من أين ظهر هذا التنين؟

من أين ظهر هذا التنين؟

عبد الحسين شعبان

هذا هو العالم العربي الذي منذ أن يستيقظ فيه الإنسان وحتى يأوي إلى فراشه ليلاً يسمع أخبار المفخخات وأنباء التفجيرات وحكايات عن قطع الرؤوس، وقبل ذلك تجتاحه سيول وأمطار من أفكار وفتاوى تحمل معها أنواع التأثيم والتجريم والتحريم وغيرها، بالتحريض على القتل أو تشريعه!

كل ذلك يتم باسم الدين، أحقاً هذا هو الإسلام، أم محاولة لمصاصي الدماء وحاملي السيوف وواضعي الأحزمة الناسفة والانتحاريين، للعودة بنا إلى ما قبل التاريخ، خصوصاً حينما يواجه التخلف صدمة الحضارة  ومأزق انفجار الثورة العلمية – التقنية التي شهدت في مرحلتها الأخيرة تطوّراً هائلاً في عالم المواصلات والاتصالات، وطفرة رقمية لها لما يعرف بالديجيتل، ناهيكم عن تكنولوجيا المعلومات والإعلام التي تتطور بسرعة خاطفة.

لماذا يُراد إفراغ الإسلام وهو دين سماحة واعتدال وتواصي وتآزر ورحمة ومودة وتكريم للإنسان، من محتواه وتحويله إلى مجرد تعاويذ أو أدعية أو خزعبلات تقصف العقول وتحاول ضخ الأدمغة بالأفكار التي تزرع الكراهية والحقد وتشجع على العنف والارهاب، ولعلّ لا همّ لبعض القوى المتأسلمة سوى العودة إلى القرون الوسطى، بل إلى عهود الجاهلية السوداء بذرائع مختلفة، من قندهار إلى بغداد.

لماذا إذاً يضرب لبنان كل أسبوع أو اسبوعين، بتفجير هنا وآخر هناك، ولماذا يستمر القتل والنزوح والهجرة واللجوء من سوريا، ويستمر مسلسل العنف في العراق، ابتداءً من بغداد ووصولاً إلى الموصل، مروراً بالفلوجة والرمادي وصلاح الدين وتعريجاً على كركوك وتوزخورماتو وديالى، إذ لا يمرّ يوم الاّ وتزداد خارطة الدم اتساعاً وقتامة ، وهكذا هو الحال في مصر التي أخذت التفجيرات تنتقل من سيناء إلى وسط القاهرة ومن السويس إلى الاسكندرية، على الرغم من محاولة إسدال صفحة جديدة على التطور السياسي في البلاد بالاستفتاء على الدستور الجديد، وشهدت ليبيا تفجيرات واختطاف دبلوماسيين واحتجاز رئيس الوزراء وقتل عسكريين وضباط ومسؤولين أمنيين، هم من يحمي المواطن، فكيف إذا كانوا هم أنفسهم غير محميين؟ كما ارتفعت وتيرة العنف في اليمن التي كان آخرها مقتل ممثل الحوثيين في مؤتمر الحوار الوطني الدكتور أحمد شرف الدين وعشية التوقيع على وثيقة الحوار التاريخية التي ستعيد تأسيس اليمن كدولة اتحادية وعلى أساس توافق وطني سلمي، بنجاح المبادرة الخليجية.

وفي تونس وعلى الرغم من النجاح الذي تحقق بإعداد  دستور عصري لدولة مدنية وعلى أساس توافق وطني، فإن يد الاغتيال السياسي لا تزال ممدودة والعبث بأمن البلاد مستمر، باستهداف معارضين وقيادات مدنية أو ضباط ورجال شرطة وغيرهم ممن هم مكلّفين بحماية الأمن.

