ناطق خلوصي روائي مثابر

ناطق خلوصي روائي مثابر

 

الصور البصرية المعبرة في تفاحة حواء

 

 حمدي العطار

 

بغداد

 

أذا ارتبطت ثمرة (التفاحة) في الذاكرة الجمعية بالمحرمات الدينية ،وبالاغواء ،والتحريض، والعصيان لأرادة الخالق من قبل (المخلوق ) وتحقيقا لرغبة (المرأة) في تذوق التفاحة من دون كل فواكه وثمار الاشجار الاخرى ،حتى بدأت التساؤلات الفلسفية بين ارادة الاختيار او التفسير عنصر الاملاء ليصبح الانسان ليس مخيرا بل مسيرا بقوة خارجية تفرض عليه التفكير وتملي عليه التطبيق ومن هنا يكون مصيره مكتوبا على لوح منذ ولادته حتى مماته!!

 

وأذا انطبق الحال ليكون كل شيء (ممنوع مرغوباً) فلا يمكن قبول ممنوعات الجنس على ان تكون مرغوبة الا في ظل وجود خلل نفسي وانحراف اخلاقي تستحق الادانة مهما كانت المبررات.

المحور الجنسي في الرواية

 

يحاول الروائي المثابر “ناطق خلوصي” ان يؤكد مرة اخرى بأن المحرمات المتمثلة (بالجنس والدين والسياسة) يمكن ان تأطر بقوالب فنية مبدعة لتمتزج في سردية تحمل لغة جريئة ومقبولة في تجاوز حتى الخطوط الحمر من دون ان تخدش الحياء الاجتماعي، وطالما ترددت وانا اواصل قراءة روايات (خلوصي ) -شرفات الذاكرة،ابواب الفردوس ، والان تفاحة حواء” وقد كتبت عن الروايتين وهنا اكتب عن الرواية الثالثة ،اتساءل مع نفسي هل روايات “ناطق خلوصي” تساند المرآة ام تفضح اسرارها وتؤشر على نقاط ضعفها خاصة في الدوافع الجنسية والتي غالبا ما تكون الاكثر تجريما في مجتمعنا مثل التفكير جنسيا بالعشق ومحاولة اقامة علاقات جنسية مع (الاخ،زوجة العم،زوجة الاب) ،وهل تصلح هذه الروايات لجميع الشرائح الاجتماعية خاصة النساء ! وفي رواية (تفاحة حواء) يطرح الروائي اشكالية عشق الفتاة لأبيها او من هو بمثابة الاب (ابو الزوج)- صعدت الى غرفتها وما لبثت ان نزلت على عجل وهي تحمل منشفتها وثيابها ودخلت الحمام ،جاءه صوتها بعد قليل وقد اخرجت رأسها من الباب :- -هل تستطيع مساعدتي يا أبي؟ – كيف استطيع مساعدتك؟ – أن تدلك ظهري. – مستحيل ، هذا غير ممكن ،- سأزعل عليك يا أبي.- لا تواجهيني بهذا التهديد يا حواء ،قلت لك هذا مستحيل.” اسلوب السرد الروائي المتصاعد  لدى “خلوصي “و قابلية تجسيد الصورة البصرية بالكلمات ولغة الحوار هي من تجعلك لا تترك الرواية حتى تنتهي منها ،وقد طرح “خلوصي” في هذه الرواية  ثلاث حكايات حكايتان  على شكل قصة الاولى عنوانها” تفاحة حواء”  للقاص “مصعب بردان” وقد استشهدنا بمقطع منها قبل قليل، تهديها البطلة (سلافة) الى عمها ابو زوجها وتطلب منه قراءتها ومن ثم مناقشتها معها بل تنفيذ ما جاء بها من ممارسات وايحاءات جنسية !! وقد سردها الروائي كاملة في النص لأهميتها وعلاقتها بموضوع الرواية الاصلية، والثانية بعنوان  “المسرات والاوجاع”  جرت مناقشتها والتلميح الى خطورتها   ونقد تصرفات ومواقف البطل (توفيق) مع النساء واصفا عبد الوهاب توفيق بأنه (وغد لا يرعى حرمة قريب او صديق ،استخدم وسامته جسرا للوصول الى اجساد  نسائه حاول اغواء حتى زوجة قريبه الذي آواه في بيته ومد له يد المساعدة ، لقد استغل ضعف النساء اللاتي تعرف عليهن )من دون الاطلاع على النص وهو الذي يقدمه ابو منير الى زوجة ابنه سلافة محذرا “لكنها رواية خطيرة وموضوعها حساس قد لا تستغينه” ويستدرك قائلا وبشيء فيه التحريض والتشويق “انها استهوتني وقد قرأتها مرتين كانت الثانية نقدية “اما الحكاية الثالثة فهي تمثل الواقع الافتراضي للآحداث وتطور الشخصيات فهي حكاية (سلافة) الفتاة التي كانت سابقا تعشق ابيها وتدخل معه الى الحمام بحجة مساعدته حتى تعترف بما فعلته في الحمام مع ابيها بعد ان استفزتها امها وايقظت نزعة الفضول في داخلها “سترى قطعة اللحم التي تتدلى بين فخديه مثل  خرقة بالية مبللة ”  لذلك قررت” سلافة “ان تتحدى امها (مدت يدها الى سروال ابيها الداخلي وتغامر وتقدم على خطوة غريبة وجريئة معا … انزلت سرواله وخلصت قدميه منه وقالت :سأدلك جسدك كله هذا اليوم ، هز رأسه موافقا ،دلكت رقبته وظهره وذراعيه وكانت تقف وراءه قبل ان تنتقل عملية التدليك الى صدره لتكون امامه هذه المرة ،عليها أن تنزل بيديها  الى الاسفل فتصل الى منطقة الخطر )  وعندما مات حزنت عليه حزنا لا يشبه حزن البنت على ابيها بل حزن المرآة على رجل تعشقه وتهيم به! بتداخل هذه الرؤى الثلاث يتلاعب (خلوصي) بقارئه ليجعله يلهث خلف الكلمات والجمل لمعرفة مصير ابطال قصته المثيرة .

