كلام أبيض
هكذا يخرب الوطن – جليل وادي
ألقيت عليه السلام من نافذة سيارتي تقديرا لما يقوم به من جهد مروري مخلص في تنظيم السير في تقاطع مكتظ بالمركبات ، ولقربه من نافذة السيارة والتقاء عينيي بعينيه ، رد علّي السلام ، لكنه سرعان ما طالبني بإجازة السوق وسنوية السيارة ، ابتسمت بوجهه ، وسلمته ما يُريد ، نظر فيهما ثم قال : تفضل واصل مسيرك ، لقد ظن رجل المرور ان سلامي عليه لم يأت لوجه الله ، او احتراما لموظف يعمل من أجل سلامتنا وتطبيق النظام ، بل تصور اني أغطي بالسلام على مخالفة معينة كعدم تجديد السنوية او عدم امتلاكي إجازة سوق ، حرام أن يصل فقدان الثقة حتى بالسلام . لم أشأ الدخول معه في عتب انساني ، او ان أظهر له حجم التناقضات في عملهم المروري ، ففي هذه الأثناء كانت أعداد كبيرة من عجلات التكتك والستوتات والدراجات النارية تجوب المكان الذي نحن فيه دون أن يوقفهم ، مع ان غالبية هذه العجلات يقودها أطفال بعضهم دون سن الخامسة عشر ، لا يملكون الأوراق الاصولية لعجلاتهم ، وغير ملتزمين بمباديء وأخلاق السياقة ، بل لا يعرفون هذه المباديء ، ولذلك كثرت الحوادث ، وابتلى سواق السيارات على أعمارهم ، لا أحد يستجيب لمناشداتهم وشكواهم من ان شوارعنا وبسبب هذه العجلات صارت في غاية الخطورة ، ناهيك عن الجانب الحضاري الذي ما عدنا نتحدث عنه ، ويبررون لهذه الظاهرة بأن هؤلاء الأطفال يكدون على عوائلهم ، وهذه مهنة تفتح بابا لشباب عاطل تتزايد أعدادهم يوما بعد آخر وغيرها من الأعذار ، وطالما الأمر كذلك ، فلا أظن من الانصاف محاسبة سواق السيارات على عدم تجديد سنوية مركباتهم او اجازة السوق . وبهذه التناقضات يخرب الوطن .
وعلى شاكلة هذا الأمر ما تفعله توصيات مديريات التربية والجامعات أثناء الامتحانات بالتأكيد على ضرورة مراعاة الظروف النفسية والاجتماعية والاقتصادية التي يمر بها الطلبة ، وعدم الضغط عليهم ، فأوضاع البلاد غير مستقرة وأزماتها متلاحقة ، والسؤال : ما المقصود بهذه التوصيات ؟، لقد فُهمت من الجهات المقصودة وملاكاتها التدريسية بمعنى التساهل وتخفيف اليد أثناء تصحيح الدفاتر الامتحانية ، وتمرير الطلبة الى المراحل الدراسية اللاحقة حتى وان كانت مستوياتهم العلمية لا تستحق ذلك ، ونظام الأدوار الامتحانية الثلاثة الذي طبق سابقا ، وارجاع المرقنة قيودهم الى مقاعد الدراسة ، يؤكد هذا المعنى ، ، بل يمكن القول دون تردد : ان الرسوب يكاد يكون معدوما الا لمن تغيب عن أداء الامتحان ، انظروا الى نسب الراسبين ، أليس بهذه الطريقة يتهدم الوطن؟.
منذ عشرين عاما ونحن نتفرج على توسع مناطق ( الحواسم ) ، أي تجاوز المواطنين على املاك الدولة التي شيد عليها الأهالي بيوتا لتصبح مناطق سكنية كبيرة شوهت عشوائيتها جميع محافظاتنا ، ولم تتمكن الحكومات المتعاقبة من حسم هذه التجاوزات ، وعندما ندعو الى رفعها ، قيل ان سكنتها من الطبقات الفقيرة ولا تملك مكانا تأوي اليه ، فاذا كان وضعهم كما يصفه السياسيون المعترضون على اتخاذ اجراءات بشأنهم ، فلماذا لم يجدوا حلا واقعيا لهذه المشكلة ، فالوقت الذي مضى كاف لمحاسبة المتجاوزين الذين يملكون سكنا ، وتخصيص اراض للمستحقين بصورة قانونية ، أليس بقاء الحال تشويه للمدن ، وتعزيز لفكرة ( الحواسم ) .
ألا يعد تخريبا عدم استثمار المساحات الفارغة العائدة للمشاتل التابعة لمديريات الزراعة والبلديات ، ومن الخزي تحّول محيط المشاتل الى مكبات للنفايات ، ومقترباتها هي الأسوأ بين أمكنة المدينة ، وهي المعنية بتجميل المدن ، وتزويد المواطنين بالشتلات التي يحتاجونها ، هذا المفترض ، لكن الواقع يؤكد عدم مبادرة الكثير من اداراتها لسقي الأشجار القريبة من مشاتلها ، بالمقابل تدعو المواطنين الى الاهتمام بالحدائق المنزلية وتوسيع المناطق الخضراء في الأماكن المتاحة تجميلا للمدن وحفاظا على البيئة ، ما هذا الكلام الذي لا معنى له ، كثيرة هي مظاهر تخريب الوطن ، ويتعذر احصاؤها ، وأكثرها خطورة انتهاك النظام من المسؤولين عن تطبيق النظام .
jwhj1963@yahoo.com