مولد رسول الانسانية

مولد رسول الانسانية

أكرم عبدالرزاق المشهداني
يحتفل المسلمون في الثاني عشر من شهر ربيع الأول من كل عام في مشارق الأرض ومغاربها، بذكري عطرة عزيزة علي القلوب، هي ذكري مولد فخر الكائنات، نبي الأمة والرحمة المهداة للبشرية جمعاء «سيدنا محمد» صلي الله عليه وسلم، سيد ولد آدم وخاتم الأنبياء والمرسلين، الذي بمولده وطلعته إستنار الكون وأشرقت الأرض بنور ولادته، كيف لا وهو الرحمة المهداة، والنعمة العظيمة، والأمل المنتظر الذي أرسله الله عز وجل للناس أجمعين ««وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ»» سورة الأنبياء107. فكان رحمة للبشرية كلها. وببعثته ورسالته ودعوته انقشعت الظلمات وتبدلت الأرض غير الأرض والناس كذلك، فإنتشرَ العدل بعد طول سيطرة للظلم، وعمَّ الإحسان بعد طول كراهية وجفاء، وانمحت ظلمات غشيت العقول وأعمت البصائر والأبصار.
ذكري المولد النبوي ليست مجرد مناسبة لمولد «إنسان عظيم» فحسب، بل إنها ذكري «مولد أمة» فبولادته عليه الصلاة والسلام ولدت أمة العرب من جديد.. لتقود العالم وتنشر الفضيلة والعدل والسلام.. وتحارب الظلم والطغيان.. وترفع شعار الفاروق الخالد «مَتيَ أسْتَعْبَدْتُمْ النْاسَ وَقَدْ وَلَدَتْهُمْ أمّهْاتُهُمْ أحْرَاراً؟»… أمة لا تفرق ولا تظلم ولا تضطهد، وماهي إلا عقود قليلة من ولادة المصطفي حتي إرتفعت راية «لاإله إلا الله» في أرجاء الجزيرة العربية وفوق بلاد فارس وعلي تخوم الروم وفي شمال أفريقيا.. ودخل الناس عن طواعية ورضا وإقتناع في الدين الإنساني الجديد الذي رفع شعار ««لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَي لا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ»» «256»البقرة، و «لَكُمْ دِيِنِكُمْ وَلِيَ دِيْنْ» الكافرون/6… حتي صار المسلمون اليوم مليارات من البشر.. يدينون بالفضل لصاحب الذكري العطرة عليه أفضل الصلوات والتسليم.
لقد كَرّمَ الباري عزّ وَجَلّ نبيه المصطفي محمدا صلي الله عليه وسلم فجعله سيد ولد آدم ولا فخر، وجعل مولده نورا وبركة اهتز له عرش كسري وانطفأت به نار فارس بعد أن ظلت مشتعلة ألف عام، وربط الله بين محبة المصطفي وبين وجوب إتّباعه: بقوله: “قُلْ إنْ كُنْتُمْ تُحِبّوُنَ اللهَ فإتّبِعُوُنِيْ يُحْبِبْكُمْ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ” «آل عمران 31»… وجعل سبحانه وتعالي طاعة رسوله من طاعته عز وجل “مَنْ يُطِعِ الرَسُوُلَ فَقَدْ أَطاعَ اَللهْ” «سورة النساء 80»، واختصه بما لا يعد ولا يحصي من المناقب والمفاخر عجز العلماء عن حصرها وعدّها طيلة قرون، رغم ما ألفَّ في ذلك من آلاف الصفحات. فلايحصل الإيمان ولايتم إلا بمحبة الرسول صلي الله عليه وسلم “لا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ حَتّيّ أكوُنَ أحَبُّ إليْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدهِ وَالناسِ أَجْمَعيْن” رواه البخاري ومسلم، وجعل الله الشهادة بنبوّته ركنا من أركان الإسلام، واختّصه بمعجزة الإسراء والمعراج، وجعل الملائكة دائمة الصلاة عليه “إنَّ اللهَ وَمَلائِكتَهُ يُصَلّوُنَ عَليْ النَبِيّ” «الأحزاب 56»، وأيّده بالمعجزات والبراهين وبعثه للناس أجمعين عكس باقي الأنبياء والمرسلين الذين أُرسلوا الي أُمم بعينها وذواتها، وختم الله به الرسالات وأرسله للناس بشيرا ونذيرا وداعيا إلي الله بإذنه وسراجا منيرا. ومن تمام الكرامات أن حظيت أمته صلي الله عليه وسلم، أمة الإسلام، بالتكريم وعلو الشأن، ورفع الله قدرها فوق باقي الأمم “كُنْتُمْ خَيْرَ أمّة أُخْرِجَتْ للنْاسِ” «آل عمران 110» وما ارتفعت هذه الأمة وما شُرِّفت إلاّ بهِ صلي الله عليه وسلم، قال الله تعالي “لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَليْ المُؤْمِنيْنَ إذْ بَعَثَ فِيِهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلوُ عَلَيْهِمْ آيْاتِهِ وَيُزَكّيهِمْ”. «آل عمران/164»