 

   (سلافة) زوجة منير  المهاجر والهارب من  العراق الى مصر بسبب تهديد طائفي ليكون هدف سلافة لأشباع رغبتها الجنسية تتوجه الى ابيه – الكاتب والصحفي والمناضل اليساري السابق والوسيم ايضا – لتكشف له عن نواياها في مطعم (كهف العشاق) الذي استدرجها اليه (عبد الوهاب) ابو زوجها ليسمح لها بالتمادي في خلع ملابسها والكشف عن جسدها في حضوره ! وبرغم من عدم اكل تفاحة حواء وارتكاب المعصية لكن عبد الوهاب المثقف والكاتب كان يملك من التشويش الفكري ما يجعل القارئ يشك في نيته الاصلاحية ولولا القدر لحدث في شقة منير بالقاهرة المحظور بين زوجة ابنه  سلافة ومعه “بدأ اللوم ينهش في روحه، لماذا تبسط معها حتى في مزاحه؟ يعترف الآن أنه تمادى في علاقته معها ،سأل نفسه: هل كان ما فعله هو محض رغبة في التخفيف عن احساسها بالتوحد ،أم أن هاجسا داخليا دفعه لأن يفعل ذلك؟ لا ينكر انها لذيذة شهية ولكنها ثمرة محرمة بالنسبة له ،اغفى ولم تغادر سلافة رأسه”

المحاور غير الجنسية في الرواية

 

دائما “ناطق خلوصي”  لا يركن الى هدف واحد في سردياته فهناك مؤشرات ومحاور عديدة تغطي الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي ،وهو لا يقحم هذه المحاور خارج النسيج الروائي بل انت تحس بأنها جزء من البناء السردي المقنع وفي رواية

 

 في “تفاحة حواء” يقدم وبشكل مكثف ومختصر العديد من هذه المحاور لا بد من الاشارة اليها حتى لا تعد الرواية من روايات المعالجات (الجنسية) فحسب!

