نظرة الرضي‮ ‬للزمن بعيون سياسية – نصوص- ياسر جاسم قاسم

 عناد غزوان وعزيز السيد جاسم .. قراءات مختلفة لشاعر جدلي  -2-

نظرة الرضي للزمن بعيون سياسية – نصوص- ياسر جاسم قاسم

اما الاغتراب فقد تناوله المرحوم عزيز السيد جاسم تناولا كبيرا وهنا يذكر عزيز السيد جاسم انه يمكن اجمال عوامل الاغتراب بشكل عام في عاملين متميزين هما:/

1-      الاغتراب الناجم عن طبيعة الشعر ،لان كل شعر هو تدفقات صورية ،لا محدودة وتحليقات شعورية ولا شعورية تاتي في لحظة غياب الشاعر عن واقعه الحسي.

2-      عامل الاغتراب الثاني يوحد جميع الظروف المادية والاسباب الشخصية والعامة المؤدية الى الغربة والمعاناة الدائمة وبلاشك ،ان هذه الضروف والاسباب تلعب دورا كبيرا في تغذية مضامين الشعر ،وتحديد اتجاه الشعر ،او تغييره ،وتتداخل العوامل تداخلا معقدا .

ومنطلق الاغتراب كما يفلسفه عزيز السيد جاسم ينطوي على حقيقتين :المجد والفجيعة ،مجد الشريف الرضي ،واسرته الذي ينطلق من الحسب والنسب من الامام علي بن ابي طالب واهل بيت النبي .

وكذلك فان مقاتل الطالبيين والفجيعة الحسينية الكبرى –على حد تعبير عزيز السيد جاسم- فلقد جاء الاغتراب من الفجيعة الاليمة ،والمأساة التي لا مثيل لها، من تلك البداية الجليلة ،في يوم عاشوراء فيما استشهد الحسين ومعه اولاده وهنا يعلق عزيز السيد جاسم انه جرى مقتل اهل بيت الرسول بايدي اناس كانوا يدعون الاسلام وهذا ما اعطى للماساة بعدا فجائعيا لم يتكرر في التاريخ  ،وقد وصف الشريف الرضي هذه الفاجعة بقصيدة (رثائية عاشوراء)التي كتبها عام 387هــ وفي مطلعها يقول:/

راحل انت والليالي تزول                   ومضر بك البقاء الطويل

كما ويذكر عزيز السيد جاسم العناصر الاساسية المكونة للاغتراب الروحي في التجربة الحياتية والشعرية للشريف الرضي وهي اولا:/ الاصل الماساوي للسلالة الهاشمية .

ثانيا :/ الزهد والمعرفة الدينية وهما من سمات السلالة ومن ارثهما المنقول من الاباء الى الابناء.

ومن خلال هذا العامل يبين عزيز السيد جاسم خصائص عصر الشريف الرضي التي بيناها سابقا.

اما ثالث العناصر المكونة للاغتراب الروحي للشريف الرضي فهي تفوقه العقلي وتمتعه بمؤهلات ومزايا شخصية كبيرة تتناسب مع دوره الطليعي ورسالته الدينية والاجتماعية، وقد تجلت الجدارات العقلية والادبية ،ورهافة الشعور وشجاعة الطبع في الشريف الرضي منذ طفولته فكانت غربة الذكاء النادر من سماته الاولى ،فقد قال من احسن الشعر وهو في العاشرة من عمره ،وكانت غربة الاحساس الصقيل الانفعالي المرهف قد بكرت معه منذ طفولته ،فلا عجب ان زار الشيب شعر راسه في العشرين فبالنتيجة وصفه للشيب هو ارتباط بالاغتراب الذي يعيشه حيث ينقل عنه عزيز السيد جاسم هذه القصيدة بذم الزمان والشباب كيف يولي مسرعا:

ولى الشباب وهذا الشيب يطرده

  يفدي الطريدة ذاك الطارد العجل وما غازل الشيب في راسي بمرتحل

 عني واعلم اني عنه مرتحل

من لم يعظه بياض الشيب ادركه

       في غرة حتفه المقدور والاجل

وبذكر المشيب فقد تكلم عنه عزيز السيد جاسم كثيرا حيث يعزي السيد جاسم كثرة الشيب على الشريف الرضي بسبب تكاثر المصائب عليه والتي منها سجن والده وفجائه ال البيت التي اثرت عليه فيما كان عمره 23 سنة راى في شعر راسه طاقات بيض فقال :/

