نبض المدينة – نوري جاسم

نبض المدينة – نوري جاسم

في كل صباح، حين تستيقظ المدينة على ضوءٍ يتسلّل بين الأبنية، ينهض معها سؤال واحد لم يعد يغيب: كيف نحافظ على شيءٍ من هدوئها القديم وسط هذا التسارع الذي لا يرحم؟ فالمدينة، مهما اتّسعت شوارعها وتلوّنت واجهاتها، تبقى كائناً حيّاً يحمل ذاكرة ناسها، ويحتاج كما نحتاج نحن إلى لحظة تأمّل تُعيد ترتيب أنفاسها.

الفكرة ليست في رفض التغيير، بل في التعلّم كيف نروّضه. فالتطوّر الذي يقدّم خدمات أسرع لا يجب أن يسرق منّا فرصة النظر إلى الوجوه التي نمرّ بها، ولا أن يطفئ ذلك الشعور القديم بالألفة الذي كان يجعل كل زاوية تحمل اسم شخص أو حكاية. إنّ المشكلة تبدأ حين يصبح الزمن أسرع من قدرتنا على الشعور به، فتضيع التفاصيل التي تكوّن هويّة المكان.

ما نحتاجه اليوم أبسط ممّا نتصوّر: أن نمنح المدينة بعض الإصغاء. أن نسمح لها بأن تقول لنا أين تختنق، وكيف يمكن أن تعود أكثر رحابةً لأهلها. قد يكون ذلك عبر مبادرات صغيرة؛ كتنظيف شارع، أو خلق مساحة خضراء، أو حتى مجرّد احترام المشاة في الطريق. خطوات تبدو متواضعة، لكنها تُعيد للمدينة نبضها الحقيقي، وتحفظ فيها شيئاً من دفء الماضي وسط حداثةٍ لا تتوقف.

فالمدينة ليست حجراً وإسمنتاً فقط؛ إنّها صورتنا الجماعية. وإذا أحسَنّا رعايتها، عادت إلينا أكثر جمالاً مما نظن.

مشاركة