موقعة العباسية واستبسال العسكر
علي عبدالعال
لم تكن كباقي المواقع، وبقدر ما اشتملت عليه من اجرام، ولي للحقائق، وترويج للأكاذيب، سيطول ذكرها وأثرها على المشهد السياسي والأوضاع في مصر ما بعد الثورة.
انها موقعة العباسية التي باتت شهيرة منذ أن تنادى لها جنودنا البواسل، فلم تهدأ لهم عين حتى كان لهم ما أرادوا، وأخلوا الميدان من المعتصمين أقصد المغتصبين الذين صور لهم خيال ساذج أنه يمكنهم التظاهر والهتاف بأمان أمام العرين .
وضع اللواء حمدي بدين خُطة مُحكمة، مستخدما الطائرات والمجنزرات، جوا وبرا، حتى كُتب له تحرير الميدان، ولم يكتف بذلك بل أظهر جنوده استبسالا عجيبا في مطاردة العُزل، بين الشوارع والمساجد ومحطات المترو، حتى أسروا العشرات منهم بمن فيهم الصحفيات والطبيبات .
انتهت المعركة بانتصار كاسح لـ المجلس العسكري على الأرض، توَجهُ رجال القوات المسلحة بزفة نادرة على الطريقة المصرية، رقص فيها جنود حمدي بدين بالسلاح الميري وتعالت الصيحات فرحا بالنصر من حولهم.
كانت الخطة مُحكمة لكن ـ للأسف ـ الاخراج مفضوح، ذكرنا باخراج جورج دبلو بوش لمسلسل احتلال العراق بعدما زعم امتلاكه أسلحة دمار شامل.. صحيح انتصرت القوات الأمريكية على الأرض لكن بقيت لعنة العراق ـ وستظل ـ تطارد أفراد هذه القوات حتى تدخلهم القبور.
سلمية اعتصام العباسية بُحت بها أصوات المعتصمين، سواء في الميدان أو أمام كاميرات التلفزة ووسائل الاعلام، وقد أبدى هؤلاء الشباب حرصا كبيرا على الطابع السلمي لاحتجاجاتهم، ولا يمكن أن ينفى هذا الطابع الحجارة التي قذفها البعض تجاه عناصر الشرطة العسكرية، لسببين أولا لأنك لا تعرف من الذي يقذف هذه الحجارة ولأي سبب يقذفها، ثانيا الذين قذفوا الحجارة ـ مهما كان انتماؤهم ـ هم جزء صغير من بين حشود كبيرة من المصريين العزل تقدر بعشرات الآلاف، بينهم شيوخ ونساء وأطفال وجمع كبير من خيرة شباب مصر. لكن الحاكم هنا وصاحب السلطان أخذته العزة بالاثم فاتخذ قرارا جائرا بمعاقبة الكل، ولم يميز سلاح البطش الذي معه بين الجاني والبريء، فقتل وأصاب وروع الآلاف كما أسر المئات لمحاكمتهم عسكريا.. نفسُ هذا الحاكم وصاحب السلطان كان قد أبدى عجزا فاضحا في الوصول الى البلطجية من الذين قتلوا عشرات المعتصمين وسفكوا دماء الأبرياء أمام العرين ذاته.
حاكمنا العسكري يكيل بمكيالين، وهذا مما لا يستقيم في زمن الثورة، وما كان ينبغي لنشوة النصر الكاذب أن تعميه عن واجباته تجاه الشعب الى هذه الدرجة.. حاكمنا العسكري لم يدخل المعركة التي اصطنعها الا وهو واثق من حسمها بالقوة لصالحه، وهناك عدد من الرسائل غالبا ما تأتي على هامش النصر، ليس أقلها أنه قادر على الردع في الوقت الذي يحدده أمام من يناصبه العداء.
الآثار السياسية لمعركة العسكر في العباسية ربما تتأخر بعض الوقت، لكن عما قريب تبرز الى السطح، فالمعارك مع المجلس لم تنته بعد لكنها ستأخذ أشكالا أخرى، وميادين غير ميدان العباسية الى أن يتهيأ للمصريين نظام سياسي مدني ليس للعسكر فيه ولا للفلول قليل أو كثير.
/5/2012 Issue 4193 – Date 7 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4193 التاريخ 7»5»2012
AZP07