نستورد الماء لبلد الأنهار
نهر دجلة وحدقول هوَ (ايدجلات ادكنا) كما ورد في الكتب القديمة اما في العصور الاشورية والبابلية فكان دجلة يدعى (تغلات) و(دغلاتا) وقيل ان اسم (دجلة) الذي اخذ من مؤرخي الغرب محرف عن الكلمة الميدية (تيكرا) وفي اللغتين الفارسية والكردية الحديثة (تير) أي السهم وقد غير مجراه مرات عدة، ومن المحتمل ان يكون مجراه الان هو نفسه في القرن السابع الميلاد الذي تحول في العهد الساساني الى مجرى الدجيلة الذي كان مشروع ري سومري ،ربما حفره انتمينا انسي لكش وظل دجلة يسير في هذا الاتجاه حتى القرن السادس عشر حيث رجع بالتدريج الى مجراه الحالي وربما كان دجلة يبدأ في دخول الاهوار عند موقع الكوت في الوقت الراهن .. وبعد ان يخرج من الاهوار الجنوبية يسير في مجرى واحد وهو نهر الخاررو ،الذي كان يعين الحدود الفاصلة بين بابل وعيلام ثم يصب مستقلاً في خليج البصرة
وقد تغزل الشعراء في قصائدهم بهذا النَهْرُ الّذِي يَشُقُّ بَغدادَ إلى نِصْفَينِ.. ومن تلك الابيات
يا شراعاً وراءَ دِجلةَ يَجري
في دموعي تجنَبتكَ العَـوادي
والجواهري قال لدجلة ..
(حيّيْتُ سفحكِ عن بُعد فحييني
يا دجلة الخير يا أم البساتين).
وأنشد لها فنانون منهم محمد سلمان (ميك يادجلة اشحلو) وفريد الاطرش (يادجلة انا عطشان ما أكدر أرتوي) ..وغيرها من الانغام عن ليالي البغداديين على ضفافها في فصل الصيف لينعموا بنسائم النهر الندية هربا من اب اللهاب .ورغم ذلك فأن اهل بغداد جيران دجلة محرومون من عذوبة الماء واصبحوا يعتمدون على المياه المعدنية بحيث غدت تجارة المياه على اساس انها (معقمة) ! منتشرة في مناطق بغداد والمحافظات بشكل ملفت وكاننا لسنا في بلد فيه (دجلة والفرات وديالى والوند وبحيرات واهوار وسدود) عدا الينابيع والعيون في مختلف انحاء العراق من شماله الى جنوبه في الوقت غدت طوابير شاحنات نقل (كارتونات) الماء تزدحم في المعابر الحدودية ومن مناشئ مختلفة مشاهد يومية وحتى من دول خليجية منها التي تتمنى ان يكون في اراضيها ربع ما نملك من الانهار الا اننا الان نستورد الماء ويباع في (حارة السقايين) مع ان تصريحات المعنيين تشدد !! على عذوبة الماء المنتج ولكن الاهالي يقولون غير ذلك لمجرد ان تتذوق الماء حتى تكتشف القصور في عمليات التصفية حسب المستهلكين له وحتى تجارة أجهزة (المرشحات للماء) هي الاخرى شهدت رواجا علـّها تخفف عن نفقات سعر (القناني الماء المعقم) التي ترتفع أذا كان محل البيع في مكان من فئة الخمس نجوم .. فكم من دول وشعوب تحسدنا على تلك الخيرات المائية ونحن نهدرها بدءا من المواطن الذي لايضع في حسبانه اهمية هذه المادة لو شحت والمؤسسات المعنية التي يجب ان ترفع من جهودها في مجال تصفية المياه لنوفر هذه الكم الهائل من المبالغ في أستيراد الماء من الخارج وبالعملة الصعبة ونعود الى تلك (الحنفيات) المنزلية نرتوي منها حتى نشبع ولكي نصل أيضا الى أن نصدر الماء الى الدول الاخرى.. وحتى الهطول التي أنعم الله بها على البلاد لم تسغل في الخزن الصحيح للاستفادة منها لفصل الصيف بل كان بعض المسؤولين فرحا ومبتهجا أمام الفضائيات وهو يزف بشرى !!من ان (الفيضانات مرت بسلام وذهبت المياه الى البحر) !! ومنهم يحذر من موجة فيضانات مقبلة عند ذوبان الثلوج مع ان نسبة كبيرة من المساحات كالبساتين والاراضي كانت زراعية تشكو العطش وتشققت بسبب شح المياه لا سيما في الصيف ..هي حالة نتذكر فيها مقولة الفنان الراحل المبدع جعفر السعدي في احدى اعماله الدرامية في السبعينات (عجيب أمور غريب قضية) هي فعلا هكذا !!
صباح الخالدي
AZP02