هل تعلّم العرب الدرس؟

هل تعلّم العرب الدرس؟
أكرم عبد الرزاق المشهداني
تمرّ علينا هذه الأيام الذكرى الخامسة والأربعون لنكبة 5 حزيران 1967 ذلك الحدث الذي غيّرَ مجرى الحياة العربية، وأحدث صدمة هائلة للامة ولملايينها التي لم تصدق ما حدث، وحاول سياسيو النكبة ان يصوروها بأنها نكسة أو انها كبوة او انها خسارة معركة وليست خسارة حرب … وغيرها من التبريرات الفجة التي لم يهضمها العقل العربي.
إن حرب عام 1967، هي أكثر الحروب المعاصرة في التاريخ الحديث غرابة ودهشة، وأشدّها إثارة للسخرية والتساؤل، لأن أحداً لم يُجب بطريقة رسمية وموضوعية كيف حدث هذا؟ ومن المسؤول عنه؟ كيف انهارت منظومة كاملة من الدفاعات والمعاهدات العسكرية المشتركة، أمام دولة صغيرة الحجم كانوا يسمونها دويلة ، عدوانية الوجود منذ نشأتها؟ كيف لم تستعد دول المواجهة للدفاع عن أرض وطنها وكرامة شعبها، كما كانت مُستعدة، بـ زمجرة وعيدها وتهديدها وشعاراتها وخطبها الطنانة، التي ملأت آذان العرب من المحيط إلى الخليج؟ وأغانٍ وأناشيد حماسية تهدّد بإلقاء اليهود في البحر
ويا أهلا بالمعارك، وشهد سكان المدن والقرى الفلسطينية كيف يفر قادة الألوية والكتائب والفرق العسكرية والضباط من الميدان قبل وصول القوات الغازية إلى ساحة المواجهة؟ فمنهم من ركب حماراً سلبه لأحد المدنيين، ومنهم من أطلق العنان لسيارته العسكرية في هروب جنوني، ومنهم من فرَّ راكضاً نحو الأمان، ومنهم من بحث عن رداء يستر به نفسه من أعين الأعداء.
كانت حرب حزيران حرباً مخزية مخجلة بكل معنى الكلمة، حطّت من كرامة العربي على مدار أجيال، يصعب محوها من صفحات التاريخ العربي، وإن كان هناك قد حصل قتال في أرض المعركة عام1967، فإنه قتال استبسل فيه أفراد، قادة وجنود أبطال، من منطلق روحهم الجهادية ومسؤوليتهم الشخصية، فكانوا أمناء للأمة ومنعهم الإحساس بالعار من أن يلتحقوا بركب الهاربين، أما الجيوش الرسمية، كقرار سياسي ومؤسسة عسكرية، فإنها لم تقاتل، وإنما أدارت ظهرها لتسجل عار الهزيمة النكراء للأجيال العربية.
خدعونا وقالوا حرب الأيام الخمسة أو الستة وفي واقع الحال أنها لم تكن سوى حرب أربع ساعات حسمت خلالها دويلة العدوان، أمرها ودمرت المطارات العربية بما عليها من طائرات للفرجة، وأما ما هو أشد ألماً من وقع الهزيمة، فهو استمرار الاعلام الحكومي العربي بخداع الجماهير بإسقاط مئات الطائرات الاسرائيلية، والبيانات الثورية تترى لكن على الأرض طانت الكارثة، والأدهى من ذلك خروج أبطال الهزيمة من ساسة وإعلاميين دجالين بالقول أنها نصر وليست هزيمة لأن الهدف من عدوان إسرائيل على الأمة العربية كان هو إسقاط الأنظمة الثورية التقدمية العربية، وهو مالم يحصل وبالتالي وعليه فإن ما حصل في الخامس من حزيران هو نصر للنظم الثورية العربية وليس إندحار.
فبالله عليكم هل هناك دجل ونفاق اكبر من هذا؟
ذكريات مليئة بالجراح والدموع، أيام ستة مضت وكأن العالم قد اختفى فجأة، أيام ستة من الدمار والقتل والتهجير، تلتها سنوات من الخوف والضياع وانتظار المجهول، والألم على ما حصل، واجترار مرارة الهزيمة العربية الماحقة.
