ند الرئيس – طالب سعدون

نبض القلم

ند الرئيس – طالب سعدون

هل هناك ند للرئيس في أي بلاد من هذه الدنيا الواسعة بمختلف مستويات تقدمها الحضاري والسياسي ، وقوتها المادية – الاقتصادية والعسكرية..؟

 سؤال  قد يبدو غريبا ، لكن ما حصل بين  الصحفي (جيم اكوستا) مراسل شبكة (سي أن أن)  الامريكية والرئيس الامريكي دونالد ترامب  على الهواء عزز من القناعات  بان ذلك ممكنا جدا ، اذ يمكن أن يكون الاعلامي أو الصحفي بمختلف الاختصاصات ، كأن يكون مراسلا أو مذيعا أو محاورا ، أومقدما للبرامج ، أو كاتبا صحفيا مساويا لأي مسؤول ، بما في ذلك الرئيس –  وهو أعلى سلطة في الدولة  – في الحوار فيطرح عليه في المؤتمر الصحفي او اللقاء الخاص ما شاء من الاسئلة التي تدور في ذهنه عن حالة تشغل الرأي العام ، أوتضغط على المواطن ، أو لها تأثير على البلاد ، أو مع البلدان الاخرى ، ويريد جوابا  شافيا لها ، ويدخل معه في حوار ونقاش طويلين لكي يقتنع ، أو يرفض وجهة نظر الرئيس ، وقد  يكون  سببا في كشف المخفي من السلبيات ، أو تسليط الضوء على حالات من إستغلال الرئيس أو مؤسسته  الصلاحيات في إمور خارج مهماته ، أوإخفاقاته في مسؤولياته ، وربما تضع الرئيس في حالة من الاحراج  الشديد ، أو المساءلة  القانونية ، وقد ينتهي الحوار باصدار قرارات حول تلك الامور لمعالجة الحالة موضوع النقاش والحوار ، أو قد يضطر الى الاستقالة أو الاقالة بفعل  ضغط الشارع او البرلمان ، وبذلك يكون الصحفي مساهما من موقعه في صناعة القرارات ، والرأي العام  ، وفي الوقت نفسه يكون قدم مساعدة للرئيس من جهة اخرى في عرض افكاره ورؤاه الايجابية وقراراته ، ومتابعة حركة الدولة ومؤسساتها المختلفة ، وتوضيحها للراي العام ..

 وقد يتراجع الرئيس أمام حكم القضاء عن قراركان قد صدر لغير صالح الصحفي  وهو يمارس  مهمته ، فيشكل  إنتصارا للصحافة وللحريات الصحفية ، ويسجل للقضاء أيضا  إستقلاليته ونزاهته ، كما حدث مؤخرا مع الرئيس الامريكي  دونالد ترامب عندما دخل في مشادة كلامية مع  مراسل شبكة (سي أن أن) الامريكية (جيم اكوستا) إنتهت  بسحب تصريحه  بالدخول الى البيت الابيض لتغطية نشاطاته ، لكن القضاء  أعاده الى عمله في البيت الابيض بعد أن رُفعت دعوى قضائية  ضد ذلك القرار من قبل  الشبكة ، التي وصفت هجوم الرئيس على المراسل بانه (أمر مخيف وخطير وفعل ينافي المبادىء الامريكية)  وإن (ســحب اعتماده هــــو رد انتقامي على سؤال فيه تحد) …

وكان المراسل قد دخل في سجال حاد مع ترامب  خلال مؤتمر صحفي  بشأن نتائج الانتخابات النصفية للكونغرس  حول  المهاجرين وقوانين الهجرة ،وإعتراضه على وصف الرئيس للمهاجرين بالغزو لامريكا  ، وقد تهجم  على الصحفي  والقناة  وقد دافع  ترامب عن موقفه ،  وقد أصر الصحفي على الحديث وطرح الاسئلة عندما حاول منع تمرير الميكرفون للاخرين..

