مَنْ ينظر إلى العراق طوال السنوات الأخيرة يجده كيانات تغلي في مرجل الانقسام والهروب إلى أمام حيث العيون لا ترى أبعد من خطوات أصحابها المتلعثمة. متى يفكر هؤلاء المتصارعون سواء كانوا في سدة الحكم أم حولها أو بعيدين عنها في مستقبل العراق الذي افترض إنه مستقبلهم؟ وإلى متى يظلون في حياة مؤقتة، يعيشون لحظة اليوم ولا يعرفون ماذا سيحصل غداً؟ جيل يتآكل ولا مستقبل لجيل بعده. أية ضبابية قاتلة تلف أفق المستقبل، من دون أن يلتفت أحد المتصارعين إلى ما يجري، وإلى ما يجب أن يكون عليه هذا البلد الغني حالياً وربّما الأفقر والأضعف بعد أربعة أو خمسة عقود؟ أموال النفط تأتي وتذهب كما كانت سابقاً، حين كان يلتقطها فم الحروب والآن تصب في جيوب الفساد. ماذ سيبقى للعراق الذي فقد القاعدة الصناعية الأساسية له بعد تدمير المصانع الكبرى وعدم تطوير القديم منها وتفكيك القسم الآخر وبيعه خردة خارج الحدود في فترة الفلتان الأمني عقب أيام من سقوط النظام السابق؟ هل يمتلك العراق حالياً زراعة تكفيه ذاتياً أو يستطيع التصدير منها لكي يحمي ظهره إذا انكشفت أمام تبدد ثروات النفط أو نفادها؟ العراق لا يمتلك استثمارات خارجية وصناديق سيادية يستطيع عبرها الصمود في فترات الأزمات الاقتصادية الكبرى، أو استعداداً لعبور فجوة نقص النفط أو حتى نضوبه بعد نصف قرن حسب تقديرات بعض العلماء أو مائة سنة حسب آخرين. وحال التربية والتعليم والصحة والنقل والمواصلات لا يخفى على أحد تخلفه عن ميادين مماثلة في دول فقيرة ومجاورة للعراق. فكيف يتم تجسير الهوة مع الدول المتقدمة؟ هل يفكر أحد بالخيار الآخر بعد النفط؟ وتلتفت حولك فترى منطقاً محزناً يتباهى بأن التقاليد العشائرية هي التي تحفظ شؤون الناس في ظل غياب الدولة كمؤسسات مستقرة ونافذة، أو ترى منطقاً متخلفاً حول اللجوء إلى المرجعيات الدينية لأنها هي الضمانة لحصانة الدولة. وسوى ذلك من الاعتقادات التي تطمس معالم الدولة المدنية ويساعد في ذلك الطمس جوقة السياسيين الجهلة ومعظمهم عملاء صغار لاستخبارات دولية يهمها بقاء العراق الخاصرة الرخوة والقرية الأكثر حاجة للجميع. FASL