نهاية للوصاية أم الرقابة أم إسترداد السيادة – حسن الياسري

إنتهاء عمل بعثة الأمم المتحدة

 نهاية للوصاية أم الرقابة أم إسترداد السيادة – حسن الياسري

نظرةٌ قانونيةٌ دوليةٌ

  منذ الإعلان عن انتهاء عمل بعثة الأمم المتحدة (يونامي) في العراق قبل بضعة أيام، ووسائل الإعلام في العراق،مسموعةً ومرئيةً ومقروءةً،ومحللون وخبراء، يعلنون أنَّ انتهاء عمل البعثة هذا يعني انتهاء الوصاية على العراق،أو انتهاء الرقابة الدولية عليه، وأنَّ العراق قد استرد سيادته الآن.وبالنظر لأنَّ هذا الكلام بمجموعه يمثِّل خطئاً واضحاً وشططاً فاضحاً فسأشرع في بيان الحقيقة من وجهة نظر القانون الدولي.

سأتطرق لفقرتين مهمتين :

الأولى : هل كان وجود بعثة الأمم المتحدة في العراق يعدُّ بمثابة الوصاية أو الرقابة عليه ؟ وهل يخلُّ هذا الوجود بالسيادة ؟ الثانية : التمييز بين الوصاية الدولية والرقابة وطبيعة عمل بعثة الأمم المتحدة.الفقرة الأولى : هل كان وجود بعثة الأمم المتحدة في العراق يعدُّ بمثابة الوصاية أو الرقابة عليه ؟ وهل يخلُّ هذا الوجود بالسيادة ؟

   من المعلوم أنَّ وجود بعثة الأمم المتحدة (UNAMI) في العراق كان استجابةً مباشرةً لطلب الحكومة العراقية الانتقالية عام 2003 ولقرارات مجلس الأمن الدولي، ولا يمكن وصفه البتة بأنه «وصايةٌ دوليةٌ « أو «رقابةٌ « بالمعنى القانوني الدولي والسياسي الدقيق، ومن ثمَّ لا استرداد للسيادة لأنها لم تُفقد أو تُسلب بسبب وجود البعثة كي تُسترد بعد انتهاء وجودها ؛ وللتدليل على هذا الرأي نعرض الأدلة الآتية :

  1. الأساس القانوني :

   لقد تأسَّست بعثة الأمم المتحدة بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم (1500) في 14 آب 2003، الذي نصَّ صراحةً على إنشاء بعثةٍ أمميةٍ لمساعدة العراق (United Nations Assistance Mission for Iraq – UNAMI).  ويُلاحظ من عنوان القرار ومضمونه أنَّ المشرّع الدولي استعمل مصطلح «المساعدة  « (Assistance)لا «الوصاية» ولا «لإدارة» ولا «الإشراف» ولا «الرقابة». وهو توصيفٌ قانونيٌّ مقصودٌ له دلالته الصريحة في القانون الدولي.  لقد رحب القرار الأممي بإنشاء مجلس الحكم العراقي (الذي كان خطوةً مهمةً نحو تأليف حكومةٍ وطنيةٍ) في أعقاب تغيير النظام الدكتاتوري في سنة 2003، مما يشير إلى الاعتراف بالسلطات العراقية الناشئة آنذاك. وقد أُسِّست البعثة بناءً على طلبٍ رسمي من الحكومة العراقية. ويُستشف مما  سلف أنَّ الأساس القانوني لعمل البعثة يكمن في القرار الأممي وفي طلب الحكومة العراقية. أما الوصاية الدولية والرقابة فهي نظامٌ مختلفٌ تماماً ينطبق على الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي أو فاقدة السيادة بموجب الفصل (12) من ميثاق الأمم المتحدة،في حين إنَّ أغلب عمل البعثة الأممية كان بمقتضى الفصل (6) من الميثاق–كما سيتضح لاحقاً-.

  1. طبيعة عمل البعثة ومهماتها :

تقديم مشورة

  لقد تمثَّلت ولاية البعثة، التي تم توسيع نطاقها لاحقاً بالقرار(1770) لسنة 2007، في تقديم المشورة والدعم والمساعدة للعراق ، حكومةً وشعباً، في مجالاتٍ حيويةٍ، أهمها :

– تعزيز الحوار الوطني الشامل والمصالحة الوطنية والمجتمعية.

–  دعم الانتخابات والحكم الرشيد وتقديم الخبرة الفنية.

– تقديم المشورة الدستورية والقانونية، ولا سيما في كتابة دستور ما بعد حقبة الدكتاتورية.