لقد حظيت هذه القضية بتغطية  مناسبة ، وعدت من الدروس  الاخرى المهمة ،ليس للامريكيين فقط وانما  لعموم  الصحفيين   في العالم  ، وسلطت الضوء على دور الصحافة  والاعلام والعلاقة بين السلطات  والصحافة  ، وموقف القضاء عندما  ينظر بحيادية وتوازن دون تفرقة بين الاثنين ، وبذلك يكون القضاء  داعما للدولة والمجتمع و للصحافة عندما يكون مستقلا ، كما يساعد  هذا الموقف في  تمكين الصحفي من أداء عمله  بمهنية عالية ، وشجاعة دون ضغوط أو إملاءات ،   أو خوف ، والوقوف معه في  سعيه في الحصول على المعلومة والجواب  المقنع من المسؤول ، لان ضالته في النهاية هي الحقيقة ..

وكان موقف مراسل مراسل قناة (أن بي سي) بيتر الكسندر  من بين الامور المهمة  في هذه الحادثة عندما  دافع عن زميله اكوستا ، وهو الاخر لم يسلم من توبيخ ترامب له عندما قال له (انت أيضا اكرهك) ، كما اعلنت الكثير من الصحف والقنوات الامريكية تضامنها مع شبكة  (سي ان ان) .. وهو درس أخر للصحفيين بوجوب تضامنهم جميعا مع من يتعرض من زملائهم  الى موقف مثل موقف اكوستا  ويكون فيه على حق ، ولم يخرج عن  أخلاق وضوابط المهنة وميثاقها .

وفي كل الاحوال ستدخل هذه الحالة في تاريخ الصحافة والرئاسة  والقضاء والعلاقة مع السلطات عموما ، كما دخلت  فضيحة ووترغيت التاريخ .. وأكدت دور الصحفي والاعلامي عندما يكون شجاعا ومهنيا ويدافع عن موقفه بصلابة وثبات ، وعندها يمكن ان يكون ندا لأي مسؤول ما دام ملتزما بقواعد مهنته التي تبحث عن الحقيقة مهما كان  ثمنها غاليا ..

إن ضالة الصحفي الحقيقة ، ويبحث عنها في كل مكان ، بما في ذلك مكاتب الرئيس ، وعندما يصل اليها يعلنها  للقارىء ، وقد تطيح  بالرئيس وتجبره على الاستقالة كما حصل مع الرئيس الامريكي نيكسون في فضيحة ووترغيت عام 1974 التي وصفت في حينها بانها (من اكبر الفضائح السياسية  في تاريخ الولايات المتحدة الامريكية)  … تلك الفضيحة التي فجرها  الصحفيان كارل برنستين وبوب وودورد  في صحيفة واشنطن بوست  ، ليكونا  بعدها من أشهر الصحفيين ، ليس في تاريخ الولايات المتحدة فحسب ، وانما في تاريخ الصحافة كلها   ..

لقد كانت هذه  القضية  مثار اهتمام  واسع ليس من الصحفيين والكتاب  والناشطين والقضاء  فقط ، بل من المواطنين عموما ، ويمكن ان تعرف هذا الاهتمام من التعليقات ايضا في وسائل التواصل الاجتماعي ، وإخضاعها لعمليات مقارنة مختلفة .. وهناك من حمل الصحفي والاعلامي نصيبه ايضا  من المسؤولية عما يحصل في بلاده من اخفاقات عندما  يسكت أو لا يمارس دوره المطلوب في تعبئة الراي العام وكشف الحقائق والسلبيات  مثلما يلقي الضوء على الايجابيات لتعزيزها …

وفي كل الاحوال أكد (اكوستا) قوة الصحافة ، وجعل كل صحفي في بلاده يتساءل أين هو من هذه الحالة ، ، ويعرف المسؤول أيضا أنه (لا ديمقراطية حقيقية) بدون صحافة حرة ، وأن من شروط التقدم ايضا  دعم الصحافة والاعلام  وتقدير دورهما ، ودعم الصحفي بكل السبل ،  وتعزيز حرية التعبير  فهي الضمانة التي  يزدهر في  ظلها الابداع و يتحقق التطور المطلوب  وتنتعش الديمقراطية ..

                      { { { {

كلام مفيد :

لا يمكنك أن تغتني عن طريق السياسة ، إلا اذا كنت فاسدا

(هاري ترومان الرئيس الثالث والثلاثون  للولايات المتحدة).

مشاركة