هل عادت المياه إلى مجاريها بين بغداد وأربيل؟ ـ مثنى الطبقجلي
لعل افضل من لخص الغزل الجديد بين بغداد واربيل قول النائب المستقل الكردي محمود عثمان ان الزيارة المتبادلة بين رئيس الوزراء نوري المالكي ورئيس اقليم كردستان مسعود البارزاني، إنما تأتي في قالب المجاملة فقط ولن تحل المشاكل العالقة بين الطرفين على حد تعبيره… لانعدام اجواء الثقة.
عثمان المعروف بصراحته..استدرك قائلا انه صحيح ان مثل هذه الزيارات قد تخمد الازمة قليلا، لكنها ليست حلولا ناجعة للمشاكل العالقة بين بغداد واربيل . ودعا قبل كل شيء الى ضرورة تفعيل دور اللجان الست التي كان تقرر تشكيلها لمتابعة المفاوضات بين الجانبين، هذا إن سلمت النوايا لايجاد الحلول للازمات الممسكة بخناقهما، وتوضيح ما لا يمكن حله للرأى العام . اي قولوا الحقيقة من هو صاحب الحق ومن يريد ان يلبسه الباطل شروالا او عمامة وكوفية..؟
في عالم السياسة العراقية وكواليسها اليوم صار ممكنا جدا بليلة وضحاها وعبر فوتو شوب سياسي ان تنتقل المواقف والرؤى من اقصى اليمين الى اقصى اليسار برمشة عين، حينما يستشعر البعض انه مقبل على خطر ماحق يتهدد وجوده ونارا تتعلق باذياله.. وهذا الامر لايختلف في التطبيق عندما يتعلق الامر بسلوكية وانحناءة اي رئيس حكومة امام الصعاب لا لتذليلها وانما لعبورها حتى ولو كان ذلك على اجساد شعبه.. ولا تهم الخسائر طالما ان شعبه يدفع الضريبة كاملة دون ان يصرخ.. آآآآخ..؟
فالكل هنا سواء ارتبط الامر بالسيد المالكي او السيد البارزاني يحاولون قدر ما استطاعوا الخروج سالمين من الطريق المسدود الذي حشرا فيه نفسيهما في مواجهة مصطنعة امام علم وخارطة العراق الواحد، ما تتطلب من المركز والاقليم مراجعة سريعة للمشاكل، بعد ان تغيرت الكثير من المعادلات السياسية والظروف الموضوعية، ومناشئ تكوين اللجان واختصاصاتها التي كتب لها ان تراوح في مكانها.
وهذا يفسر الى حد كبير ان بغداد كانت تنتظر بفارغ الصبر من البارزاني زيارة لوضع النقاط على الحروف، لتقريب وجهات النظر ازاء القضايا والمشاكل التي تعصف بهما وبالبلاد معا.. بلا شك ان الاحتكام للعقل والمنطق بعيدا عن لغة التهديدات هي مطلب كل الحكماء في العراق، او من تبقى منهم وسلم بريشه من التهديد او القتل او النفي والاقصاء على الهوية.
ولكن كيف يمكن ان نجد الحلول وسط دستور بني وعلى اسوار مواده، الكثير من الالغام الزمنية، إن انفجرت احداها اليوم، فان الاخرى ستنفجر لاحقا وهذا الدستور لن يستطيع احد تغيره الا بعد بعد ثلاث دورات انتخابية نيابية اي بعد 12 سنة ذهبت منها سبع فلماذا نخدع انفسنا.
فاما أن نعطل العمل بالدستور ونضعه جانبا كما فعلها المصريون، واما ان نلتقي ونتحاور ونضع العراق في حدقات اعيننا، لاننا والله مهما بُعدنا وباعدت بيننا الايام لن نجد وطنا مثل العراق فرجاء لاتمزقوه واصطفوا مع ابنائه العرب منهم والكرد والتركمان وباقي القوميات فهو اثمن ما لدينا من اي شعار يطرح ومشروع ناسف يخطط له البعض تحت الكثير من المسميات..؟
وعلى مدى سنتين من الان عاشت بغداد واربيل صراعات ومناكفات ووصل البعض الى التهديد باعلان الحرب وتحركت فعلا الدبابات وتمركزت الطائرات في القواعد المتقدمة في كركوك ونينوى ولولا رافة الله بالجميع لاشتعل العراق فوق ما يشتعل ولرأى العالم مسرى دخاخينه عن بعد..؟
ورب سائل يسال كيف وصل الجانبان الى هذه القناعة التامة بالعودة للحوار رغم بشاعة الدستور العراقي المستورد، باحثين عن حل فيه.. اقول جازما انها هواجس المشكلات المحيطة بنا شرقا وغربا وحتى شمالا مع ما يقابلها من ملامح عرب اقل وصف يوصفون به هو يهود الخليج.. كل هذه المخاطر المنبثقة والنيران المشتعلة بسوريا وسقوط نظام الاخوان في مصر والقادم اكبر..؟
دفع الفرقاء جميعا للالتقاء وعرض جميع المشاكل المُخمرة على بساط البحث وكاننا كما يترآى للبعض انها ستحل بسلة واحدة على وزن السلال السياسية الفاسدة التي صارت تجارة عامرة لسياسيين فاشلين في اصلاح اي شيء وحتى في مراجعة النفس.
