هل وصلت الرسالة؟

عبدالهادي كاظم الحميري

تفاجأ‭ ‬العراقيون‭ ‬بما‭ ‬فعله‭ ‬رئيس‭ ‬وزرائهم‭ ‬الجديد‭ ‬مصطفى‭ ‬الكاظمي‭ ‬عند‭ ‬زيارته‭ ‬لمديرية‭ ‬التقاعد‭ ‬العامة‭ ‬عندما‭ ‬هاتف‭ ‬أخيه‭ ‬الأكبر‭ ‬عماد‭ ‬قائلاً‭:‬‭ ‬اسمعني‭ ‬أخي،‭ ‬أنت‭ ‬أخي‭ ‬الكبير‭ ‬على‭ ‬عيني‭ ‬وراسي‭ ‬أحبك‭ ‬وأحترمك‭ ‬بس‭ ‬اليوم‭ ‬آني‭ ‬مالة‭ ‬الناس‭ ‬مو‭ ‬مالتك‭. ‬دير‭ ‬بالك‭.‬

استظرف‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬العراقيين‭ ‬ما‭ ‬قاله‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬وأصبحت‭ ‬هلو‭ ‬عماد‭ ‬على‭ ‬طرف‭ ‬كل‭ ‬لسان‭ ‬ومهما‭ ‬يقال‭ ‬حول‭ ‬الموضوع‭ ‬وحيثياته،‭ ‬هل‭ ‬كانت‭ ‬محاولة‭ ‬منه‭ ‬لتلميع‭ ‬صورته‭ ‬مثلاً‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬قاله‭  ‬يبقى‭ ‬رسالة‭ ‬لذوي‭ ‬الشأن‭: ‬أن‭ ‬كفى‭ ‬تقديم‭ ‬الأقارب‭ ‬والعشير‭ ‬والتابع‭ ‬على‭ ‬المسكين‭ ‬من‭ ‬عموم‭ ‬الشعب‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬أقارب‭ ‬في‭ ‬السلطة‭ ‬له‭ ‬يسهل‭ ‬أمره‭ ‬في‭ ‬غابة‭ ‬المحسوبية‭ ‬والمنسوبية‭ ‬والرشا‭.‬

والظرافة‭ ‬في‭ ‬الموضوع‭ ‬بالنسبة‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬الرئيس‭ ‬تجاوز‭ ‬على‭ ‬قواعد‭ ‬المذكر‭ ‬والمؤنث‭ ‬عندما‭ ‬عَبَر‭ ‬بالكلام‭ ‬الى‭ ‬العاميّة‭ ‬في‭ ‬حرارة‭ ‬الموقف‭.‬

بالأمس‭ ‬وقف‭ ‬رئيس‭ ‬وزراء‭ ‬العراق‭ ‬الجديد‭ ‬مصطفى‭ ‬الكاظمي‭ ‬مع‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬الإسلامية‭ ‬الإيرانية‭ ‬روحاني‭ ‬ليقول‭ ‬على‭ ‬الهواء‭ ‬الطلق‭ ‬وبعينين‭ ‬ثابتتين‭ ‬لا‭ ‬تتحركان‭: ‬العراق‭ ‬يسعى‭ ‬الى‭ ‬علاقات‭ ‬متوازية‭ ‬وفق‭ ‬مبدأ‭ ‬عدم‭ ‬التدخل‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬الداخلية‭ ‬ويضيف‭ ‬في‭ ‬جانب‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬كلمته‭: ‬علاقاتنا‭ ‬الخارجية‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬مبدأ‭ ‬التوازن‭ ‬والابتعاد‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬محاور‭ …‬

لا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬رجل‭ ‬المخابرات‭ ‬العراقي‭ ‬السيد‭ ‬الكاظمي‭ ‬يعرف‭ ‬أن‭ ‬روحاني‭ ‬يعاني‭ ‬مثلما‭ ‬يعاني‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬الدولة‭ ‬العميقة‭ ‬ولسان‭ ‬حاله‭ ‬تجاهه‭: ‬يا‭ ‬ذيب‭ ‬ليش‭ ‬تعوي‭ ‬حالك‭ ‬مثل‭ ‬حالي‭ ‬وأن‭ ‬الرسالة‭ ‬موجهة‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬الى‭ ‬من‭ ‬يهمه‭ ‬الأمر‭ ‬في‭ ‬الدولة‭ ‬العميقة‭ ‬في‭ ‬البلدين‭. 