– تعزيز حقوق الإنسان والإصلاح القضائي والقانوني.

– تنسيق المساعدة الإنسانية والتنموية.

وكل هذه المجالات تمت بموافقة الحكومة العراقية وبشراكةٍ معها.

إنَّ ولاية يونامي كانت تتمثل بثلاثة أبعادٍ رئيسةٍ:

مساعدة  (Assistance)

تقديم المشورة  (Advisory)

الدعم الفني  (Technical Support)

  ولم تتضمن هذه الولاية بأية صورةٍ من الصور : وصايةً أو إدارةً أو إشرافاً أو رقابةً. ولم تُمنح البعثة أية صلاحياتٍ تنفيذيةٍ أو تشريعيةٍ أو قضائيةٍ داخل الدولة العراقية.

3.تأكيد السيادة :

يؤكد قرار مجلس الأمن الدولي رقم (1500) لسنة 2003 بشكلٍ واضحٍ على سيادة العراق وسلامة أراضيه.ولعلَّ من نافلة القول إنَّ البعثة قد جاءت بعد مرحلة سلطة الائتلاف المؤقتة (2003-2004)، حيث سُلِّمت السيادة للعراقيين بشكلٍ كامل في سنة 2004.ولعلَّ البعض يعتقد أنَّ وجود البعثة في العراق بحد ذاته يخلَّ بسيادته،وهذا ما لا يصح إطلاقاً ؛ لأنَّ من المبادئ المستقرة في القانون الدولي أنَّ طلب الدولة مساعدة الأمم المتحدة لا يُعد انتقاصاً من سيادتها، بل مظهراً من مظاهر ممارستها لهذه السيادة.

 تتمة المقال على موقع (الزمان) الالكتروني

وفي هذا السياق يعلم الجميع أن العراق قد طلب وجود بعثة الأمم المتحدة وحضورها لمساعدته أولاً ، ومن ثم طلب إنهاء عملها ثانياً.وهو ما يؤكد بشكلٍ لا لبس فيه أن السيادة العراقية كانت قائمةٍ وكاملةً ، لا منقوصةً ولا معلّقةً.

  1. التطبيق العملي :

 لقد عملت البعثة كميسِّرٍ ومساعدٍ ومشاورٍ بناءً على طلب العراق، وليس كسلطةٍ تنفيذية.فقد ظلت القرارات السيادية بيد المؤسسات العراقية الدستورية.

5- الإنهاء بناءً على طلب العراق :

 لقد جاء قرار إنهاء عمل بعثة يونامي في نهاية عام 2025 بطلبٍ من الحكومة العراقية الحالية، التي رأت أنَّ العراق قد أحرز تقدماً كبيراً نحو الاستقرار وأنَّ المبررات لوجود البعثة السياسية لم تعد قائمةً.إنَّ هذا الطلب من الحكومة والاستجابة له من الأمم المتحدة لَيؤكد صراحةً أنَّ وجود هذه البعثة إنما كان بموافقة العراق وطلبه، ولو كان هذا الوجود وصايةً أو رقابةً لما انتهى بمجرد طلب العراق.

وتأسيساً على ما تقدَّم يمكن أن نستنتج أنَّ مهمة يونامي كانت في جوهرها بعثةً خاصةً للمساعدة الإنمائية والاستشارية لدولةٍ تمر بمرحلةٍ انتقاليةٍ صعبة بعد مرحلة الدكتاتورية، ولم تكن وصايةً دوليةً ولا رقابةً، وقد انتهى عملها بقرارٍ سياديٍ عراقي. ومن الثابت في القانون الدولي أنَّ الوصاية أو الإدارة الدولية تفترض وجود العناصر الآتية :

1- تقييد أو تعليق السيادة الوطنية.

2- نقل صلاحيات الحكم إلى جهةٍ دوليةٍ.

3- امتلاك سلطةٍ إلزاميةٍ داخل الدولة المعنية.

وهذا ما حدث في  بعض الأمثلة الدولية، مثل تيمور الشرقية وكوسوفو.في حين إنَّ العناصر المذكورة لم تتحق إطلاقاً في حالة العراق بعد عام 2004.فبعثة يونامي في العراق لم تصدر قراراتٍ ملزمةً ولم تقم بإدارة مؤسسات الدولة ولم تحل محل السلطات الوطنية ولم تفرض سياساتٍ تنفيذيةً معينةً أو تسن تشريعاتٍ معينةً.يتبع إن شاء الله