عجلت يا شيب على مفرقي               واي عذر لك ان تعجلا

إلى أن يقول:

قل لعذولي اليوم نم صامتا                  فقد كفاني الشيب أن اعذلا

كذلك قال الشريف الرضي كما ذكر عزيز السيد جاسم /

ما لقائي من عدوي

                  كلقائي من مشيب

موقد نارا أضاءت

                    فوق فودي عيوبي

وبياض هو عند أل

                 بيض من شر ذنوبي

كذلك قال في المشيب وهو قرين الاغتراب في شعر الشريف الرضي:/

قال لي عند ملتقى الركب عمرو          قوم العود بعدنا فانصاتا

أين ذاك الصبا وأين التصابي             سبقا الطالب المجد وفاتا

من قضى عقبة الثلاثين يغدو             راجعا يطلب الصبا هيهاتا

لم تزل والمشيب غير قريب                    ناعيا للشباب حتى ماتا

كنت تبكي الأحياء فاستكثر اليو

          م من الدمع واندب الامواتا

كذلك قال :

قل لليالي قد ملكت فاسجحي

 ولغيرك الخلق الكريم الاسجح

بعت الشباب به على مقة له               بيع العليم بأنه لا يربح

لا تنكرن من الزمان غريبة                  إن الخطوب قليبها لا ينزح

وحينما تجاوز الثلاثين من العمر اخذ الشاعر يرثي شبابه مشيرا إلى حيف الزمان:/

وما زال الزمان يحيف حتى               نزعت له على مضض لباسي

نضا عني السواد بلا مرادي               وأعطاني البياض بلا التماسي

أليس إلى الثلاثين انتسابي                 ولم ابلغ إلى القلل الرواسي

فمن دل المشيب على عذارى                ا جر الذبول على غراسي

سابكي للشباب بشاردات                    كصادرة السهام عن القياس

فمن يك ناسيا عهدا فاني                   لعهدك يا شبابي غير ناس

ويقول أيضا/

أرابك من مشيبي ما أرابا                  وما هذا البياض علي عابا

لئن أبغضت مني شيب راسي               فاني مبغض منك الشبابا

يذم البيض من جزع مشيبي               ودل البيض أو ما أشابا

ويقول أيضا :/

دوام الهوى في دوام الشباب             وما الحب إلا زمان التصابي

أحين فشا الشيب في شعره                وكتّم أوضاحا بالخضاب

تروعين أوقاته بالصدود                    وترمين أيامه بالسباب

تخطى المشيب إلى رأسه                  وقد كان أعلى قباب الشباب

ويبكي على الشباب –كما ينقل عزيز السيد جاسم- :/

لا يبعدن الله برد شبيبة                     ألقيته بمنى ورحت سليبا

شعر صحبت به الشباب غرانقا          والعيش مخضر الجناب رطيبا

بعد الثلاثين انقراض شبيبة              عجبا أميم لقد رأيت عجيبا

إما بكيت على الشباب فانه                 قد كان عهدي بالشباب قريبا

لو كان يرجع ميت بتفجع                  وجوى شققت على الشباب جيوبا  ويقول أيضا في المشيب:/

من شافعي وذنوبي عندها الكبر

  إن المشيب لذنب ليس يغتفر

اما المرحوم د.عناد غزوان فقد ذكر الشيب كذلك في شعر الشريف الرضي كعنصر اساسي وجد في شعره   يذكر د.عناد غزوان قصيدة فخر تبدأ بمقدمة عن الشيب:/

من شافعي وذنوبي عندها الكبر

  ان المشيب لذنب ليس يغتفر

وهي نفس القصيدة التي وردت لدى عزيز السيد جاسم كما بينا في أعلاه.