لقد كانت ولادته صلي الله عليه وسلم نقطة تحول في تأريخ البشرية، التي كانت قبل بعثته تعيش عصرا من الظلام تسوده كل صنوف الزيغ وتتخبط في كل أنواع الظلالات، وكان الناس في الجاهلية يتقاتلون لأتفه الأسباب، ويتخذون من الغارات مصدراً للارتزاق ويئدون البنات مخافة الإملاق ويعبدون الأصنام، فاستطاع صلي الله عليه وسلم أن يؤلف القلوب وينير الأبصار وينقي العقول ويشحذ العزائم ويرفع الهمم، وصدق الله تعالي إذ قال: “واَذْكُرُوْا نِعْمَةَ اَللهِ عَلَيْكُمْ إذْ كُنْتُمْ أعْدَاءً فَألّفَ بَيْنَ قُلوُبِكُمْ فَأصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إخْوْاناً” «آل عمران 103»، وعبّر عن ذلك الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان رضي الله عنه حين قال: “لقد كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير”. لقد كان يوم ميلاد محمد صلي الله عليه وسلم في يوم الأثنين، يوم سعادة دائمة للبشر وكل كائنات الوجود، وكان صلي الله عليه وسلم يحبّ يوم «الإثنين». فقد روي «مسلم» في صحيحه في كتاب الصيام عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه أنه قال:سُئلَ رسول الله صلي الله عليه وسلم عن فضل صوم يوم الإثنين، فقال: هذا يومٌ وُلدتُ فيه وأُنزلَ عَليَّ فيه”، وأخرج الإمام أحمد وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال “ولد النبي صلي الله عليه وسلم يوم الإثنين واستنبئ يوم الإثنين وخرج مهاجرا يوم الإثنين وقدم المدينة يوم الإثنين وتوفي يوم الإثنين”. إن ذكري المولد النبوي الشريف هي مناسبة وفرصة لكل مؤمن كي يتذكر اصطفاء الله عز وجل للنبي المصطفي من بين كل الخلائق، وإصطفاءه لنا من بين كثير من الخلق لنكون من أمة المصطفي صلي الله عليه وسلم ومن أتباعه، ولا شك أن الفرح بهذا الإنتساب يجب أن يتناسب مع ما يستحقه من محبة واتباع لنهج المصطفي، وإلتزام بهديه، كما يجب أن تكون هذه الذكري موعظة لكل منا يري فيها حال المسلمين والعرب اليوم الذين تداعي عليهم الأعداء والكارهون، كما تتداعي الأَكَلَةُ إلي قصعتها لأن المسلمين والعرب پباتوا اليوم غثاءً كغثاء السيل، لا تغني عنهم كثرتهم العددية ولا ثرواتهم الطائلة، ماداموا بعيدين عن منهج الحق الذي جاء به صاحب الذكري العطرة.
كما يجب ان تكون ذكري لكل مؤمن يتذكر فيها حاله مع الله عز وجل وموقعه عن ما أمره الله عز وجل به “يَا أيُّها الذّينَ آمَنوُا إتّقوُا اللهَ وَكوُنوُا مَعَ الصَادقين”.«التوبة/119»
إنها ذكري ولادة أعز من في الوجود، سيد ولد آدم، الرحمة المهداة، الشفيع لنا يوم القيامة. نسأل الله لأمتنا العافية وحياة القلوب المتشوّقة إلي حب الله ورسوله والإلتزام بنهجه وشرعه والتوحد تحت كلمته وتحت راية «لا إله إلا الله محمد رسول الله». وحرّيٌ بالعرب والمسلمين أن يرجعوا للنبع المُحمّدي الصافي ويغادروا كل عوامل التفرق والتشرذم والخلاف التي يُغذيها أعداؤهم، من طائفية وعِرْقية.. وعصبيّة جاهلية مقيتة، وليستلهموا من هذه الذكري العطرة، ومن صاحب الذكري، المعاني والعبر التي تعينهم علي تجاوز محنهم وإخفاقاتهم، ويعودوا إخواناً متحابين كما أمرهم الله ورسوله.
كما أن العراقيين مطالبون بأن يجعلوا من ذكري المولد النبوي الشريف مناسبة لجمع الشمل والتوحد من أجل مصلحة العراق تحت خيمة الوطن الواحد والهوية الوطنية الجامعة وأن ينبذوا الخلافات والتشققات، وأن يعملوا لإنقاذ بلدهم وإعادته حراً كريماً موحداً ينعم أهله جميعا بالرخاء والحياة الطيبة…
وأهدي لكم هذه الأبيات الرائعة لشاعر العراق المبدع وليد الأعظمي «يرحمه الله» بهذه المناسبة العطرة:
فوق المنابر يابلابل غــرّدي في مولد الذكري وذكري المولدِ
يا ليلة الذكري بهاؤك سـاطع وأريجُك الفوّاح يعبق في الندي
من مولد المختار أشرقت المني وتقشعت سحب الأذي المتلبدِ
واهتزت الدنيا سرورا? وانتشت بالمرشد الهادي لأعذب موردِ
يا سيد الرسل هذا يوم مولدكم كـأنه لابتداء الخير ميقات
يوم به القلب مغمور بفرحتــه ويعمر القلب تسبيح وإخبات

/2/2012 Issue 4113 – Date 4- Azzaman International Newspape

جريدة «الزمان» الدولية – العدد 4113 – التاريخ 4/2/2012

AZP07