحدة فيه المزيد من الظلم للحقيقة ، واذا كان البعض يتناقل عنها عبارة تخص موضوع الجندر فقد تم استقطاع تلك العبارة من سياقها العام بدون وجه حق . من يتصور انها تمتلك مخالب حقوقية عصابية يجهل قيمة المنّصات التي تتحرك عليها ، المؤكد انها تتعاطى وتتداول بمضامين يحكمها القانون الانساني الحقوقي فحسب ، ولها تجربة حقوقية غنية بالاحباطات والانجازات ، بل والتماهي مع حالات اجتماعية لا يمكن ان ينجح التصدي لها الا بالقوة الناعمة والقفازات الحريرية.
رفض الاستلام
هي امرأة تشاغب لكنها تترفع عن المقايضات ، تضامنية تشغلها المواساة الى حد بعيد لكنها ترفض الاستسلام الى مناخات مجالس العزاء والبقاء عندها وكأنها قدر لابد منه ، من هنا جاءت ثوريتها بمعدلات جامحة حين يكون الانغلاق الذي يواجه مطالب المرأة ضغطاً لا يمكن السكوت عليه وهذا بحد ذاته ما يجعل حضورها في المؤتمرات والندوات وورش العمل وجلسات الحوار قضية .
هناء ادور صوت للنساء المكتومات اللواتي ضاعت اصواتهن وسط زحام المغانم وحفلات التجميل السياسي وتقاسم النفوذ الذي استدرج العراق الى مجاهل جعلته دولة حافة بكل مقاييس التصنيف مع الاسف . أعرف هناء ادور منذ عدة سنوات ، اتابعها في نشاطات حقوقية وازدادت معرفتي بها من خلال المسؤولية الاستشارية التي اضطلع بها في منظمة حمورابي لحقوق الانسان التي تراسها السيدة باسكال وردا حيث يشكل هذا الثنائي النسائي الحقوقي منزلة تستحق الاصغاء والاطمئنان لأنهما يملكان هامشاً من الفرز بين الحقوق النسائية الامينة والاخطاء الحقوقية المبيته تحت وطاة الاسترجال المتعمد .
على حد معلوماتي المتواضعة، لم تصرف السيدة هناء ادور من خلال منظمة امل او شبكة النساء العراقيات الجهد المتميز المتواصل من اجل ايجاد قيادات نسائية شابة في الموقعين المعروفين ، حواضر المدن والمناطق الريفية مع نقص في الاهتمام التدريبي لمهمات نسائية تستمد حضورها من البيئة الزراعية العراقية رغم ان محنة المراة العراقية هناك محنة مركبة بكل المقاييس ، اذا اخذنا بعين التوصيف ثقل البدائية الاجتماعية المهيمنة وسيادة الاحتواء .
لقد حوًل الورم العشائري غير الحميد المرأةَ الى سلعة تباع وتشترى وتهدى على منصات الدواوين والمضايف . بل وقَطعَ الطريق على المرأة من اشهار امراضها ذات (الطبيعة النسائية) ، ولي هنا ان اقترح على هناء تشكيل فريق حقوقي استطلاعي استقصائي يتولى ميدانياً فقط التعرف على زحام النساء الريفيات على عيادات الامراض النسائية ، ويرّكز فقط لماذا هذه الكثرة المستفحلة في الامراض المستعصية.
منطقة عشائرية
لقد نقل لي طبيب صديق امضى خدمة الاقامة الريفية في احد المراكز الصحية ضمن منطقة عشائرية تعد من ضواحي بغداد،فقد افادني ان النسبة الكبيرة من الامراض النسائية المنتشرة هناك كان يمكن معالجتها لو انه تم الكشف عليها مبكراً وتلّقت العلاج اللازم ، لكن الذي يحصل تكّتم المريضات على عللهن الى حد مشارفة الموت وعندها فقط يتم جلبهن الى العيادات ، الحال ، مشهد مؤلم ، بل مفجع ان تجد نساء ريفيات ممدات على ارصفة حي الحارثية في بغداد قرب عيادات طبية بانتظار افتتاحها. فكيف لاتكون الصورة افجع في المحافظات .
ان المجالات التي ارى ان تشتغل عليها هناء ادور الان من خلال شبكة النساء العراقيات، تكوين قيادات حقوقية نسائية بنسخ ريفية تتصدر المشهد الوطني العام بالمزيد من التبصر والاصرار المدعوم دينياً واجتماعياً ، ولي هنا ان استذكر مع القراء سيدة عراقية اسمها (شاهه) في العشرينات من القرن الماضي تمَّ تتويجها اهزوجةً شعبيةً مازالت مضرب الامثال (تجار الحي فدوه لشاهه)، لأنها كانت تجمع التبرعات لثورة العشرين ، وان نساء من الظوالم وبني عارض والاعاجيب كن يمثلن دروعاً لوجستية اجتماعية نفسية للثوار ضمن معركة العارضيات.