كذلك يذكر د.عناد غزوان قصيدة حول وصف الشيب وتعلقه بالزمن حيث راى في شعر راسه طاقات بيض وكذلك في اوائل سنة 383هـ وسنه يومئذ 23 سنة وهي نفس القصيدة التي ذكرها عزيز السيد جاسم وتطرقنا لها في اعلاه والتي يقول في مطلعها:/

عجلت يا شيب على مفرقي               وأي عذر لك ان تعجلا

حيث ركز عناد غزوان على ارتباط هذه القصيدة بعامل الزمن وكذلك يربط عزيز السيد جاسم عامل الشيب لدى الشريف الرضي بالزمن وكما سنرى .

كذلك يذكر الراحل عناد غزوان:/ مدحة تبدأ بذكر المشيب مباشرة وقد ترد فيها اشارات الى الغزل والحماسة وشكوى من الزمان والعتاب ومنها قوله في مدح الوزير ابي منصور بن صالح :/

أشوقا وما زالت لهن قباب              وذكر تصاب والمشيب نقاب

وغير التصابي الكبير تعلة            وغير الغواني للبياض ضحاب

وما كل ايام المشيب مريرة                ولا كل أيام الشباب عذاب

ومدحته في أبيه:/سنة 380هـ

أرابك من مشيبي ما أرابا

 وما هذا البياض علي عابا

وقد وردت كذلك عند عزيز السيد جاسم كما بينا في أعلاه.

ومدحته في أبي سعيد بن خلف:/

ألان جوانبي غمز الخطوب                 واعجلني الزمان إلى المشيب

وقالوا الشيب زار فقلت أهلا               بنور ذوائب الغضب الرطيب

ومدحته في احدهم سنة 394هـ:

الهاك عنا ربة البرقع                      مر الثلاثين الى الاربع

 انت اعنت الشيب في مفرقي            مع الليالي فصلي او دعي

ومدحته في الطائع لله: سنة 377هـــ:

مسيري الى ليل الشباب ضلال          وشيبي ضياء في الورى وجمال

سواد ولكن البياض سيادة                         وليل ولكن النهار جلال

وما المرء قبل الشيب الا مهند                   صدي وشيب العارضين صقال  وفي مدح الطائع لله أيضا سنة 377هــ:

أراعي بلوغ الشيب دائيا                وأفنى الليالي والليالي فنائيا

وفي مدح الطائع لله أيضا سنة 378هـ:

 لون الشبيبة أنصل الألوان                 والشيب جل عمائم الفتيان

ومثلها في مدحته لابيه:سنة 379هــ:

ما ابيض من لون العوارض أفضل

  وهوى الفتى ذاك البياض الأول

كنا قد تكلمنا في اعلاه عن ان عزيز السيد جاسم يربط عامل الشيب لدى الشريف الرضي بالزمن ووعدنا بتناوله حيث ارتباط الشيب بالزمن يشير اليه عزيز السيد جاسم ان الشاعر بتعامله مع الزمن كان يراقب سرعة انقضاء الاوقات الهنيئة،لقد تخللت دماغه ونفسه ،فكرة الضياع والتبدد حيث كانت الحقوق تضيع ،والفرص تهدر والجمالات تتباعد فلا يتبقى الا الحرمان وكبر النفس وتمر السنوات مسرعة كأن الشباب ومضة وليس مرحلة كبيرة من العمر .

وما بين العشرين والثلاثين من العمر يتملى نفسه فاذا بغربان الليالي التي تنعق نعيقا لا يتوقف تطير غراب راسه فتحل محطة الثلاثين من العمر والشاعر قد تلفع راسه بالشيب فكال وصفا وعتابا وذما وتحسرا واسى، ويبلغ الاغتراب الزمني بالشاعر مبلغا مساويا فراى الثلاثين عمر اللاعودة ،حيث يضيع الصبا مثلما ضاعت الآمال النخلات التي حنظلت حين عبر عن ذلك قائلا:/

غرست غروسا كنت ارجو لحاقها

        وامل يوما ان تطيب جناتها

فان اثمرت لي غير ما كنت املا

 فلا ذنب لي ان حنظلت نخلاتها

وبالرجوع الى قصيدة :

عجلت يا شيب على مفرقي

  وأي عذر لك أن تعجلا.