 

ففي اشارة الى المخاوف من عودة الحرب الطائفية الى الواجهة بين المكونات يرد عبد الوهاب على ابنه نصير عندما يقول “- ولت تلك الايام يا ابي ، – انت تظن ذلك ، ما زال الجمر الخبيث يتقد تحت الرماد، انهم ينتظرون فرصة مواتية لينقضوا على الأبرياء من جديد.”وعن الفساد وتخريب التعليم في العراق يذكر نصير قائلا “دخل مسلحون الى قاعة الامتحان وبدأوا يمررون الأجوبة لجماعتهم تحت بصر المراقبين” وعن مشاهد الطائفية (ايام كانت الجثث تلقى في المزابل او في مستنقعات المياه ) وعن تزوير الشهادات وتبوئ المناصب العليا والدرجات الخاصة (يقولون أنه يحمل شهادة مزورة وان رافعة سحرية التقطته من مكب قمامة وحطت به على كرسي المدير العام) اوضاع الاطباء وعدم حمايتهم  وتأثير المحسوبية والمنسوبية على العلاقات بين الكوادر الطبية وباقي العاملين في المستشفيات (تصور انا طبيب اختصاص احمل شهادة في طب الاطفال ويقول الناس عني انني طبيب حاذق، انساني وشهم ، يتطاول علي عامل خدمة في المستشفى حين امنعه من استغلال امهات الاطفال اللاتي يأتين الينا بأطفالهن المرضى،ولا استطيع ان افعل شيئا اتدري لماذا؟ … لأن عامل الخدمة محسوب على مدير المستشفى ومدير المستشفى محسوب على مدير الصحة ومدير الصحة محسوب على الوزير الفلاني) وفي وصف سردي رائع يتصفح عبد الوهاب بغداد وهو يغادرها راكبا الحافلة (استدارت من امام جسر الاحرار واتجهت صوب المتحف خزانة تاريخ العراق التي تعرضت للنهب في الايام الاولى للاحتلال … انحرفت الحافلة يمينا بحي المأمون وقد بدأت بواكير العتمة تقتحم الأفق ،لن يمر طويل الوقت حتى يبسط  الظلام سطوته على كل شيء ولن يكون هناك ما يدل على الحياة في البيوت الهاجعة تحت جنح الظلام سوى الاضوية التي تتمرد للخروج خلال ستائر النوافذ الاضوية التي تنيرها المولدات الخاصة التي اصبحت علامة فارقة من علامات المدينة ) وهناك نقد واشارات عن الخطوط الجوية العراقية والتعامل مع المسافرين وعن الشباب العاطلين عن العمل  والمظاهرات والاحتجاجات في بغداد واعتقال المتظاهرين وقوة تأثير الاعلام في اطلاق سراح المعتقلين من المتظاهرين ،وهناك ايضا وقفة الى الاعتقال والتعذيب الذي تعرض له عبد الوهاب حينما كان يعمل في تنظيم معارض للنظام السابق (وها هو يجد نفسه في موقف الامن العامة ،غرفة ضيقة تعج بالنزلاء :شباب وكهول وشيوخ..أطباء ومحامون واصحاب اعمال وحتى طلبة تجاوزوا مراهقتهم توا،يتناهى الى سمعه الآن صراخ الذين يتعرضون  للتعذيب ويرى عباس حلاوي يعود وكأن شيئا لم يحدث معه فيثير تساؤل المعتقلين ،لكنه يقطع دابر الشك :يرفع ثوبه ويري من في الغرفة ظهره الموشوم بوشم احمر في خطوط متقاطعة ويقول ردا على تساؤلات القريبين منه :نجوم السما كانت اقرب بالنسبة لهم لن تستطيع اية قوة ان ترغمني على ان افتح فمي لأقول ما يريدون).

 

مرة اخرى رواية (تفاحة حواء) تعطيك كل المتعة والتشويق عند قراءتها حتى ترغب في قراءتها مرة اخرى،ولكنني اتذكر بعض الكتب والروايات التي كنا نعجب بها لكننا لا ننصح النساء اللواتي يخصونا ان يقتنوها ويطلعون عليها ! فأنا اقول مثل بطلة (تفاحة حواء ) بعد قراءتها لرواية (المسرات والاوجاع ) :- فيها كلام قد تخجل  امرأة من قراءته!!