أما في سوريا فإن العنف ضرب البلاد في الصميم ويستمر مسلسل الموت ومشهد الضحايا، قتلى ونازحون ولاجئون ومحاصرون، والكل يدفع الثمن. وعلى الرغم من انعقاد جنيف 1 والاتفاق على مشروع لنقل السلطة وتشكيل هيئة انتقالية ومن ثم جنيف 2، فإن الحلّ لا يزال مستعصياً، وليس هناك في الأفق من إمكانية لتسوية تاريخية، خصوصاً وقد بدت المسألة السورية وكأنها مصارعة على الطريقة الرومانية التي لن تنتهي الاّ بوصول الطرفين إلى حافة الموت، بعد إرهاق وإعياء وانسحاق.

وغالباً ما يتم السؤال لماذا في البلدان العربية وبعض البلدان الإسلامية يتم كل ذلك؟ ولمصلحة من؟ ومن هي القوى التي بإمكانها القيام بذات الدور في جميع هذه البلدان، وبنفس الأساليب أحياناً؟ وهل بمقدور تنظيم مثل القاعدة أو ” داعش” أو غيرهما من الجماعات الارهابية القيام بكل ذلك دون أن تخضع للردع الحقيقي، وليس لمطاردات بعضها يبدو وكأنه أقرب إلى فيلم يظهر فيه ” البطل” ويختفي ليظهر فجأة في مكان آخر، وهكذا تنتقل هذه المجموعات الإرهابية من مكان إلى آخر.الجهة ذاتها التي تضرب في القاهرة وفي كراتشي ونيودلهي، مثلما في سامراء أو الفلوجة أو تلعفر أو البصرة أو الحلة، وهي ذاتها التي تصل إلى فولغوغراد، وهي ذاتها التي تنتقل إلى حلب وإلى صحراء الأنبار مثلما تتحرك من المغرب العربي وإليه، ومعها كل هذا السلاح وأنواع من جواز السفر وكميات لا حدود لها من النقود، وتسير مثل الوباء دون أن توقفه حدود أو مخافر.

 وقد أصبح كل ما يقوم به الارهاب الدولي، يتخذ من تنظيم القاعدة مرجعية أو غطاءً، حتى وإن كان في هيكلية أخرى وإسماً آخر، بتنسيق أو دون تنسيق، لكن من المهم توظيف ذلك لخلق نوع من الكاريزما الإرهابية على العمل الذي تقوم به، وهو ما كان معتمداً من جانب تنظيم القاعدة الأول الذي أسسه أسامة بن لادن، وليس بمعزل عن معرفة تفاصيل ذلك من جانب الأجهزة الاستخبارية الأمريكية أيام محاربة الشيوعية في أفغانستان، ومواجهة الاحتلال السوفييتي، حيث أخذت الخيوط تتشابك اليوم لدرجة الاندغام.

إنه نوع من الكوندومينيوم السرّي المتصل بين عواصم متباعدة وبظروف تاريخية مختلفة، فكيف تمرّ قوافل الارهابيين دون اعتراض، وتدخل هذا البلد أو ذاك وكأنها فاتحة أو ذاهبة إلى نزهة، ولاسيّما باستمرار غسل الأدمغة والعقول وحشوها بكل ما له علاقة بالتعصب والتطرف والغلو، وإلغاء الآخر أو استئصاله أو تهميشه، بمن فيهم بعض من عاش في الغرب، وبعضهم ولد فيه؟ ثم كيف يتم نقل الأسلحة وتدويرها من وإلى تونس وموريتانيا والجزائر والمغرب وليبيا ومصر ولبنان وسوريا والعراق واليمن وأفغانستان وباكستان، دون أن ننسى مالي وتشاد والصومال، وكذلك بعض دول الخليج؟.

لعلّها خارطة واسعة لحركة تتخذ من الإسلام ” عنواناً” حتى إن جاءت بصيغ وأسماء مختلفة، بعيداً عن قيم الإسلام ومثله العليا، فلا يمكن لغاية شريفة اتباع وسيلة غير شريفة، سواء ارتدت عباءة الإسلام السياسي أو اختفت وراء شعاراته حتى إن كانت تفسيراتها إلى عصور الظلام .

 {باحث ومفكر عربي