فهل انقشعت الغمة وزال خطر التفرد او ما كان يسميه البارزاني الى وقت قريب بملامح ولادة دكتاتور في بغداد..؟ ذلك الذي تشهده اليوم سماء العراق وبينها سماء كردستان فيه، لو اخلصنا للوطن وغذينا السير بالاتجاه الصحيح لامكننا حل مشاكله تباعا حينما تسلم النوايا، ويستعيد الفرقاء اجواء الثقة بينهم، اما ان تكون هذه الزيارات للمجاملة فهذا ضحك على الذقون.
ولان الاخطار كبيرة ولان استقلال كردستان لو تم استنادا الى بعض المعطيات الوهمية، ومنها انه كلما ضعف المركز او ُانهك بمشاكل قد يدفع الاطراف للانفكاك عن فلك الدولة وهذا ابتزاز غير مسؤول. وللتاريخ قصص طويلة ومرعبة تذكرنا كيف سقطت دولة الخلافة في بغداد والاندلس حينما اشتدت الخلافات الداخلية.. فيما كان الاعداء وابناء العلقمي في كل زاوية وسرداب مظلم يعدون العدة لتمزيق الوطن واي وطن.. فما بالكم اذا كان ذلك هو العراق العظيم.
ونعود للسياسة، حيث قواعدها ومبادئها الثابته واعمدتها المترنحة هنا وهناك، فمن يجيد التعامل بها كتابة وقراءة وتحليلا، سيصل الى بر الامان في قراراته التي يتخذها بمستوى الامانة التاريخية في تحمل مسؤولية بلد يتكالب عليه الاعداء وتمزقه الصعاب والذئاب،
واولها ان تكون اي خطوة في قراراتنا المصيرية.. نسبية وليس حتمية اي ان لايتمسك طرف بمطالباته غير الواقعية حتى النفس الاخير ونبدأ بالنقاط السهلة، حتى لاتنقطع انفاسنا ليدرك البعض، بعدما تسوء الامور ويقع المحذور انه وغيره من اوصلوا العراق الى نقطة اللاعودة.. ويصبح تمزيق العراق امرا واقعا وجريمة تاريخية يتحمل اي واحد من الساسة وزرها ووزر ما سيحصل.
فارجعوا الى دوائر اليقظة في ضمائركم عسى ان يعود لنا وعينا وتنفسنا الهادئ ويصطفي الحال وترجع اموال العراق كله للبناء وليس لاشعال الحروب.
اي بمعنى ان الاحداث التي تشهدها سوريا جارة العراق وبضمنها كردستان لاتوثر فقط على حكومة بغداد وانما تؤثر حتما على حكومة الاقليم الذي يعيش هو الاخر صراعا قويا تطالب فيه المعارضة الكردية البارزاني ان لايترشح ثانية للرئاسة ثانية، الى جانب تعرضه الى ضغوط تركية وايرانية وحتى امريكية لكي لا يتورط باتخاذ قرار او خطوة قد لايكون بعدها من سبيل للتراجع.
نأمل مخلصين ان تكون محصلة الزيارة هذه لا يتعدى تفعيل اللجان واتخاذها مادة اعلامية في وجه المعارضين للمالكي والبارزاني في الداخل والخارج.. وان لا تكون استعدادا تعبويا لمواجهة الاخطار المنتظرة بافتعال هذه اللقاءات واعداد سيناريوهات القبل والاحضان على مرأى الكامرات.
فرياح التغيير قادمة سواء تلك التي ضربت المنطقة واطاحت بالعديد من قادتها أوما سيؤول اليه الوضع في سوريا لو سقط نظامها او استمكنت ثورة الثلاثين من حزيران في مصر فتحولت مرة ثانية الى ثورة قومية على الواقع العربي بكل اشكاله.
واي مراجعة لزيارة المالكي الاخيرة لاربيل نجد فيها حركة سياسية ذات دهاء من المالكي حينما قِدم اليها، وعقد اجتماعا مصغرا لمجلس الوزراء حضره كامل وزراء الاكراد فكان ذلك رغم كونه يشكل تنازلا مهينا للحكومة المركزية، الا انها ارتضته لتتخلص من عبأ ايام ثقيلة قادمة ولتهدم الاسوار النفسية التي اقامها خصوم المالكي من حوله جراء الاخطاء الكثيرة التي وقع فيها..
