نظرة على تشرين .. الإنتخابات وتآكل الثورة- امجد طليع
قوى تشرين والحركات المنبثقة من خيام الساحات فتحت منذ اشهر حورات بشان المشاركة في الانتخابات لقطف ثمار الثورة واحداث التغيير المنشود من خلال دخول البرلمان وازاحة قوى الفشل والاتيان بحكومة تنقذ ما تبقى من الدولة، انقسم التشرينيون في موقفهم من الانتخابات الى فريقين الاول رافض المشاركة في ظل وجود السلاح المنفلت ومفوضية انتخابات تتحاصصها القوى الحاكمة وقانون احزاب لم يفعل فضلا عن وجود المال السياسي، اصحاب هذا التوجه وحسب اخر المعلومات اتجهوا الى تشكيل مجالس ثورية بالمحافظات هدفها ديمومة تشرين الثورة وتشكيل قاعدة جماهيرية لدعم من يصل من مرشحي تشرين الى البرلمان.
اما الفريق الاخر فدخل في مرحلة الاستعدادات لخوض الانتخابات وباشر باجراءات التسجيل لدى دائرة الاحزاب في مفوضية الانتخابات على امل ان تكون تشرين والساحات وتضحياتها هي الجامع لهذه القوى رغم اختلاف توجهاتها الفكرية وانتماءاتها المناطقية وخططها في معالجة الازمات التي تعاني منها البلاد ووقع على هؤلاء مسؤولية تمثيل تشرين شكلا ومضمونا .
لكن وعلى ما يبدو ان تشرين الثورة قد تكون مختلفة عن تشرين الانتخابات اذا يقدر عدد القوى المنبثقة من تشرين باكثر من سبعين تشكيل بين حزب او حركة او تيار سياسي وعدد قليل جدا منها كان ينشط قبل تشرين 2019 ابرز هذه القوى تلك التي افرزتها ساحات ذي قار اولا ثم بغداد ثانيا تليها النجف ثالثا فيما انخرطت العديد من حراكات السماوة والديوانية وكربلاء وواسط تحت مظلة العناوين البارزة في ذي قار وبغداد والنجف الاشرف مثل تشكيل امتداد الذي اعلن من الديوانية في الوقت الذي هو حزب ذي قاري قيادة وتنظيما ومقره الرئيس في كربلاء في حين سجلت محافظة ميسان غيابا واضحا في المشهد الانتخابي التشريني كذلك البصرة لكن بنسبة اقل رغم انهما من المحافظات التي قدمت ضحايا ايام الاحتجاجات ، سعت معظم تلك الحركات والاحزاب التشرينية لخوض الانتخابات مجتمعة تحت مظلة ائتلاف واحد وعقدت اجتماعات لترتيب الاوراق هذا التحالف في بغداد والنجف ورغم ان الاجواء كانت مفعمة بالتفائل والترحيب الذي لاقته هذه الخطوة من قبل قواعد تشرين والاجتماعات الافتراضية التي سبقتها وشارك فيها تشرينيون من مختلف بلدان العالم ولم تقتصر على تشرينيي الداخل ووضعوا الخطوط العريضة لهذا المشروع الانتخابي وكيفية يكون انعكاسا لروح ثورة تشرين لكن على طاولة الحوار الواقعية لم تكن الامور مثلما هو متوقع فعقبات مثل التمويل والقيادة ونوعية قوائم المرشحين وتوزيعهم الجغرافي كانت ممكن ان تكون طبيعية في مثل هذه الحوارات اما ان يكون حوار مغلف بالحذر فهذا الذي لم يكن متوقعا كون الحذر اذا تضخم يؤدي الى فقدان الثقة وفقدان الثقة يقود الى وئد المشروع قبل ولادته، وبالاضافة الى حذر التشرينين من بعضهم كان يتملكهم هاجس الاحزاب الحاكمة لدرجة ان هذه الاحزاب كانت تتحكم بخطابهم من حيث لا يشعرون فاسهل ما اتفق عليه المجتمعون هو عدم تضمين اسم التحالف اي اشارة الى تشرين بداعي عدم المتاجرة بدماء الشهداء فيما احيله انا الى الخوف من حملة التسقيط التي قد يتعرضون لها على يد الجيوش الالكترونية للاحزاب الحاكمة كما ان التشرينيين جنحت طروحاتهم وادبياتهم كثيرا نحو الخطاب الديني واصبحوا صدى للاحزاب الاسلامية التي تعاني من ازمة في الشارع في رسالة منهم لطمئنة الجمهور المتدين بعد حملات التخوين التي تعرضوا لها واتهامهم بالكفر او الالحاد في حين ان غالبية هذا الجمهور يحمل فشل الاحزاب الدينية مسؤولية التحول السلبي في المجتمع .
