هذه هي ماردين – جليل وادي

كلام أبيض

هذه هي ماردين – جليل وادي

لم يخطر في بالي يوما زيارة مدينة ماردين التركية او المدينة البعيدة كما سُميت في المسلسل المدبلج الذي عرضته فضائية (4 MBC) والذي ولد رغبة عارمة لدى الشباب لزيارتها، حتى ان بعضهم ما أن تحط قدماه في ماردين الا ويسأل عن الأماكن التي جرى فيها تصوير المسلسل، ويثير ذلك مسألة كيفية احياء المدن المنسية عبر الترويج لها من خلال الدراما التلفزيونية المحبوكة بحرفية عالية، وقد حقق المسلسل أهدافه السياحية بالقدر نفسه الذي تحققت فيه أهدافه الدرامية، لذلك وجدت سياحا يتجولون في المدينة القديمة ببيوتها القريبة جدا بتصاميمها من المدن العربية. ما دفعني لزيارتها والتجوال في مناطقها الأثرية ليس المسلسل التلفزيوني الذي لم يكن في وقتي متسع لمشاهدته، بل المشاركة في مؤتمر دولي نظمته رابطة الأكاديميين التركمان في محافظة ديالى التي يرأسها زميلي المثابر الذي يعمل بطاقة مؤسسة الاستاذ الدكتور ماهر مبدر العباسي ، غريب جدا أن يتفوق لدينا العمل الفردي بتمويل مالي ضئيل على قدرات مؤسسات جامعية بما يتوافر لها من دعم مالي ولوجستي، هذا المؤتمر الذي لفت أنظار الجميع بحسن تنظيمه وبحوثه النوعية في مجال العلوم الاجتماعية جرى بالتعاون مع جامعة اورتقلو التركية التي عبر مسؤولوها عن حرصهم الشديد على فتح قنوات للتنسيق والتعاون العلمي مع الجامعات العراقية ، وهذا ما أشار اليه مستشار رئيس الجامعة مصطفى قداد في تصريحاته الاعلامية وفي حواراته الشخصية مع مسؤولين عراقيين مشاركين في المؤتمر. كثيرة هي الأمور التي لفتتني في تجوالي بجامعة ماردين ومدينتها القديمة والحديثة منها ان نسبة كبيرة من سكانها يتكلمون العربية، وربما جاء ذلك بسبب قرب المدينة من الحدود السورية والعراقية، وهجرة بعض العرب العراقيين والسوريين اليها أيام الدولة العثمانية كمنتسبين في الجيش او لعملهم في التجارة والتهريب، او هربا من الصراعات الدائرة في المنطقة، ما يقود للتفاعل بين السكان، وقد تكون هناك أسباب أخرى أجهلها، فهذا الموضوع لا يقع من بين اهتماماتي.

في الجولة التي استغرقت ثلاثة أيام، ما لفتني أيضا حقول الذرة الواسعة والشديدة الاخضرار التي تسقى بالرش، وهو محصول استراتيجي لا يقل أهمية عن الحنطة والشعير والرز، ولم أر محصولا غيره، ما يعني ان هناك خططا زراعية تتناسب مع المناطق وموارد المياه المتاحة، فالأمن الغذائي حاضر في ذهن مخطط السياسة الزراعية. لم تكن المعالم الأثرية في مدينة ماردين مثيرة او عميقة تاريخيا كما هي الحال في بلادنا، ومع ذلك رأيت سياحا من مختلف الجنسيات يتجولون فيها، ويتبضعون من أسواقها، ويرتادون مطاعمها ذات النكهة العراقية، على أقل تقدير في المطاعم التي صادف ان تناولنا فيها وجباتنا. ومع ان المدينة تقع في الجنوب التركي، وتبعد عن العاصمة أنقرة مسير (14) ساعة في السيارة، وست ساعات اضافية اذا قصدت اسطنبول ذات الطابع السياحي والتاريخي الفريد، الا انها تشهد نهضة عمرانية واسعة، ما يعني ان الاهتمام لم يتركز على العاصمتين السياحية والسياسية، فالاعمار يجري متوازنا بين المدن التي صادف ان رأيتها في طريقي كأرفة وغازي عنتاب وأظنة وغيرها. وما أثار مشاعري ان بلدية المدينة وكذلك الجامعة خصصت طريقا خاصا في منتصف أرصفتها لذوي الاحتياجات الخاصة من الذين فقدوا بصرهم، ولهذا دلالات انسانية وشعور عال بالمسؤولية. ان الجوالات التي نظمتها الجامعة وخصصت لمرافقتنا فيها مجموعة من أساتذتها وطلبتها على مدار وجودنا من الصباح حتى ساعة متأخرة من الليل كانت ممتعة للغاية، وكانوا سعداء جدا بوجودنا بينهم بالرغم من الارهاق الذي لم يشعرونا به أبدا، ان مشاركة الطلبة بتنظيم المؤتمرات ومرافقة الباحثين والقيام بأعمال الترجمة أمر مهم للغاية لاكسابهم خبرات نوعية، ومثله لم يفعّل في مؤتمراتنا سواء الدولية او المحلية. عموما من يزور تركيا لا بد أن ينتهي به المطاف في اسطنبول ليمتع ناظريه بخليج البسفور بأمواجه المتلاطمة والمرور من تحت جسره، ولهذا حديث آخر.

jwhj1963@yahoo.com

مشاركة