من الجولان إلى الليطاني: قراءة أكاديمية في حوار عام 1982 – أمل الجبوري

1‭.‬⁠‭ ‬⁠مدخل‭ ‬تاريخي

في‭ ‬عام‭ ‬1982،‭ ‬وفي‭ ‬أوج‭ ‬الاجتياح‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬للبنان‭ ‬ضمن‭ ‬عملية‭ -‬سلامة‭ ‬الجليل‭-‬،‭ ‬نظمت‭ ‬مجلة‭ -‬شؤون‭ ‬عربية‭- ‬ندوة‭ ‬سياسية‭ ‬بعنوان‭ -‬ؤتمرات‭ ‬القمة‭ ‬العربية‭-. ‬شارك‭ ‬في‭ ‬الندوة‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المفكرين‭ ‬والسياسيين‭ ‬والإعلاميين‭ ‬العرب،‭ ‬من‭ ‬بينهم‭ ‬الإعلامي‭ ‬اللبناني‭ ‬ميشيل‭ ‬أبو‭ ‬جودة،‭ ‬رئيس‭ ‬تحرير‭ ‬جريدة‭ ‬النهار،‭ ‬ورئيس‭ ‬وزراء‭ ‬لبنان‭ ‬الاسبق‭  ‬الدكتور‭ ‬أمين‭ ‬الحافظ‭.‬

خلال‭ ‬الحوار،‭ ‬أطلق‭ ‬أبو‭ ‬جودة‭ ‬ملاحظة‭ ‬استراتيجية‭ ‬تنبؤية،‭ ‬قائلاً‭: ‬‮«‬من‭ ‬يضمّ‭ ‬الجولان‭ ‬يمكنه‭ ‬أن‭ ‬يضم‭ ‬الجنوب‭ ‬اللبناني‭ ‬وصولًا‭ ‬إلى‭ ‬نهر‭ ‬الليطاني،‭ ‬على‭ ‬الأقل‮»‬‭. ‬فردّ‭  ‬الدكتور‭ ‬أمين‭ ‬الحافظ‭ ‬قائلاً‭: ‬‮«‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬آتٍ،‭ ‬ولكنه‭ ‬مستأخر‮»‬‭.‬

2‭.‬⁠‭ ‬⁠دلالات‭ ‬الحوار‭ ‬في‭ ‬سياقه‭ ‬الزمني

كان‭ ‬هذا‭ ‬الحوار‭ ‬يجري‭ ‬فيما‭ ‬كانت‭ ‬القوات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬قد‭ ‬اجتازت‭ ‬الحدود‭ ‬اللبنانية‭ ‬واحتلت‭ ‬مساحات‭ ‬واسعة‭ ‬من‭ ‬الجنوب،‭ ‬بل‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬العاصمة‭ ‬بيروت‭. ‬من‭ ‬هنا،‭ ‬فإن‭ ‬كلام‭ ‬أبو‭ ‬جودة‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬مجرد‭ ‬تنبؤ،‭ ‬بل‭ ‬قراءة‭ ‬لواقع‭ ‬جيو‭-‬استراتيجي‭ ‬قائم،‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬الجولان‭ (‬1967‭) ‬ليست‭ ‬سوى‭ ‬خطوة‭ ‬في‭ ‬مشروع‭ ‬أوسع‭ ‬يستهدف‭ ‬الموارد‭ ‬المائية‭ ‬والبنى‭ ‬الجغرافية‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬في‭ ‬المنطقة،‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتها‭ ‬نهر‭ ‬الليطاني‭.‬

أما‭ ‬رد‭ ‬الحافظ،‭ ‬فكان‭ ‬يعكس‭ ‬قناعة‭ ‬بأن‭ ‬هذا‭ ‬التمدد‭ ‬قادم‭ ‬لا‭ ‬محالة،‭ ‬ولكن‭ ‬بوتيرة‭ ‬يحددها‭ ‬التخطيط‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬طويل‭ ‬المدى‭ ‬المدعوم‭ ‬من‭ ‬القوة‭ ‬العسكرية‭ ‬والدعم‭ ‬الغربي‭.‬

3‭.‬⁠‭ ‬⁠من‭ ‬وقائع‭ ‬1982‭ ‬إلى‭ ‬واقع‭ ‬2025

بعد‭ ‬أربعة‭ ‬عقود،‭ ‬نرى‭ ‬بوضوح‭ ‬مسار‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭. ‬فقد‭ ‬ظل‭ ‬الجنوب‭ ‬اللبناني‭ ‬ساحة‭ ‬مواجهة‭ ‬مفتوحة‭ ‬حتى‭ ‬التحرير‭ ‬عام‭ ‬2000،‭ ‬ثم‭ ‬شهد‭ ‬حرب‭ ‬يوليو‭/‬تموز‭ ‬2006،‭ ‬وصولًا‭ ‬إلى‭ ‬الأحداث‭ ‬الأخيرة‭ ‬في‭ ‬2024‭ ‬بعد‭ ‬مقتل‭ ‬حسن‭ ‬نصر‭ ‬الله،‭ ‬حين‭ ‬احتلت‭ ‬إسرائيل‭ ‬مجددًا‭ ‬أجزاء‭ ‬واسعة‭ ‬من‭ ‬الجنوب،‭ ‬ووسّعت‭ ‬عملياتها‭ ‬داخل‭ ‬الأراضي‭ ‬السورية‭.‬