قيادة حراك
ووفقا لما رشح عن تلك الاجتماعات التي بذلت قيادة حراك “شباب من اجل التغيير” اشواطا من المفاوضات الفردية لالتئامها فان معظم المجتمعين لم يسجلوا لدى مفوضية الانتخابات التي كانت قد حددت التوقيتات المطلوبة لتسجيل الاحزاب الراغبة بخوض الانتخابات، الوحيدون الذين اتموا اجراءات مفوضية الانتخابات حينها كانوا اعضاء حزب 25 اكتوبر والذين قد يضطرون لخوض الانتخابات منفردين اما البيت الوطني الذي ربما يكون اكثر الاحزاب تشرين شعبية فانه يواجه صعوبات مالية تعيق خوضه الانتخابات على العكس من 25 اكتوبر الذي اتم استعدادته الفنية واللوجستية ويدير الامور باريحية كبيرة اما حراك شباب من اجل التغيير فانه الاكثر تنظيما ورشاقة اذاما قارناه بباقي تشكيلات تشرين والذي تعمل قيادته الشابة باتجاه اجتماعي اقتصادي واخر سياسي فهو اكثر الاطراف اصرارا على وجود تحالف تشريني في الانتخابات ، ويمكن توظيف خبرت حراك شباب من اجل للتغيير التنظيمية في ادارة الانتخابات وحملاتها الدعائية ما يجعل قوة شبابية محركة يمكن ان تحدث فرقا في التاثير على الراي العام .
فاذا اجتمع هذا الثلاثي في نواة لتحالف تشريني يضم الاول بامكانيته المالية التي يملكها والشعبية التي يتمتع بها الثاني والادارة التي يميز بها الثالث لشكلوا تحالفا ليكون نواة قوة سياسية قادرة عاى جذب قوى تشرين الاخرى باختلاف توجهاتها ومتبنايتها لتكون ممثلا فعليا لتشرين الثورة .
ربمايكون حزب امتداد وحركة نازل اخذ حقي الذين اكملا اجراءات تسجيلهما لاحقا لا تقل اهمية عن الاحزاب الثلاثة التي ذكرتها لكن وقعهما الاعلامي اقل مما هو عليه في البيت الوطني او 25 اكتوبر حيث قدما قياداتهما بشكل ناجح للاعلام وينشط انصارهما بشكل مميز على مواقع التواصل الاجتماعي ما يجعلهم مجتمعين مؤهلين لخطف انظار الناخبين بما فيهم الناخبون المتارجحون.
لكن لا كل ما يتمنى المرء يدركه اذ لم تكن حورات التشرينبن منتجة وظلت الخلاف قائمة بين اطراف الحوار ورغم ان الكثير من هذه الخلافات شكلية الا انها بقيت تبحث عن حل حتى تبخر حلم وجود ائتلاف تشريني شامل كان ممكن ان يغير موازين القوى في الانتخابات المقبلة فانتهى المطاف بان تخوض ابرز احزاب تشرين الانتخابات منفردة بعد ان قطعوا الامل بان تجمعهم خيمة واحدة وبقي حراك “شباب من اجل التغيير” متمسكا بهدفه فاعلن عن تشكيل ائتلاف الولاء للعراق .
تشتت تشرين الانتخابات وكما قلت يجعله مختلفا عن تشرين الثورة شكلا ومضمونا فتشرين الثورة كان مضمونها تلك الصور التي تصدرت الصحف والتواصل الاجتماعي حيث تتقدمها مسعفة ترتدي المريول او الصدرية البيضاء وقد غطاها دخان القنابل المسيلة للدموع ليغير لونها وليرسم عليها خارطة بطولة تلك الشابات اليافعات (المسعفات) الواتي اوقدن جذوة الثورة الى جانبها صورة التكتك الذي شبهه التشرينيون بالثور المجنح اذ لم يكن التكتك كوسيلة نقل غير مرحب بها بالشارع كاحد رمزيات الثورة وانما كانت الرمزية لسائقها ذلك الشاب الذي على الارجح لم يبلغ السن القانونية بعد وليس له حق التصويت لكن له الحق ان يبحث عن مستقبلا امن بلا فساد ينهش الاحلام ، والى جانب المسعفة والتكتك وسائقه تتجمع صور رموز اخرى لتشرين مثل العجوز التي تركت منزلها وجلست في الساحة تقدم الطعام للمتظاهرين وطبيب ترك عيادته ونقل خدماته الى ساحة التظاهر وكذلك فعل الموظف والاعلامي وشيخ العشيرة وذوي المهن الحرة والنقابيين وغيرهم .
