من جميلة الصناعية إلى جميلة التجارية – خليل ابراهيم العبيدي
كانت منطقة جميلة تزخر بمئات المعامل الإنتاجية ، وسميت بالصناعية لكثرة وتنوع الصناعات المحلية ، فقد كانت تشتهر بكثرة معامل الحلويات وصناعة الدبس والمربيات والعديد من مصانع البسكويت والمرطبات ، اضافة الى العديد من مجارش الحبوب وبعض المطاحن ، ومعامل صناعة رقائق البطاطا ( الشبس) وفي جانب آخر كانت بعض قواطعها تعج بمعامل الالمنيوم لصنع الشبابيك والأبواب والكاونترات المنزلية ، ناهيكم عن العديد من المعامل الخاصة بصناعة الابواب الحديدية والسقائف والشبابيك التي كانت تمد السوق العقارية بما تحتاجه الأبنية والعمارات ، وبعض معامل البلاستك بكل أنواعه ،اضافة إلى معامل النجارة وصناعة الاثاث المنزلية . اضافة الى بعض الورش المختلفة لصيانة السيارات وتشترك مع منطقة شارع الشيخ عمر لتصنيع الكثير من البدائل للادوات الاحتياطية للسيارات ، وقد كانت تلك المنطقة تعج بآلاف العمال و الصناعيين المهرة ، وكانت البنايات في الأغلب مصممة لأهداف صناعية ، وكانت بعض جوانبها تضم مخازن الإنتاج المحلي وتقوم بمد السوق بالكثير من الحاجات الأساسية ابأن الحصار أو أنها كانت تلعب دورا اقتصاديا مهما يعتمد على الإنتاج المحلي في ظل اجراءات التأميم لعام 1964 التي وطنت الاقتصاد وساعدت على نمو التصنيع المحلي .
غير أن الانفتاح غير المقيد ، بعد العام 2003 ، وسياسة باب الاستيراد المفتوح دفع بالمنطقة إلى الوراء ، فقد انفتح الاستيراد على كل السلع مما دفع بالانتاج المحلي إلى التراجع التدريجي والتوقف نهائيا مقابل تقدم سريع لانتشار المستورد ليحل بديلا عن المنتج المحلي ، وهكذا بدأت المصانع تغلق أبوابها تباعا ، وتم تشريد عمالها وتعطلت طاقات فنييها ، لا بل تحولت مصانعها إلى مخازن للمستورد وتحول عمالها من الفنيين إلى عتالين لتفريغ وتحميل ما يجود به التجار من مواد مستوردة بغض النظر عن المواصفات العالمية أو المواصلة العراقية أو حتى عدم الاكتراث بقاعدة استعمال المستورد في دولة المنشأ .
أن أكبر خسارة للدول أنها تفقد كفاءة عمالها من الفنيين والحرفيين الذين يلعبون دورا في تقدم الإنتاج عند الشعوب ، والخسارة مضاعفة وهي خسارة مركبة من فقدان الإنتاج إلى خدمة الاستيراد . وهو ما يمكن عده كفرا بابسط مستلزمات علم الاقتصاد .أن المأسوف على دورها الصناعي (جميلة الصناعية) هي واحدة من ضحايا اخطر دروب التخريب الاقتصادي للبلدان وواحدة من أشد فضائح الجهالة بعلم الاقتصاد السياسي.