واحدة‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬مشاكل‭ ‬العراق‭ ‬في‭ ‬العصر‭ ‬الحديث‭ ‬أنه‭ ‬محاط‭ ‬بجارتين‭ ‬كبيرتين‭ ‬لهما‭ ‬تاريخهما‭ ‬وطموحات‭ ‬قادتهما‭ ‬عبر‭ ‬التاريخ‭ ‬في‭ ‬أرض‭ ‬العراق‭ ‬خصوصا‭ ‬وأرض‭ ‬العرب‭ ‬عموماً‭.‬

يقال‭ ‬والعهدة‭ ‬على‭ ‬الراوي‭ ‬أن‭ ‬قادة‭ ‬الجيش‭ ‬العراقي‭ ‬الكبار‭ ‬ذهبوا‭ ‬الى‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬نوري‭ ‬سعيد‭ ‬واحتجوا‭ ‬لديه‭ ‬على‭ ‬دخول‭ ‬العراق‭ ‬في‭ ‬حلف‭ ‬بغداد‭ ‬الذي‭ ‬ضم‭ ‬أيضا‭ ‬تركيا‭ ‬وإيران‭ ‬بالإضافة‭ ‬الى‭ ‬بريطانيا‭ ‬معللين‭ ‬احتجاجهم‭ ‬بأن‭ ‬لدى‭ ‬بريطانيا‭ ‬مشاكل‭ ‬في‭ ‬مستعمراتها‭ ‬وليس‭ ‬للعراق‭ ‬مصلحة‭ ‬في‭ ‬حروبها‭ ‬من‭ ‬قريب‭ ‬أو‭ ‬بعيد‭.‬

‭ ‬يقال‭ ‬والعهدة‭ ‬على‭ ‬الرواة‭ ‬أيضاً‭ ‬أن‭ ‬نوري‭ ‬السعيد‭ ‬قال‭ ‬لهم‭: ‬إن‭ ‬كنتم‭ ‬تظنون‭ ‬إني‭ ‬دخلت‭ ‬الحلف‭ ‬لأدافع‭ ‬عن‭ ‬بريطانيا‭ ‬فقد‭ ‬أسأتم‭ ‬الظن‭. ‬لقد‭ ‬دخلت‭ ‬الحلف‭ ‬ليكون‭ ‬للعراق‭ ‬منتدى‭ ‬مشترك‭ ‬مع‭ ‬إيران‭ ‬وتركيا‭ ‬لنعرف‭ ‬بماذا‭ ‬يفكرون‭ ‬لنحفظ‭ ‬بلدنا‭.‬

ومهما‭ ‬يكن‭ ‬الأمر‭ ‬فإن‭ ‬انحسار‭ ‬المد‭ ‬القومي‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬العقود‭ ‬الماضية‭ ‬بسبب‭ ‬خيبة‭ ‬من‭ ‬اتخذ‭ ‬منه‭ ‬ومن‭ ‬تحرير‭ ‬فلسطين‭ ‬وسيلة‭ ‬للتسلط‭ ‬والقيادة‭ ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬العرب‭ ‬نتج‭ ‬عنها‭ ‬تدمير‭ ‬جيوش‭ ‬العرب‭ ‬وخلق‭ ‬فراغاً‭ ‬حفز‭ ‬القائمين‭ ‬على‭ ‬شؤون‭ ‬تركيا‭ ‬وإيران‭ ‬على‭ ‬العمل‭ ‬لوراثة‭ ‬الفاشلين‭ ‬من‭ ‬قادة‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬أرض‭ ‬العرب‭ ‬فشرعنوا‭ ‬لطموحاتهم‭ ‬بوراثة‭ ‬الإسلام‭ ‬وفلسطين‭ ‬من‭ ‬العرب‭ ‬وساعدهم‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬أفكار‭ ‬سيد‭ ‬قطب‭ ‬وحسن‭ ‬البنا‭ ‬كانت‭ ‬جاهزة‭ ‬وشعارات‭ ‬تحرير‭ ‬فلسطين‭ ‬كانت‭ ‬جاهزة‭ ‬والقسمة‭ ‬بينهما‭ ‬جاهزة‭ ‬وفق‭ ‬المذهب‭.‬

ليت‭ ‬رسالة‭ ‬رئيس‭ ‬وزراء‭ ‬العراق‭ ‬من‭ ‬طهران‭ ‬قد‭ ‬وصلت‭ ‬الى‭ ‬الدولة‭ ‬العميقة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬طهران‭ ‬وبغداد‭ ‬وعبرت‭ ‬الجبال‭ ‬الى‭ ‬أنقرة‭: ‬أن‭ ‬لا‭ ‬تدخل‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬الداخلية‭ ‬ولا‭ ‬محاور‭.‬

الرسالة‭ ‬واضحة‭ ‬وعسى‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬فاتحة‭ ‬خير‭ ‬وود‭ ‬ورخاء‭ ‬للشعب‭ ‬العراقي‭ ‬والإيراني‭ ‬والتركي‭ ‬لينتقل‭ ‬اهتمام‭ ‬حكوماتهم‭ ‬الى‭ ‬توفير‭ ‬الخدمات‭ ‬والعيش‭ ‬الرغيد‭ ‬الذي‭ ‬يستحقونه‭ ‬بعد‭ ‬طول‭ ‬عناء‭ ‬وتضحيات‭.‬

مشاركة