من يرمي بالبندقية لا يهتم بمن صنعها؟ – منقذ داغر
بعد أن عرضت أول شكل بياني في مجلس العلاقات الخارجية بواشنطن،والذي يظهر أن 70 بالمئة من العرب الذين قامت مجموعتي البحثية بأستطلاع رأيهم قبل أسبوعين في ستة دول عربية تمثل 60بالمئة من العرب،كرر الخبير الأمريكي في الشرق الأوسط والذي كان حاضراً في عرضي ذات السؤال الذي سبق أن سؤلته في أربع مراكز أبحاث أخرى في واشنطن: هل أن هذا التأييد العربي لحماس كمنظمة عقائدية أم هو لأسباب أخرى؟ أجبت،لا شك أن هناك بعض العرب الذين يؤيدون حماس عقائدياً،لكن لا شك أيضاً أن هناك نسبة جيدة ممن يتفقون معي في رأيي أيضاً. قال،وما هو رأيك تجاه حماس؟ قلت أنك تعلم موقفي من الأسلام السياسي عموماً بشقيه السني والشيعي،فأنا من أشد المعارضين له والقائلين بخطأه وأنتهازيته وتخلفه الحضاري.مع ذلك فحين تسألني عن حماس في ظل الظرف الحالي،وأنا أستحضر في ذهني كل جرائم أسرائيل ومجازرها الوحشية في غزة،بل وطوال 75 عاماً،فأني سأجيب على الأستطلاع مؤيداً لحماس لأنها تقاتل مجرماً ذبح الأطفال و\ أو يتّمّهم ،وقتل النساء و\ أو شرّدّهم،وقتل الشيوخ و\أو أهانهم.
قضية فلسطين
أستطردتُ في جوابي مذكراً الحضور بحقيقتين غالباً ما يجهلهما أو ينساهما الغرب ممن يعرفون قضية فلسطين،وليس الجاهلين بها. الأولى أن العرب قد يختلفون على دور الأسلام في السياسة،أو حتى في أشكال وشدة تدينهم،كما أنهم قد يختلفون في توجهاتهم السياسية بين قوميين،وأسلامويين،وملكيين،وجمهوريين،ويمينيين،ويساريين،وثوريين،ومحافظين وليبراليين…الخ لكن غالبيتهم المطلقة متحدة على فلسطين وأنها أرض محتلة منذ 75 سنة فقط. وهم قد يختلفون أيضاً في شكل الحل ومدى القبول بأسرائيل،لكنك يندر أن تجد عربي يقول لك أن أسرائيل ليست دولة غاصبة،وأنه لا يؤيد قيام دولة فلسطينية. قد يختلفون على شكل وحدود الدولة لكنهم لن يختلفوا على حق الفلسطينيين في تلك الدولة. من هنا نفهم لماذا أيّد 80 بالمئة من العرب في 13 دولة عربية في أستطلاع المؤشر العربي لعام 2020 مقولة أن (القضية الفلسطينية هي قضية كل العرب).
لذا فحين يقوّم العرب موقف حماس فأنهم يقوّمونه ضمن هذه السردية وهذه القناعة والخلفية. هنا،علينا أن نتذكر أن من يستخدم بندقية لقتال عدوه فأنه لا يكترث كثيراً أين صُنعت هذه البندقية ما دامت قادرة على الرمي. وحماس بالنسبة لكثير من العرب اليوم هي تلك البندقية التي تقاتل عدوهم.
ثم أظهرت له مثلاً آخر للتدليل على صحة ما أقول. فقد قفزت نسبة التأييد لحزب الله مثلاً بين المصريين(وهم سنة وليسوا شيعة مثل حزب الله) من 4بالمئة سنة 2020 حسب أستطلاع معهد واشنطن الى 69 بالمئة حسب الأستطلاع الذي أجرته مجموعتي البحثية(المستقلة للأبحاث). كما أن 51 بالمئة من المصريين أظهروا أتجاهات أيجابية تجاه إيران في هذا الأستطلاع بعد أن كان التأييد لها منخفضاً جداً في السنوات السابقة. علماً أني متأكد أن هذا التأييد لأيران وحزب الله سيعاود الأنخفاض مرة أخرى حينما تنتهي الحرب، كما لمست ذلك في مناسبات مماثلة في السنوات السابقة،لكنه سيبقى مرتفعاً ما دام العدوان الصهيوني مستمراً على غزة. أما الحقيقة الثانية التي تتجاهلونها،فهي أن حماس كمنظمة مسلحة لم تظهر للوجود الا في عام 1987 على يد الشيخ أحمد ياسين بعد أنطلاق ما سمي بعد ذلك بالأنتفاضة الفلسطينية الأولى.أي أن حماس تأسست بعد حوالي 40 سنة من الأحتلال الأسرائيلي لمعظم فلسطين، وبعد 20 سنة من أحتلال كامل فلسطين وشطبها من قائمة دول العالم! حماس لم تنشأ في ظل البحبوحة الأقتصادية، والعيش الرغيد للفلسطينيين. ولا في ظل الديموقراطية الوارفة وحقوق الأنسان المتطورة التي وفرتها أسرائيل للفلسطينيين. حماس لم تتأسس بطراً ولم تنمو أشراً. حماس لم تطالب في منهجها التأسيسي بساحات لعب لأطفال فلسطين(رغم أن هذا حقهم الأنساني)،ولم تتبنَ أنشاء متنزهات للفلسطينيين الذين أتخمهم الطعام،و ضاقت عليهم قصورهم، لا الخيام. حماس كان يمكن أن تتوارى في المشهد الخلفي.
استقرار أمني
كما توارى الأخوان المسلمون في البلدان التي تشهد أستقراراً أمنياً وأقتصادياً في المنطقة. حماس ليست نبتاً شيطانياً، ولا كائناً فضائياً، وأنما زرعاً أنتم وأسرائيل من زرعتموه،وبأيديكم وسياساتكم سقيتموه،وهائنتم اليوم تحصدوه! أن ما يمكن أن يقضي على حماس هو الأستقرار لا القلاقل، والأنسانية لا التسافل، والحب لا القنابل،والدولة المستقلة لا الزلازل.