إن الحديث عن حرب حزيران عام 1967، لا يمكن أن يكون دون أن تتصفح كتب التاريخ، وتلامس ذاكرة الناس الأحياء منهم، الذين عايشوا تلك التجربة إنها لم تكن حرباً عادية، كالتي نقرأها في كتب التاريخ، لم تحتكم إلى المنطق أو العدل. فالحروب عادة إما عادلة أو غير عادلة، رغم تنافيها وتناقضها مع فهمنا الإنساني للحياة، ورغم أنها في الواقع تعتبر حرباً غير عادلة، وغير منطقية في المفهوم العسكري والسياسي الإعلامي، وتشكل، رغم مرور 45 عاماً على حدوثها، أحد أهم مفاصل الغموض والتراجع العربي، فهي ما زالت حدثاً يشوبه الشك في صحة المعلومات التفصيلية، وسلامة الروايات الحقيقية، لأن الذين شاركوا فيها، شهودا أو جنودا، أعطوا روايات متباينة، والمفسرون الذين تناولوها أعطوا تحليلات اعتمدت على الاستقراء والقياس المنطقي للأحداث والتطورات، التي عصفت في هذا التاريخ العربي الأسود.
الخامس من حزيران جرح في الذاكرة العربية ابطاله سجلوا الهزيمة تلو الهزيمة، هزيمة الارادات العربية الخائرة، ولم يكتفوا بذلك بل حاولوا اختراع انتصارات وهمية زائفة لم تكن سوى انتصارات على شعوبهم، وما زالت الجروح مؤلمة، في جسدنا العربي، الإعلام العربي الرسمي البائس ومؤرخوه سمّوا الهزيمة المدويّة التي لحقت بالجيوش العربية عام 1967 نكسة ليهوّنوا الخطب والهول على المواطن العربي المسكين، وكي لا يبالغوا في حرق وجدانه ومشاعره، ولاسيما أن النكبة جاءت بعد نحو تسعة عشر عاماً من التعبئة الإعلامية والإعداد العسكري المحكم الفذ لمحو عار نكبة 1948، فقد أصبحت هزيمة إسرائيل قاب قوسين أو أدنى، والمواطن العربي ليس بحاجة إلى أكثر من أن يغمض عينيه، وبأسرع من رد الطرف سيكون اليهود في البحر طعاماً للسمك، وأحمد سعيد المعلق السياسي في صوت العرب دعا السمك أن يتجوع استعداداً للانقضاض على الآلاف المؤلفة من اليهود الذين سيلقون أحياء في البحر.
الإعلام العربي سمّى فاجعة حزيران نكسة على وزن مزحة ، وكأنها فعلاً مزحة بسيطة، رغم ضياع قدس الأقداس أولى القبلتين وثالث الحرمين، وسقوط الضفة الغربية وسقوط سيناء، وسقوط الجولان. وجزء من الأرض اللبنانية تحت أقدام جيش الدفاع الإسرائيلي في حرب أشبه بالنزهة.
سمّها ما شئت نكسة او نكبة او هزيمة فإن أحداث الخامس من يونيو اخترقت الوجدان العربي في الصميم، وأفرز هذا الواقع الذي تعيشه الأمة، من بؤس متواصل وضياع الهيبة والكبرياء، جعلنا نشهد على واقع اختزال الأوطان والأهداف والآمال. فبعد أن كنا نحلم بتحرير كل فلسطين من البحر إلى النهر، أصبحنا نطالب باسترجاع الأراضي التي سقطت في حرب حزيران، وحوَّلها قرار مجلس الأمن 242 إلى أراض وليس الأراضي ، وتحولنا من المطالبة بالحق الكامل بعودة اللاجئين والمشردين إلى أوطانهم، أصبحنا نطالب بالقليل من التعويض عن جريمة طردهم من وطنهم، ومن حدود 1967، أصبحنا نتطلع إلى مساحات من الأرض لإقامة كانتونات نمارس عليها السيادة المنقوصة. اختزلت قضية أوطاننا كما اختزل هذا الصراع التاريخي والحضاري، بيننا وبين أعدائنا، إلى نزاع إسرائيلي فلسطيني، وإسرائيلي لبناني، وإسرائيلي سوري، كل منا يسعى لحله بالتفاوض المنفرد بعيداً عن منطق الأمة الواحدة.
ها هي الذكرى 45 لهزيمة او نكبة الخامس من حزيران والتي مازالت ذكراها تؤرق مضاجع الأمة عموماً، والشعب الفلسطيني على وجه الخصوص، الذي خاب امله في قدرة النظام العربي الرسمي على استعادة حقوقه السليبة.
ذكرى لا يمكن لها أن تنسى وتزال من بال وضمير المواطن العربي…
ويبقى السؤال الحاضر دوما هل تعلمنا نحن العرب حكاما ومحكومين شيئا من دروس الفاجعة؟
/6/2012 Issue 4219 – Date 6 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4219 التاريخ 6»6»2012
AZP07