هزيمة الإنتصار
في الشعر العربي الفصيح والدارج توجد الكثير من القصائد والابيات التي يشكو فيها الحبيب قسوة وظلما واضطهاد حبيبه وانه تركه للعذاب والاسقام والاحزان دون عطف وشعور بالندم من الهجر والفراق ولم يقتصر ذلك علي الشعر العربي القديم فقط اذ ما زالت الاغاني والقصائد تصدح بقوة وعدم وفاء الحبيب وانه يمعن ويتفنن في اذي الحبيب ويواصل سلوك الذين سبقوه في ميادين الهجر والفراق ولا تقدم اكثر القصائد والاغاني التي تعزف علي اوتار الهجر والفراق واسبابا كذلك انها تعاتب الحبيب علي اختياره الهجر والفراق وامعناه في القسوة علي حبيبه ولان هذا الحبيب بهذه الصورة من القسوة والاذي فانني افترض انه يشعر بالانتصار لانه ارغم محبيه علي الشعور بالاحباط والهزيمة ولانه اوعدهم في الكثير من المرات ولم يجنوا غير الاوهام ولانهم وجدوا في هذا الحبيب فارسا للاحلام والتجسيد للامنيات وحصدوا منه اليأس والخيبة والحرمان وضياع العمر بل اجمل سنوات العمر.
وكنت ومازلت اتساءل: لماذا نكتب القصائد والاغاني عن اشخاص لا يتعاطفون معنا ولا يصغون الينا ولا يتعاملون معنا بشكل يجعل لعواطفنا واختياراتنا قيمة واحتراما وتجاوبا ولماذا هذه القسوة من الشخص الذي نحبه ونعلق الامال الواسعة علي حبه واعرف ان لهذه الاسئلة الكثير من الاجوية المفترضة ولكني اجد ان العلاقة بين الانتصار والهزيمة من ابرز هذه الاسباب فهناك من يشعرون بالانتصار عندما يدفعون الاخرين الي الشعور بالاحباط والهزيمة ولعل الذين امعنوا او تمادوا في ظلم واضطهاد محبيهم واشبعوهم قسوة وهجرا هم من هؤلاء وعندما اشير الي هذا السبب فانني اجده ملموسا في الكثير من التصرفات والمواقف فقد وجدت ان بعض العشائر تحاول ان تسيطر علي مناطق سكنية معينة لتكون منتصرة في كل ما يواجه افرادها من مشكلات ووجدت هناك من يحتل الشارع العام بمجلس عزائه ومن يستقبل الحشود لاشعار جيرانه بانه قوي وانه محترم ومنتصر بما يملك من قوة ومن حشود عشائرية كبيرة كما وجدت ان الكثير من الافراد يحاولون الايحاء بانتصارهم او الجهر به حق ولو كان قائما علي الباطل وكان بعيدا عن الصواب.
وفي الميدان السياسي الراهن يوجد الكثير من الذي يقع في اطار جدلية للهزيمة والانتصار اذ يحاول كل طرف النيل من الطرف الاخر ودفعه الي الهزيمة وتسجيل الانتصارات علي حسابه.
ومن اشد انواع الانتصار اذي وخسارة وخرابا ان يخوض الحكام حروبا بدماء وثروات شعبه وان يهدر الكثير من الاموال والدماء من اجل ان يشعر بالانتصار وان يحتفل بالانتصار.
ويحتفل حكام بانتصارات هي في حقيقتها هزائم او انها ذكري عن انتصارات فاشلة وملغاة وان هذا الاحتفال يحصل للتغطية علي هزام راهنة فيكون الاحتفال بهزيمة في وضع مهزوم ونحن بحاجة شديدة لان نقيم حدودا واضحة بين الهزيمة والانتصار وان نؤكد ان الانتصار في سعادة الاخر وفي حصوله علي الامن والحياة الحرة الكريمة وانه في الوحدة والتأخي والحرية والحوار والتسامح والعيش المشترك وان الهزيمة في التفرقة والمشاعر والتصرفات العدائية والاستحواذ غير المشروع وامتهان حقوق وكرامة الاخرين والعبث بمصالحهم واختياراتهم. ولقد عشنا وما زلنا في اوهام الانتصارات الباطلة وغير المشروعة وعانينا الكثير من الهزائم الفردية والجماعية بسبب ذلك وقد ان لنا ان نترك هذه الاوهام ونمارس انتصارنا علي انفسنا واطماعها ونزواتها وعلي ما اقيم بيننا من اسوار وحواجز وما حصل من قتل جسدي ونفسي وتاريخي وليكن اكثرنا مسؤولية اكثرما تقدما في هذا الاتجاه وليكن اكثرنا ثقافة عنوانا لهذا الاتجاه ولنتعاون بحشد وتفعيل كل قيم الخير والابداع والجمال في هذا البلد الزاخر بالخير والجمال والحب.
رزاق ابراهيم حسن
/2/2012 Issue 4125 – Date 18- Azzaman International Newspape
جريدة »الزمان« الدولية – العدد 4125 – التاريخ 18/2/2012
AZP02