هل العراق كيان مصطنع ؟ — جواد غلوم

هل العراق كيان مصطنع ؟

جواد غلوم

تشاع هذه الايام نظرية واهية ابتكرها زبانية العم سام مفادها ان العراق بلدٌ مصطنع تم تشكيله وفقا لاتفاقية سايكس – بيكو وفق حدود افتراضية صنعتها ظروف الحرب العالمية الاولى بعد هزيمة العثمانيين حيث استورد مليك هاشمي من غير منبت العراق ليتم تنصيبه في العام /1921 وان شعب العراق عبارة عن خليط غير متجانس من العرب والكرد والتركمان والأعراق الاخرى لايجمعهم جامع مشترك بين مواطنيه ، بالاضافة الى التنوّع في المعتقدات الدينية والمذهبية التي سببت الكثير من المآزق والمشاكل منذ تأسيسه وحتى الوقت الحاضر؛ ويبدو لليانكي الامريكي ان هذه المشاكل والعقبات لاتنتهي الاّ بعد اجراء تقسيم البلاد واقلمتها عرقيا واثنياً لوضع حدّ لما يجري من عنف وتوترات وصراعات تعصف بالبلاد نتيجة تلك النزاعات .

أليس من الغرابة ان يعدّ العراق وطنا مصطنعا وهو الموغل في اعمق اعماق التاريخ ومنه تفتحت عقول العالم نحو التحضّر والنماء من خلال الحرف الاول للكتابة الذي ظهر اول الامر بوادي الرافدين وان اقدم اثر ادبي ملحمي وهو ملحمة كلكامش ولدت في تلك الربوع البابلية ومن مكتبات آشور بانيبال نهل العالم العلمَ والمعرفة والحضارة ؟!

هل بدأت امريكا تعطي معايير عن الاصيل والمصطنع من الدول والتي لملمت ولاياتها من صفقات شراء تمت بين فرنسا وبينها بدءا من العام /1801 منذ عهد توماس جيفرسون والمعروفة تاريخيا بصفقة بيع ولاية لويزيانا وآركنسا وميسوري وآيوا وأوكلاهوما ونبراسكا وكانساس وغالبية ولاية مينسوتا لتضمّ بعدها الى الولايات المتحدة والتي تشكّل بمساحتها اكثر من 15 بالمئة من مساحتها .

يعرف العالم كله ان زعيمة العالم السيدة امريكا ماهي الاّ شتات اقتطعت ولاياتها من هنا وهناك وان اجزاء واسعة من كاليفورنيا لم تكن الاّ اراضي مكسيكية ضُمّت عنوة ، ومن يراجع التاريخ مليا يعرف تماما ان ولاية الآسكا الباردة ماهي الاّ اراضٍ روسية اشترتها الولايات المتحدة فيما مضى بأبخس ثمن وألحقت بامريكا .

نعجب كيف تقوم دولة مصطنعة بولاياتها التي فاقت الخمسين المأخوذة من الجوار والمباعة اليها من فرنسا تجرؤ على تصنيف العراق بانه دولة صنعت جزافا ولابد من تقسيمه وكأنّ التقسيم هو الحلّ .

ان معالجة الخلل والردّ الحازم على تخرصات الولايات المتحدة وسياسييها يكمن اولا واخيرا في العقل وهو من ينزع أردية الكراهية ، يكمن في الصدر الرحب الذي يتقبّل المعايشة مع حرية المعتقد وعدم التدخل في خرافة الجنس والعرق وتوسيع افق الانسان وانتشاله من الجهل وترسيخ مجتمع مدني تحكمه منظمات ونظم ديمقراطية حقة نابعة من نبت العراق ومن ارضه لا من ديمقراطية جاهزة مسمومة داخلية رغم انها مغلفة بسيلوفان جميل ظاهريا لكنها عفنة تزكم الانوف وتبعث الروائح الكريهة مثلما شممناها طيلة السنوات العشر الماضية بعد احتلال العراق.

فالتقسيم لم ولن يكون حلا ناجعا وانما عزل طائفي وعرقي بين اطراف الخلاف وسوف تبدأ الانشقاقات والانقسامات داخل المناطق المقسّمة خاصة في الاماكن المختلطة الكثيرة ذات الاكتظاظ السكاني الهائل مثل بغداد والبصرة وكركوك وغيرها من المحافظات ذوات التنوّع العرقي والديني.

والى متى تدفع الشعوب ثمن المهاترات السياسية ويلقى اللوم عليها وهناك من الساسة الطائفيين الموتورين من يغذي طحالب الكراهية الضارة ويسقيها ماء آسنا ؟؟ بعد ان عجز المراهقون السياسيون عن تكوين امة عراقية وشعب موحد ولم يعرفوا كيف يستثمرون العناصر المشتركة بين الوان الطيف العراقي فاتجهوا الى التجزئة وتظللوا بالمذهبية والعرقية والانزواء في ظلمات المكونات دون ان يخرجوا الى الفضاء المشمس بالمحبة والتعايش السلمي وروحية تقبّل الاخرين واحترام ثوابت الناس العقائدية والفكرية وقناعاتهم .

لقد آن الاوان ان نواجه ونصدّ مشاريع التقسيم الحديثة التي جاء بها جو بايدن منذ سنة / 2007 بدفعٍ وتحريض من صقور السياسة الامريكية لتنفيذ المشروع المشبوه في ايجاد شرق اوسط مهلهل الملامح ومصاغ على طريقة البيت الابيض ونقف بمسؤولية وطنية وقفة واحدة للدفاع عن بلادنا وافشال مايخططه بايدن واتباعه من ذيول العقارب السامة التي تبوأت سلالم السياسة العراقية بغفلة من الزمن مستغلةً اوضاعنا السياسية السقيمة وعمليات التجهيل التي عمّت اهلنا وافساد النفوس بالمال وتخريب اللحمة الوطنية وتقطيعها بسكاكين الطائفية وتمزيق النسيج العراقيّ وممارسة التشتيت العرقي ؛ فلا يخفى ان مشروع اعادة تشكيل الشرق الاوسط وفق الخارطة الامريكية يبدأ من تجزئة العراق اولا ومن ثم تعميمه الى بقية الدول العربية الأخرى لتنشأ اقاليم صغيرة وكانتونات اصغر ليسهل حلب ضرعها الوافر بالخيرات مادامت تبقى كيانات صغيرة وهزيلة لاتقوى على حماية ثرواتها .

فهل من مُتّعظ من سياسيينا الغارقين في النزاعات والمصالح الشخصية قبل فوات الأوان !!؟

jawadghalom@yahoo.com

مشاركة