هجرة الاقليات وسوق الجمعة – ماهر نصرت
يضم سوق الجمعة القائم بالقرب من خط النهضة السريع الذي يسعى إليه الناس من كل مكان لشراء مايحتاجونه من المواد المتنوعة المعروضة على الأرصفة يضم الكهربائيات – الساعات – أجهزة الموبايل – المحابس – السبح – الأحجار الكريمة – أدوات إنشائية مختلفة أدوات السيارات مع كم متنوع من الأشياء المنزلية الأخرى ويبدو أن أكثر المواد المعروضة هناك هي من النوع المستعمل التي جلبت من خارج البلاد عن طريق بالآت مغلقة يستوردها التجار من دول صناعية وإنتاجية مختلفة أو تلك التي تُباع داخل البلد من التي استغنى عنها أصحابها فاشتراها الدلالون والسماسرة وأهل الكلاوات بمبالغ بخسة ليبيعوها بأسعار مختلفة تُحددها قيمة المادة وأهميتها الخدمية ، ولقد وقفت قبل شهرين متأملاً بحزن ثمة ركام من مواد منزلية كانت معروضة للبيع فوق إحدى الأرصفة القريبة من ذلك السوق الهرج فيها مقتنيات شخصية جداً ويبدو إنها تعود لأسرة مسيحية هاجرت البلد منذ مدة قريبة والدليل هو احتواء تلك المقتنيات على كتاب الإنجيل وبعض الكتب التي تحكي عن العقيدة المسيحية وصور شخصية أخذت لأطفال مع آبائهم في حديقة المنزل ودفاتر مدرسية تعود لآولادهم الطلبة في المرحلة الابتدائية والمتوسطة رحلوا قبل أشهر وهذا ماعرفناه من خلال التواريخ المثبتة على دفاترهم بالإضافة إلى حاجيات لم يستطيعوا أخذها معهم بعد أن تعذر عليهم حملها في رحيلهم وترحالهم فبقيت في ركام منازلهم ليستولي عليها الباعة المتجولون أو من الذين استحوذوا على أملاك تلك العوائل المهاجرة بطريقة قسرية فيها الكثير من التلاعب والتزوير، إن تلك المشاهد المؤلمة تضيف لمسة من التأمل المشوب بالحزن العميق على مشاعر كل من يجدها ماثلة أمامه وخاصة من الذين يمتلكون ضمير إنساني مرهف يحب الخير للجميع فتلك المخلفات العائلية تحكي قصة تهجيرعوائل مسالمة من بلدهم إلى غير رجعة تمتد جذورها إلى أزمان بعيدة وقد ساهموا بنسبة كبيرة في نشأة وتطور ثقافة هذا البلد عبر الزمن ، أن تلك العوائل المسالمة هددتها وحشية الطائفية المعاصرة التي مرت بها البلاد والعباد فهجرت ماضيها وأشيائها وكل ماشيدته على مدى سنينٍ طوال لترحل صوب المجهول وهي تحمل معها حزنها وجروحها وآلآمها صوب بلادٍ بعيدة تتوسل حصولها على اللجوء الإنساني هناك وهي ذليلة منكسة الرؤوس عسى ان تجد في ارض الغرباء مكان آمن تأوي إليه بعد ان خسرت ماضيها وحاضرها في بلدانها مسقط رأسها ، أن سيناريو تهجير الطوائف الدينية العريقة التي نشأت على تراب هذه الأرض الكريمة منذ آلاف السنين أخذت تعود إلينا من جديد في هذا الزمن المعاصر، فقد تم قبلهم تهجير اليهود في خمسينيات القرن الماضي كما هو معروف عن تلك الطائفة المسالمة التي تضم في فصائلها عقول تجارية راقية ويكفي ان يكون وزير المالية العراقي في زمن الملكية هوالمرحوم ( ساسون حسقيل ) وهو من الطائفة اليهودية كما هو معروف وهذا دليل على الثقل الكبير الذي لعبته تلك الطائفة في طقوس التجارة وفنونها وغيرها من الطوائف الأخرى من أمثال الصابئة ( المندائية ) الذين هاجر أكثرهم إلى هولندا واستراليا فجميعهم ساهموا في تطوير وإنعاش الحركة التجارية في العراق آنذاك ، إن أفراد تلك الطوائف هم ثروة البلد الاجتماعية الحقيقية فكم هو جميل ان تكون بلادنا مطعمة بتلك الأنواع من الأديان والسلالات الطيبة المنغرسة في القدم عندها سيظهر فسيفساء المجتمع أكثر جمالاً وكمالاً وألمع تألقا ، كان الأجدر بالحكومات الماضية أن تحتظن تلك الطوائف وتدفع عنها الأخطار التي يصطنعها الغوغاء المشعوذون أو البعض من أصحاب المناصب المتنفذين للاستحواذ طمعاً على أملاكهم الثمينة داخل العاصمة او في المحافظات الأخرى التي بنوها من أموالهم وتجارتهم المخلصة عبر الزمن لكونهم ضعفاء لايستطيعون الدفاع على أنفسهم وسط دولة ضعفت فيها أسباب حفظ القانون وخاصة في السنوات الأخيرة أي بعد مرحلة سقوط بغداد ، من المؤسف حقاً ان نخسر تلك الأقليات المسالمة وخاصة المسيح منهم ( لقالق العراق ) كما يسميهم البعض من مؤيديهم ومحبيهم فأن رحيلهم عنا هو حزن وحسرة سوف تمسك بمشاعرنا لسنين طويلة قادمة مع الأسف الشديد .