وكنا نامل منه ان ياتي بكل ثقل وزرائه الى الانبار ويعلن منها قرارات تعيد اللحمة وتثلج صدور العراقيين لابناء شعبه، لكنه لم يفعلها.. لماذا..؟
وكاد اتفاق اربيل وقتها قبل عامين ان يثمر عن اسقاط المالكي، لولا تراجع الطالباني رحمه الله… في الساعات الاخيرة تحت ضغوط ايرانية حينما اجبر نوابه على سحب تواقيعهم من طلب سحب الثقة عن المالكي.. فسقط مشروع العراقية.
وبرغم ما اعتبره الكرد انحناءة من حكومة بغداد لمطالبهم، بتطبيق المادة 140 ورواتب البيشمركة وقانون النفط وقانون المحافظات الا ان المالكي بدوره كان قد شعر بالفخر من انه استطاع ان يهدم عرى هذا الائتلاف الذي ضم الاكراد والعراقية والتيار الصدري بهذه الزيارة
وفي السياسة كل شيء ممكن مقابل ثمن..؟ ونصف الهزيمة قد يشكل انتصارا حينما يوهم البعض انفسهم بذلك؟
ولكن شرط اعادة رسم الحدود الادارية للمحافظات هو الوجه الآخر للمادة 140 بل العن نتيجة واوسع ايلاما وهوما فطن اليه المالكي، انها الورقة الاخيرة التي قد تبقيه على قيد الحياة السياسة لو وقف بالند لها واطاح باحلام من يريدون ان يعيدوا العراق ليس الا مستنقع شمال وجنوب، وانما الى مشاكل لاتحصى بين المحافظات.
وهذا هو التقسيم بعينه الذي خططت له الصهيونية لتحجيم العراق والهائه بمشاكل لاتنتهي.. فهل يستحيل علينا ان نَخلُصَ مع انفسنا ومع شعبنا ومن قبل ذلك كله ان نفي هذا الشعب قدره ونرجع لله تائبين عما فعلناه خلال عشر سنوات مضت من عمر العراق.. سنوات عجاف عاش فيها تحت وهج ودخاخين الآلة وومضات انفجارات مرسومة بدقة تداعياتها ومناطق تفجيراتها.
ما تبين لنا من كلمة رئيس الوزراء الجوابية اثناء اللقاء مع السيد البارزاني انه لايراهن على النتائج كثيرا ان لم تصحبها مراجعة حقيقية للمشكلات بعيدا عن المزايدات الكلامية والانتخابية.. وان لم تثمر عن نتيجة تذكر، فان ذلك يعد مرونة وتكتيكا يسمح له بالتقاط الانفاس. وانه لا حل امامه الا بالتراجع المنظم عما وعد به او تنازل عنه، لكي لايؤدي التصلب في غير محله الى حالة من الانكسار.
اذن على الجميع استعادة اجواء الثقة والعودة للمرونة والوسطية التي ستؤمن بلا شك الوصول للبديل المشترك.. الذي سيحفظ للعراق وحدة شعبه وترابه الوطني ومن يخرج عن ذلك الاطار فقد كتب على نفسه ما سيكتبه التاريخ لاحقا بحق كل من خذل شعبه ووطنه وامته؟
فهل يا ترى سيكون البديل مثلا بعد تصاعد ردود افعال المعارضة الكردية لتجديد الرئاسة للبارزاني، مدعاة ان يلعب المالكي مع البارزاني لعبة الرئاسة العراقية الشاغرة التي لازالت مسجلة باسم السيد جلال الطالباني الميت سريريا منذ اكثر من ستة اشهر.. والتي مني بها صالح المطلك ليزيد بها من وعد من شرذمة العراقية.. الله اعلم واولي الامر والنهي عن المعروف..؟
التحالف الوطني والتحالف الكردستاني يمكن لهما في جلسة برلمانية واحدة ودون اذن من العراقية المتشظية، من انتزاع موافقة المجلس على الاقتراع باختيار البارزاني رئيسا للعراق وهو ما قد يضطر الكثير من الكتل العراقية الى الموافقة عليه، لانها لاتريد ان يتكرر معها ما حصل يوم انتخاب الطالباني حينما تركت القاعة واعتبر ذلك غصة في الحلق الكردي.
فهل سيقبل البارزاني بذلك الُطعمْ وهل سترضخ بغداد المشتعلة بالانفجارات وعودة مسلسل تصفية الكفاءات بخارطة الطريق الجديدة التي قد تنقذ الاثنين معا.
كل القراءات تقول ان ذلك هو الذي يحدث وان زيارة ثانية مقبلة لاربيل ستكون قريبة طالما ان المالكي قد اخذت قدماه على حافات الطريق بحذر وطالما ان ذلك يمنحه الكثير من الوقت لتمزيق خصومه وعلى راسهم ائتلاف العراقية بزعامة اياد علاوي.
AZP07