والتي اترك كلا الناقدين بإيرادها والتعليق عليها حيث لم يكد أن يعلق عليها عزيز السيد جاسم سوى بأمور عامة حول المشيب وارتباطه بالزمن وما تناولناه في ما مر ذكره اما عناد غزوان فقد علق على هذه القصيدة بالذات بما نصه:/

تقع هذه القصيدة في تسعة عشر بيتا غير مصرعة المطلع ،يجسد فيها الشاعر معنى الشباب ،ذي الدلالة المتحركة الواعية التي تمثل الوجه المشرق ،والمظهر المتألق للزمن في حياة الإنسان الزمن بمعناه الفكري  الفلسفي الذي يعني توهج الإنسان بالخصب والعطاء وخاصة عند الرضي الطموح منذ نعومة إظفاره فالزمن مشحون بالمغزى بالنسبة للإنسان كما قيل لان الحياة الإنسانية تعاش في ظل الزمن ولان السؤال من أكون؟ يصبح بعيدا فقط بمعنى( ماذا صرت انا؟) أي بمعنى الوقائع التاريخية الموضوعية مضافا إليها نمط الترابطات التي لها مغزى والتي تشكل بدورها السيرة الحياتية او هوية الذات الشخصية فالشباب عند الرضي ذو قيمة زمانية ،يختلف عن أولئك البلداء الذين تختفي عندهم مثل هذه القيمة فهم عار الزمان اذا صح التعبير ،والشباب عند ضرب من التجدد فإذا اطل الشيب عليه يبدو وكان هذا الشيب ضرب من التحدي لذلك التجدد والنماء حيث يبدأ الفزع النفسي كما يظهر ذلك من الأبيات الأولى من هذه القصيدة ،وان كان الشاعر يحاول إخفاء هذا الخوف من خلال جدلية الطباق البلاغي الذي صورته هذه الأبيات(جاء )(مضى) (انجلى) (كان لي أولا)(صحا)و(ليل) ثم يستمر الرضي بوصف هموم الشيب هذا المتحدي الجديد المبكر عن شبابه العنصر المتوهج الفعال ،فيتولد هذا الصراع الداخلي في ذات الشاعر بين الشباب –التجربة المشحونة بالمعنى والشيب الخبرة والوقائع التاريخية في حياة الإنسان لينتهي ذلك الصراع نهاية الاعتراف بالواقع حين يلوذ الشاعر بالشيب درعا يقيه نوائب الدهر،فقد طابت نفسه لأنه قدره انه كالردى انه كالموت: طبت به نفسا ومن لم يجد إلا الردى ،أذعت واستقبلا .

فقد انس الشباب والشيب بعمر الشريف الرضي فصارا زمنه ورمز وجوده وحياته من خلال هذه النظرة الى الشيب دبت شكواه من الزمان وبدأت تسري في أكثر قصائده وتغلغل في عروق وجدانه الشعري حيث وجدت فيها تنفيسا حرا عن كامن الأسى التي أججها الشيب المبكر في حياة هذا الشاب المتوقد حرارة المتوهج طموحا  نحو المجد والعلى، هذا ما تناوله د. عناد غزوان معلقا حول القصيدة التي وردت نفسها عند السيد جاسم وكلاهما أكد على مفهوم الزمن وعلاقته بالمشيب ولشيب ولكن للشيب غرته لدى الشريف الرضي والغربة علاقتها بالزمن وطيدة أيضا ،كما إن تركيز عناد غزوان على قضية الزمن لدى الشريف الرضي وتأثيرها في شعره من خلال الشيب وغيره ،اما السيد جاسم فيجعل هناك مقارنة بين نظرة المعري إلى الزمن ونظرة الشريف الرضي إليه ،ويذكر السيد جاسم انه كان للمعري نظرة وجودية وعقلية ،مشتركة لا تلقي بالاتهام على الزمن ،وإنما على البشر الذين حق على الزمان أن يشكوهم لو استطاع تكلما:/

قال المعري:/

نبكي ونضحك والقضاء مسلط             ما الدهر أضحكنا ولا أبكانا

نشكو الزمان وما أتى بجناية               ولو استطاع تكلما لشكانا

اما الشريف فقد كان يرى في الزمان خصما لدودا لأنه الزمن الذي آل إلى فجيعة ال البيت أجداده –هذا ما ركز عليه عزيز السيد جاسم- وشهد دماءهم المتناثرة على ارض كرب وبلاء ،وهو الزمن الذي شهد سجن ونفي أبيه، ومصادرة أملاكه، وهو الزمن الذي يسوس فيه الأمور العلوج على حد تعبيره والسفهاء فيما يتعرض فيه أهل الرئاسة الحقيقة إلى المحن والمصائب ورغم إن الزمن مزدوج تارة كما يقول:/

