نظارات أبي..
نور عماد فياض
في مَساء التاسِع مِن أغسطس كُنت أريد أن أخبر
والدِي شيء، بحثت عنهُ في أرجاء المَنزل لكِن دون جَدوى حتى مَر أخي ليُخبرني بأنهُ ذهبَ إلىٰ
زيارة الطَبيب .. هُنا أحتلَّ الخَوف كياني، يا تُرى
لماذا ذهب والدِي إلىٰ الطبيب؟
اتصلتُ به لكنهُ لم يَجيب فبقيتُ في انتظارِه حَتى
عَاد و أنا بكامِل قلقي لِمعرفة ما الذي حَدث،
ما أن نزلَ والدِي من سَيارتهُ حتى استَطرقتُ لحظاتٍ من الصَمت و الخَوف أكثر كان والدي
قد لبس نظارات و حينَ ما سَألتهُ قال: إنَّ بصرهُ ضَعِف و صارت تلزمهُ..
كُلما أُشاهد نَظارات أبي تُراوِدني تَساؤلات عَديدة..
كيف مَرت السِنين و تقدم والدِي في العُمر؟
كيف لعَينيهِ الجَميلة التي بَاتت تحرسُنا لسَنواتٍ أن تصبَح ضعيفةُ البصـَر؟
كيف لبَطلي القوي أن يضعَف أو يمرِض؟
و بعدها أصبحتُ ألاحظ شعرهُ الأسود بدا يغزوهُ الشيب و صَار أبيض، و يداهُ تملئُها التجاعِيد تُرعِبني
فِكرة تقدم والدِي في العُمرِ، كانَ أبي دومًا..
مِثلُ شيءٍ لا يَتعب،
مِثلُ شيءٍ لا يَمرض،
عطاءٌ لا ينقطِع،
حَنانٌ لا ينتهِي،
مِثلُ الإيمَان وِسط الشَك،
مِثلُ السَلام بَعد إنتِهاء الحَرب،
البَقاءُ وقتَ التَخلي،
الأملُ وِسط اليَأس،
و مِثلُ كُلِّ الأشياءِ التي لا تُعوض..
فَلم يُربينا والدِي علىٰ عهدِ آبائِه الأَولين
فَكنا نهربُ إليهِ بدلًا مِن أن نخافهُ و إن
قدِمنا علىٰ فِعل شيءٍ لا نَقول مَاذا لو عَلِم والدِي، بَل نَقول هَل سَيحزنُ والدِي..
و ينتهِي مَساءُ التَاسع مِن أغسطس ذاك بمُواساتِنا الدائِمة .. أنها الحياة، و أضع يَدي بيَد والدِي المُتعب
و أقولُ لهُ دَعنا نَجول في الشوارِع فيَقول كعادَته
لِنهاية أحاديثنا..
«تَدللي مَادمتُ حيًا»