نزعة نسوية تتسلل إلى السينما الهندية

بومباي‭ (‬أ‭ ‬ف‭ ‬ب‭) – ‬تشهد‭ ‬السينما‭ ‬الهندية‭ ‬تغييرا‭ ‬ملحوظا،‭ ‬فعلى‭ ‬هامش‭ ‬الصناعة‭ ‬البوليوودية‭ ‬المحافظة‭ ‬والتي‭ ‬يطغى‭ ‬عليها‭ ‬الرجال،‭ ‬تتسع‭ ‬موجة‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬المخرجات‭ ‬اللواتي‭ ‬تعبّر‭ ‬افلامهن‭ ‬بقدر‭ ‬أكبر‭ ‬عن‭ ‬واقع‭ ‬أوضاعهنّ‭. ‬وتلاحظ‭ ‬المخرجة‭ ‬ريما‭ ‬كاغتي‭ ‬أن‭ “‬الوضع‭ ‬يتغير‭”‬،‭ ‬وتشرح‭ ‬أن‭ “‬عدد‭ ‬النساء‭ ‬اللواتي‭ ‬يكتبن‭ ‬سيناريوهات‭ ‬أفلامهن‭ ‬ويخرجنها‭ ‬يتزايد‭”. ‬وتقول‭ “‬مع‭ ‬مرور‭ ‬الوقت،‭ ‬نتجه‭ ‬نحو‭ ‬وضع‭ ‬أكثر‭ ‬صحة‭ ‬وواقعية‭”.  ‬ففي‭ ‬الأشهر‭ ‬الأخيرة،‭ ‬عُرضت‭ ‬على‭ ‬الشاشات،‭ ‬وخصوصا‭ ‬خارج‭ ‬الهند،‭ ‬أفلام‭ ‬عدة‭ ‬تندرج‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬التوجه‭ ‬النسوي‭ ‬الجديد‭.  ‬وفي‭ ‬رأس‭ ‬قائمة‭ ‬هذه‭ ‬الإنتاجات‭ “‬لاباتا‭ ‬ليديز‭”‬‭ ‬Laapataa‭ ‬Ladies‭ ‬لكيران‭ ‬راو،‭ ‬والذي‭ ‬رشحته‭ ‬الهند‭ ‬لتمثيلها‭ ‬في‭ ‬السباق‭ ‬إلى‭ ‬جائزة‭ ‬الأوسكار‭ ‬لأفضل‭ ‬فيلم‭ ‬بلغة‭ ‬أجنبية‭ ‬لسنة‭ ‬2025‭. ‬وفاز‭ ‬فيلم‭ “‬أول‭ ‬وي‭ ‬إيمادجين‭ ‬آز‭ ‬لايت‭” ‬All‭ ‬We‭ ‬Imagine‭ ‬as‭ ‬Light‭ ‬للمخرجة‭ ‬بايال‭ ‬كاباديا‭ ‬بالجائزة‭ ‬الكبرى‭ ‬في‭ ‬مهرجان‭ ‬كان‭ ‬السينمائي‭ ‬الأخير‭. ‬وتتناول‭ ‬هذه‭ ‬الأفلام‭  ‬قصص‭ ‬نساء‭ “‬حقيقيات‭”‬،‭ ‬بعيدا‭ ‬من‭ ‬الصور‭ ‬النمطية‭ ‬السائدة‭ ‬راهنا‭ ‬في‭ ‬مواقع‭ ‬تصوير‭ ‬معظم‭ ‬الإنتاجات‭ ‬الهندية‭ ‬الضخمة‭. ‬

ويتمحور‭ “‬مسز‭” ‬للمخرجة‭ ‬أراتي‭ ‬كاداف‭ ‬الذي‭ ‬عُرض‭ ‬عام‭ ‬2024‭ ‬على‭ ‬الاستعباد‭ ‬اليومي‭ ‬لامرأة‭ ‬متزوجة،‭ ‬حتى‭ ‬تمردها‭ ‬على‭ ‬زوجها‭. ‬وتقول‭ ‬عالمة‭ ‬الاجتماع‭ ‬لاكشمي‭ ‬لينغام‭ ‬إن‭ “‬مجرّد‭ ‬قراءة‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي‭ ‬تُظهر‭ ‬أنه‭ ‬الواقع‭ ‬الذي‭ ‬تعيشه‭ ‬غالبية‭ ‬النساء‭ ‬في‭ ‬الهند‭”. ‬وتشكل‭ ‬الشخصيات‭ ‬النسائية‭ ‬المتجذرة‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬استثناءً‭ ‬في‭ ‬الإنتاج‭ ‬السينمائي‭ ‬الوفير‭ ‬في‭ ‬الهند‭ ‬والذي‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬نحو‭ ‬ألفَي‭  ‬فيلم‭ ‬سنويا‭ ‬بأكثر‭ ‬من‭ ‬20‭ ‬لغة‭ ‬مختلفة‭.  ‬وتضيف‭ ‬لاكشمي‭ ‬لينغام‭ ‬إن‭ “‬الرجال‭ ‬يهيمنون‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭ ‬على‭ ‬الأفلام‭ ‬السينمائية‭ ‬التجارية‭ ‬في‭ ‬الهند،‭ ‬وقصصها‭ ‬تتسم‭ ‬بقدر‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الكراهية‭ ‬تجاه‭ ‬النساء‭”. ‬وتشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ “‬الرجال‭ ‬يؤدون‭ ‬فيها‭ ‬الأدوار‭ ‬الرئيسية،‭ ‬فيما‭ ‬تتولى‭ ‬النساء‭ ‬الأدوار‭ ‬الرومانسية،‭ ‬والجميلة،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬مشاركة‭ ‬متساوية‭”.  ‬وفي‭ ‬دراسة‭ ‬نُشرت‭ ‬عام‭ ‬2023،‭ ‬دققت‭ ‬عالمة‭ ‬الاجتماع‭ ‬بالتعاون‭ ‬مع‭ ‬معهد‭ ‬تاتا‭ ‬للعلوم‭ ‬الاجتماعية‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ألفَي‭ ‬دور‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬الأفلام‭ ‬الأعلى‭ ‬إيرادات‭ ‬في‭ ‬الهند‭ ‬بين‭ ‬عامي‭ ‬2012‭ ‬و2019‭.  ‬وجاءت‭ ‬النتائج‭ ‬معبّرة‭ ‬جدا،‭ ‬إذ‭ ‬تبيّن‭ ‬أن‭ ‬72‭ ‬في‭ ‬المئة‭ ‬من‭ ‬الأدوار‭ ‬أداها‭ ‬رجال،‭ ‬فيما‭ ‬اقتصرت‭ ‬أدوار‭ ‬النساء‭ ‬على‭ ‬26‭ ‬في‭ ‬المئة،‭ ‬غالباً‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬أدوارا‭ ‬داعمة‭ ‬نمطية،‭ ‬كممرضات‭ ‬ومعلمات‭ ‬وما‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭. ‬وليس‭ ‬مفاجئا‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬الرياح‭ ‬النسوية‭ ‬هبت‭ ‬على‭ ‬السينما‭ ‬المستقلة‭.  ‬وتذكّر‭ ‬المنتجة‭ ‬والمخرجة‭ ‬شونالي‭ ‬بوز‭ ‬بأن‭ “‬مخرجين‭ ‬من‭ ‬أمثال‭ ‬شيام‭ ‬بينيغال‭ ‬يصوّرون‭ ‬منذ‭ ‬سبعينات‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬شخصيات‭ ‬نسائية‭ ‬قوية‭” ‬ليست‭ ‬مجرد‭ ‬أمهات‭ ‬أو‭ ‬منفذات‭ ‬لرغبات‭ ‬الرجال‭. ‬إلاّ‭ ‬أن‭ ‬الممثلة‭ ‬والمنتجة‭ ‬ضياء‭ ‬ميرزا‭ ‬توضح‭ ‬أن‭ “‬النساء‭ ‬لا‭ ‬يزلن‭ ‬يواجهن‭ ‬صعوبة‭ ‬في‭ ‬فرض‭ ‬السيناريوهات‭ ‬التي‭ ‬تعكس‭ ‬واقعهن‭ (…) ‬لكنّ‭ ‬عدد‭ ‬المخرجات‭ ‬والمنتجات‭ ‬وكاتبات‭ ‬السيناريو‭ ‬أصبح‭ ‬أكبر‭. ‬لذا،‭ ‬أصبحت‭ ‬السرديات‭ ‬أكثر‭ ‬شمولا‭”. ‬وهذه‭ ‬هي‭ ‬حال‭ ‬الأعمال‭ ‬التي‭ ‬تخرجها‭ ‬ريما‭ ‬كاغتي،‭ ‬إذ‭ ‬تتحدى‭ ‬المعايير‭ ‬المجتمعية‭ ‬السائدة‭. ‬ففي‭ ‬المسلسل‭ ‬البوليسي‭ “‬دهاد‭”‬،‭ ‬تحاول‭ ‬شرطية‭ ‬شابة‭ ‬التفوق‭ ‬على‭ ‬زملائها‭ ‬الذكور‭ ‬لجهة‭ ‬التحقيق‭ ‬في‭ ‬سلسلة‭ ‬من‭ ‬حالات‭ ‬اختفاء‭ ‬النساء‭.  ‬وتقول‭ ‬شونالي‭ ‬بوز‭ “‬مشكلتنا‭ ‬لا‭ ‬تتعلق‭ ‬بالنوع‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬بل‭ ‬بالقدرة‭ ‬على‭ ‬فعل‭ ‬ما‭ ‬نريد‭”. ‬وتضيف‭ “‬عندما‭ ‬نريد‭ ‬أن‭ ‬نصنع‭ ‬أفلاما‭ ‬تجارية،‭ ‬نواجه‭ ‬سوقا‭ ‬محافظة‭ ‬بشكل‭ ‬متزايد‭”. ‬وتقول‭ ‬كونكونا‭ ‬سين‭ ‬شارما‭ ‬المعروفة‭ ‬بأفلامها‭ ‬الناشطة،‭ ‬إنها‭ ‬متفائلة‭ ‬بحذر‭.  ‬وتتوقع‭ ‬أن‭ “‬يصبح‭ ‬عدد‭ ‬النساء‭ ‬العاملات‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬السينما‭ ‬في‭ ‬المستقبل‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬ذي‭ ‬قبل‭”‬،‭ ‬لكنها‭ ‬تضيف‭ “‬لا‭ ‬يزال‭ ‬عدد‭ ‬النساء‭ ‬في‭ ‬مواقع‭ ‬السلطة‭ ‬وصنع‭ ‬القرار‭ ‬غير‭ ‬كافِ‭”. ‬وترى‭ ‬لاكشمي‭ ‬لينغام‭ ‬أن‭ “‬هذه‭ ‬الأمور‭ ‬لن‭ ‬تتغير‭ ‬بين‭ ‬ليلة‭ ‬وضحاها،‭ ‬لكن‭ ‬المشاهدين‭ ‬باتوا‭ ‬يرون‭ ‬خطابا‭ ‬مختلفا‭”‬،‭ ‬إذ‭ ‬أن‭ “‬النساء‭ ‬بتن‭ ‬يخرجن‭ ‬ويرتدين‭ ‬ما‭ ‬يَشَأن‭…”. ‬وتلاحظ‭ ‬أن‭ ‬الحركة‭ ‬التي‭ ‬بدأت‭ ‬في‭ ‬السينما‭ ‬المستقلة‭ ‬بدأت‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬أفلام‭ ‬أكثر‭ ‬شعبية،‭ ‬بفضل‭ ‬مخرجات‭ ‬قويات‭ ‬الشخصية‭. ‬

وانتزع‭ ‬فيلم‭ ‬الرعب‭ ‬الكوميدي‭ “‬ستري‭ ‬2‭” ‬من‭ ‬بطولة‭ ‬النجمة‭ ‬البوليوودية‭ ‬شرادا‭ ‬كابور‭ ‬المركز‭ ‬الأول‭ ‬في‭ ‬شباك‭ ‬التذاكر‭ ‬لعام‭ ‬2024‭ ‬من‭ ‬النجم‭ ‬شاه‭ ‬روخ‭ ‬خان‭.  ‬لكن‭ ‬الحركة‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬بطيئة‭ ‬جدا‭. ‬ففي‭ ‬العام‭ ‬الماضي،‭ ‬كان‭ ‬المنتجون‭ ‬التنفيذيون‭ ‬نساء‭ ‬في‭ ‬15‭ ‬في‭ ‬المئة‭ ‬من‭ ‬الأفلام‭ ‬الهندية،‭ ‬مقارنة‭ ‬بـ‭ ‬10‭ ‬في‭ ‬المئة‭ ‬قبل‭ ‬عامين،‭ ‬وفقًا‭ ‬لتقرير‭ “‬أو‭ ‬وومانيا‭” ‬الذي‭ ‬يرصد‭ ‬وضع‭ ‬المرأة‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬الترفيه‭. ‬وتوضح‭ ‬لاكشمي‭ ‬لينغام‭ ‬أن‭ “‬لدى‭ ‬كاتبات‭ ‬السيناريو‭ ‬أفكارا‭ ‬ممتازة،‭ ‬لكن‭ ‬المنتجين‭ ‬لا‭ ‬يدعمونهن‭”.  ‬وتؤكد‭ ‬عالمة‭ ‬الاجتماع‭ ‬أن‭ “‬المال‭ ‬في‭ ‬نهاية‭ ‬المطاف‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يحدد‭ ‬الأفلام‭ ‬التي‭ ‬يتم‭ ‬إنتاجها‭ ‬والتي‭ ‬لا‭ ‬يتم‭ ‬إنتاجها‭ (…) ‬ولا‭ ‬يزال‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬جدا‭ ‬العثور‭ ‬على‭ ‬تمويل‭ ‬لأفلام‭ ‬مثيرة‭ ‬للاهتمام‭ ‬ومختلفة‭ ‬وأقرب‭ ‬إلى‭ ‬الواقع‭”. ‬

مشاركة