كل شيء من الزمان طريف

              والليالي مغانم وحتوف

 إلا إن لعبة الزمن ثابتة:/

عادة للزمان في كل يوم

         يتناءى خل وتبكي طلول

فالليالي عون عليك مع البي

  ن كما ساعد الذوابل طول

فنظرة الشريف الرضي الى الزمن هي نظرة سياسية بامتياز .

فالزمن والاغتراب يمثلان السيرة الحياتية والوقائع التاريخية وهذا ما ركز عليه عناد غزوان. فبالتالي ربط كلا الناقدين مفهوم الزمن بالوقائع التاريخية التي وقعت للشريف الرضي وسببت اغتراب الزمن لديه ،ولكن عزيز فصل هذه الحوادث بشكل اكبر وذكر ارتباطاتها بال بيت الرسول اما عناد غزوان فاكتفى بالاشارة اليها من خلال اشارته عموميا للوقائع التاريخية والسيرة الحياتية للشريف الرضي فقط.

وعزيز السيد جاسم يبين ان الشريف الرضي في لعبة الزمن مغترب كبير مهدور الطموحات كثير الشقاء شديد التحسس للماضي ،بذهاب اقوام وحتمية ذهاب اخرين ،وهو يرى الدهر وسط الاغتراب ،فهو لم ينصره يوما ما، بل احاطه بالخذلان فقال:/

فمالي طول الدهر امشي كانني        لفضلي في هذا الزمان غريب

اذا قلت قد علقت كفي بصاحب         تعود عواد بيننا وخطوب

ويقول :/

يقولون نم في هدنة الدهر امنا

       فقلت ومن لي ان يهادنني الـــــدهر

هل الحرب الا ما ترون نقيصة

 من العمر او عدم من المال او عسر

فلا صلح حتى لا يكون لواجد

 ثراء ولا يبقى على وافر وفـــــــــــر

  ويستجيب الشاعر احيانا الى دعوة العقلاء الداعين الى مسايرة الدنيا، ولكنه يرى ان الدنيا مهما دخل في مداراتها ،فانها مخادعة حتى في زخرفها العلني ومتاعها اللذيذ ،وهو يشدد على عدم الانخداع بها :

هيهات يا دنيا وبرقك صادق          ارجو فكيف اذا وبرقك كاذب

ومهما اوتي من قوة لارغام نفسه على مسالمة تصاريف الزمان ،فان النجاحات لم تكن بمستوى المامول ،بل دون ذلك بكثير.

ويعلق عزيز السيد جاسم بان الشريف الرضي كثيرا ما حمل شعره ردا على نفسه ،وهو في مونولوج الحوار الداخلي ،وتذكير نفسه بضرورة توفر الناصر والمعين ،فيما لا يجني من محاربة الزمان شيئا ،لانه في تلك المحاربة يبقى قليل الناصر ،فيقول:/

سالم تصاريف الزمان فمن يرم

     حرب الزمان يعد قليل الناصر

كذلك حمل شعره ردودا على الذين قالوا له بضرورة مماشاة الدهر لخصها بقوله:/

يقولون ماش الدهر من حيث ما مشى             فكيف بماش يستقيم واظلع

وما واثق بالدهر الا كراقد            على فضل ثوب الظل والظل يسرع

وقالوا تعلل إنما العيش نومة            يقض ويمضي طارق الهم اجمع

ولو كان نوما ساكنا لحمدته                        ولكنه نوم مروع مفزع

وبالرجوع إلى الراحل عناد غزوان الذي شخص مديحا على لسان الشريف الرضي بدأه بمقدمة ذاتية حزينة فيها وصف لهموم الشاعر وآلامه وخيبة الأمل والعتاب وقد وردت في مدحته في أبي علي :/

أماني الناس ما تناخ ركابها                   وغيبة حظ لا يرجى إيابها

ووفد هموم ما أقمت ببلدة                    وهن معي إلا وضاقت رحابها

وقد أشار الراحل عزيز السيد جاسم إلى أشعار كثيرة تدل على هموم الشاعر وآلامه وخيبة الأمل والعتاب لديه ومنها: إن الشريف الرضي ورث في روحه ودمه الفجيعة الحسينية لكن الدهر لم يترفق به في حدود ذلك بل ادخر له أمرا عظيما ومنها سجن أبيه الذي كان سنده الكبير والشخصية العظيمة التي حملت قبسا من نور أهل البيت وحكمتهم وعدالتهم .