والابرز كانت صورة المد الطلابي الذي انقذ الثورة من الانهيار بعد انسحاب القوى المؤيدة للثورة عندما تحولوا في لحظة الى خصوم لها.
اما مضمون تشرين فهو اكثر من 700 شهيد وقرابة 25 الف جريح كانوا ترجمة حقيقية لتحدي الخوف من الموت و نظام بات يتعكز على سلاح منفلت واجهزة امنية انهكتها المحاصصة . كان مضمون تشرين صفاء السراي وامجد التهامات وهنا ماذي ومصطفى الساعدي واحمد عبد الصمد وهشام الهاشمي وثائر ابو الطيب وزمان الزرفي والدكتورة ضحى ابراهيم وقائمة تطول من اسماء الشهداء واخرون احياء مازالوا يتحدون التغييب والترهيب والاغتيال.
وبالمقارنة بين ما كان تشهده الساحات التظاهر وما شهدته طاولات الحور فانه فعلا تشرين الانتخابات تختلف كثيرا حتى الان عن شكل ومضمون تشـــــــرين الثورة من وجهة نظري ومن خلال ما اراه او اقرأه في بياناتهم المكتوبة او المصورة التي تنشر على مواقع التواصل الاجتماعي او من خلال طبيعة التعامل فيما بينهم، فشكلا هي تعكس واقع تقليدي نمطي خالي من الابهار الذي كان يجذب الانصار للثورة لدرجة ان هذا الشكل التقليدي ليس فيه مكان لصورة المسعفة او سائق التكتك او الطالب الجامعي الذي انقذ الثورة او تراص خيامها ، وتشتت قوى تشرين بسبب خلافاتها سينسيها هدفها النابع من ساحة التظاهر في ازاحة الفاسدين عن السلطة ويجعلها تتنافس فيما بينها لكسب جمهور تشرين واضعاف كتلته البشرية الانتخابية وتحويله الى مجاميع متنازعة وبوادر هذا الامر كانت واضحة بعد ان شهدنا تراشقات بين تشرينين بتغريدات نشرت على حساباتهم الشخصية على تويتر او فيس بوك كما ذهبت بعض التنسيقيات الى الالتحاق بكتل الاحزاب الحاكمة والتحالف معها انتخابيا لاسباب نفعية والطموح في دخول البرلمان وان كان على حساب المشروع التشريني .
خطاب تشرين
اما مضمونا فان ما يصدر من خطاب تشرين الانتخابات لا تشعر ان من كان في كتيبة مكافحة الدخانيات قد كتب فيه كلمة او له فيه راي او ان من صاغ كلماته كان جالس بجانب مهند القيسي او علي جاسب كما انه خطاب خالي من نكران الذات في سبيل القضية ولم تشـــــــهد الاجتماعات التي كانت تمهـــــــد لتشكيل التحالف الانتخابي اي تنازلات بمستوى يمهد لاعلان ائتلاف متماسك ممكن ان ينافس انتخابيا قوى تملك المال والسلاح والسلطة والتمرس في خوض الانتخابات ويتغلب عليها بصلابته وتمــــــاسكه التي يتمتع بها ثائر من اجل حقوق شعب.
يبدو ان تشرين الانتخابات ستعيد اخطاء الثوار عبر التاريخ ما لم يتداركوا انفسهم فيما تبقى من وقت ويعيدون ترتيب اوراقهم في جلسة باحدى ساحات التظاهر علها تذكرهم بان ما يجمعهم تـــــــــنازلات نكران الذات وليس التنازلات من اجل التنازلات وصولا الى كيان انتخابي قادر على تحقيق مشروع تشـــــــــرين يدعون من خلاله الكفاءات العراقية والشخصيات الوطنية ليكونوا مرشحين فيه ياخذون على عاتقهم تنظيف ما خلــــــــفته فوضى السنوات الماضية واعادة البلاد الى سكة الحضارة كما كان يطالب الكثير منهم او ان التشرينين يختارون الوقوع بذلك الفخ التاريخي الذي وقع فيه معظم الثوار الذين تئاكلت ثوراتهم عند بابا السلطة فيكونوا هم اقل من اولئك بدرجات عندما كان التفكير بخوض الانتخابات يكفيهم لتأكل الثورة.