وفي‭ ‬موازاة‭ ‬ذلك،‭ ‬يصرح‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬بنيامين‭ ‬نتنياهو‭ ‬في‭ ‬2025‭ ‬أن‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬غزة‭ ‬‮«‬مهمة‭ ‬تاريخية‭ ‬وروحية‮»‬‭ ‬لتحقيق‭ ‬حلم‭ -‬إسرائيل‭ ‬الكبرى‭-‬،‭ ‬وهو‭ ‬الشعار‭ ‬الذي‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬الجذور‭ ‬الأيديولوجية‭ ‬للحركة‭ ‬الصهيونية‭ ‬منذ‭ ‬بداياتها،‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬أطروحات‭ ‬الصهيونية‭ ‬التنقيحية‭ ‬لفلاديمير‭ ‬جابوتنسكي‭.‬

4‭.‬⁠‭ ‬⁠تفكيك‭ ‬السردية‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬المعاصرة

على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬الخطاب‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬الذي‭ ‬يسوّق‭ ‬الصراع‭ ‬على‭ ‬أنه‭ ‬ضد‭ -‬حركات‭ ‬متطرفة‭- ‬كحماس،‭ ‬فإن‭ ‬خط‭ ‬سير‭ ‬الأحداث‭ ‬منذ‭ ‬1982‭ ‬يبرهن‭ ‬أن‭ ‬الهدف‭ ‬يتجاوز‭ ‬التنظيمات‭ ‬المسلحة‭ ‬إلى‭ ‬إعادة‭ ‬تشكيل‭ ‬الخريطة‭ ‬الجغرافية‭ ‬والديموغرافية‭ ‬للمنطقة،‭ ‬وفق‭ ‬منطق‭ ‬استعماري‭-‬استيطاني‭ ‬يدمج‭ ‬البعد‭ ‬الأيديولوجي‭ (‬الحق‭ ‬الديني‭/‬التاريخي‭) ‬مع‭ ‬البعد‭ ‬الاستراتيجي‭ (‬الأمن‭ ‬والموارد‭).‬

5‭.‬⁠‭ ‬⁠أهمية‭ ‬استعادة‭ ‬الذاكرة‭ ‬التاريخية

إن‭ ‬استعادة‭ ‬هذا‭ ‬الحوار‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬1982‭ ‬تذكير‭ ‬بأن‭ ‬المؤشرات‭ ‬على‭ ‬المشروع‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬كانت‭ ‬جلية،‭ ‬وأن‭ ‬الإخفاق‭ ‬العربي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬في‭ ‬غياب‭ ‬التحذيرات،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬العجز‭ ‬عن‭ ‬تحويل‭ ‬هذه‭ ‬التحذيرات‭ ‬إلى‭ ‬سياسات‭ ‬دفاعية‭ ‬واستراتيجية‭ ‬فعّالة‭. ‬وقد‭ ‬أشار‭ ‬المشاركون‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الندوة،‭ ‬كما‭ ‬يظهر‭ ‬في‭ ‬النصوص‭ ‬الموثقة،‭ ‬إلى‭ ‬أزمة‭ ‬البيروقراطية‭ ‬والشلل‭ ‬المؤسسي‭ ‬في‭ ‬القمم‭ ‬العربية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬جعل‭ ‬رد‭ ‬الفعل‭ ‬العربي‭ ‬هشًا‭ ‬أمام‭ ‬خصم‭ ‬يمتلك‭ ‬رؤية‭ ‬واضحة‭ ‬وصبرًا‭ ‬استراتيجياً‭.‬

‭ ‬وبين‭ ‬عام‭ ‬1982‭ ‬واليوم،‭ ‬يتأكد‭ ‬أن‭ ‬الصراع‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬يومًا‭ ‬نزاعًا‭ ‬حدوديًا‭ ‬محدودًا،‭ ‬بل‭ ‬مشروعًا‭ ‬تاريخيًا‭ ‬لإعادة‭ ‬رسم‭ ‬الجغرافيا‭ ‬السياسية‭ ‬للشرق‭ ‬الأوسط‭. ‬ومن‭ ‬هنا،‭ ‬فإن‭ ‬إعادة‭ ‬قراءة‭ ‬تلك‭ ‬الحوارات‭ ‬القديمة‭ ‬ليست‭ ‬مجرد‭ ‬تمرين‭ ‬بحثي‭ ‬ورفاهية‭ ‬اكاديمية‭ ‬،‭ ‬بل‭ ‬أداة‭ ‬لفهم‭ ‬حاضرنا‭ ‬وبناء‭ ‬استراتيجيات‭ ‬مستقبلية‭ ‬تتجاوز‭ ‬رد‭ ‬الفعل‭ ‬الآني‭ ‬إلى‭ ‬الفعل‭ ‬الاستباقي

مشاركة