فالهموم التي ورثها الشاعر والآلام وخيبة الأمل التي تكلم عنها الراحل عناد غزوان فصلها أكثر عزيز السيد جاسم بظاهرة الاغتراب ومنها ما ورد في أعلاه وكذلك ورث آلاما من نوع  آخر إبان الغزو البويهي لبغداد فكان يعاني من ألام واغتراب المعنى الاجتماعي ،عندما وجد الشريف انعدام الناصر بالدلالة الاجتماعية ،وكان ذلك يعني في اقل تقدير إن جماعة الناس التي لم تنصره ،كانت تنصر العدو المباشر للعرب وهو السلطة البويهية ،حيث قرر الشريف الرضي ضمن قصائده انعدام العهد في أكثرية الناس وهو القائل:/

لأي حبيب يحسن الرأي والود                  وأكثر هذا الناس ليس له عهد

ثم قوله:/

 أكل قريب لي بعيد بوده              وكل صديق بين أضلعه حقد

كذلك تصعد عنده –على جد تعبير السيد جاسم- حدة التشخيص والإدانة درجة عالية فيعلن:/

الناس حولك غربان على جيف              بله عن المجد إن طاروا وان وقعوا

فما لنا فيهم إن اقبلوا طمع                 ولا عليهم اذا ما أدبروا جزع

ويرى بنفسه إن الناس هم الداء وان الصراع بين العاقر والمعقور صراع المفترس والفريسة ،هو الذي يطغى على ما عداه فيا لضيعة من يرنو إلى القضية يقول  :/

يطيب النفس عن قطعي علائقها          إني أفارق من فارقت معذورا

كن في الأنام بلا عين ولا أذن               أو لا فعش ابد الأيام مصدورا

غيب الرجال ظنون قبل مبحثه                 فما طلابك أن تلقاه موفورا

أيضا سوء الزمن وآلامه يدفع الشريف الرضي إلى أن يقول كما ينقل عزيز السيد جاسم:/

سئمت زمانا تنتحيني صروفه             وثوب الأفاعي أو دبيب القارب

مقام الفتى عجز على ما يضيمه       وذل الجريء القلب إحدى العجائب

حيث نجد ثمة حقيقة شاخصة في شعره وهي اعتزازه بعلو مكانته وشرفه ،وما المصائب والهموم التي حلت به إلا الثــــمن الذي لا بد للشرف من تقديمه وقال في أبدع تعبير:/

وضيوف الهموم مذ كن لا ين           زلن إلا على العظيم الشريف

فهو إذ يعتز بكرامته وكبريائه وحريته وعزته يعلم الآخرين أيضا الاعتزاز بالكرامة ،,رفض الذل وتأخذ أشعاره في ميدان مكافحة الذل وعاره مكانة الحكم والمأثورات الغالية :/

فهو يقول:/

وموت الفتى خير من حياته

وكذلك يقول:/

وكل فتى لا يطلب المجد اعزل

   وكل عزيز لا يجود ذليل

و:/

لا تخلدن الى ارض تهون بها

      بالدار دار وبالجيران جيران

و:

الحر تنهضه اما شجاعته

   الى الملم وإما خشية العار

كما وان جزءاً كبيراً من الام الشاعر الرضي هي غربة الاصدقاء ويعلق عليها عزيز السيد جاسم انها الحالة الثانية من الاغتراب الخانق الذي يسد ابواب التضامن الاخوي والروحي بوجــــهه ،والشريف الرضي كسب الاصدقاء فخسروه هم مما اثر ايضا وشــكل غربة والما لديه:

واول لؤم المرء لؤم اصوله

     واول غدر المرء غدر خليل .