من أمن العقاب أساء للوطن – علي الشكري
يعد انعقاد اجتماع الجمعية العامة للأم المتحدة هذا العام حدث استثنائي ، اذا يتزامن هذا الانعقاد مع الاحتفال بالذكرى الثمانين لتأسيسالأمم المتحدة سنة 1945 ، كما يأتي الالتئام في ظل اعتراف دولي واسع بدولة فلسطين من قبل دول سعت وعمل وأسست لتشييد الكيانالغاصب وفي مقدمتها بريطانيا ، بعد أن زبدت ورعدت وعارضت قوى كبرى هذا الاعتراف ، بل حبس البعض أنفاسه بانتظار الرد الأمريكيالصهيوني على هذه الخطوة المتقدمة التي وصفها نتنياهو بأنها طعنة بظهر كيانهم الغاصب ، فليس من اليسير على دول وحكومات وقوىمهدت لاغتصاب أرض وتشريد شعب وقتل أبرياء أن تعترف بحق من تآمرت عليه ، في إعادة تشييد كيانه والوقوف دولة مستقلة عضو فيالمجتمع والمنتظم الدولي . وشهدت الجلسة الافتتاحية كلمة الرئيس الامريكي التي لم تخلو من الهزل حيث انتقد وهاجم وتهكم بالامم المتحدةمتهماً إياها بالعجز والإخفاق في حل النزاعات المسلحة ، بل وفشلها في إدارة شؤونها الداخلية ، بعد أن تعطل به السلم الكهربائي وتوقفجهاز التلقين فجأة وهو يشرع بإلقاء كلمته ، وبين امتداح وذم ومهادنة ومهاجمة للبرازيل التي بدأت أعمال الجمعية بكلمة رئيسها ، راحالرئيس الامريكي يهدد ويتوعد وينذر الجمهورية الاسلامية الايرانية ، بعد أن ذكّر أنه من أوقف حربها مع إسرائيل بعد أن قصفت المقاتلاتالامريكية المنشآت النووية الايرانية ، ثم عاد ليُذّكر أن التغير المناخي كذبة صدقها المجتمع الدولي وأن الطاقة المتجددة خدعة اريد بهاالاطاحة بالوقود التقليدي الاحفوري ، كل هذه الاحداث وأخرى غيرها لم تلفت نظر النخب ومن يدعي التخصص الاعلامي لكن ما لفته صورةالمصافحة بين الرئيسين العراقي والامريكي فتحول المتخصص الاعلامي الى متخصص بلغة الجسد فحلل المسافة بين الرجلين وابتسامتهماوامتداد اليدين فتوصل الى عدم ودية اللقاء وهيمنة التشنج على المشهد ، دون أن يشاهد المتخصص بلغة الجسد كلمة العراق أو يعلق علىمضامينها أو حتى يبدي الملاحظات على ما ورد فيها سلباً أو إيجاباً ، وبالقطع أن ما انتهينا اليه لا يخرج عن انفلات اعلامي وغياب للرادعالوطني وكراهية للمتصدي بحق أو باطل وغالباً بالباطل . ودون تردد أقول أن كلمة العراق هذا العام كانت واحدة من أبرز الكلمات التي ألقيتفي الجمعية العامة ، إذ كانت واضحة في مضامينها ، حدية بمواقفها ، شاملة بمحتواها ، مؤكدة على أن العراق في قلب الحدث ولن يغيبوإن حرص البعض ، فقد تنقلت الكلمة بين حرص العراق على الوقف الى جانب الشعب الفلسطيني والتنديد بالعدوان عليه ، وحرصه علىعدم التدخل بشؤون جيرانه مثلما يرفض التدخل بشؤونه ، وعرجت الكلمة على التنمية والتطور الذي يشهده العراق ، ووحدة سلطاته وتجديفهاباتجاه واحد ، كما أكدت على أن العراق بانتظار استحقاق انتخابي مفصلي قادم سيقام بموعده وإن حرص البعض على التضليل ، هذهالمضامين وأخرى غيرها لم تجذب المحلل بلغة الجسد ، لكن ما جذبه المصافحة وطريقتها والمسافة وامتداد اليدين ، واللافت أكثر التعتيمالاعلامي المحلي لكلمة العراق في وقت كان المتوقع فيه والمأمول تغطية الخطاب بما يستحق من مساحة وطنية ، بلحاظ الشمولية والقطع بمواقف العراق الجادة وكونه الحاضر الحي وإن حرص البعض على تغييبه ، في وقت غطا فيه الاعلام العربي كلمات وفوده على نحو واسعوأضاف لها محلليه السياسيين والاعلاميين ما لم تتضمن ، بل راح يزين ويُبرز ويُناقش ويستنطق مضامينها ومكنوناتها ، ويقيناً أن ما فعلهالاعلام والمحلل الاجنبي لا يخرج عن تشبث بالارض والتصاق بالوطن ، فالحكام والمتصدين الى زوال والوطن باق ، وعلى من يتصدى لرسالةالوطن أن يعي هذه الحقيقة ويُفعّل العموميات والمبادئ ويغادر الجزئيات والاعتبارات الشخصية ، وهذا المعيار هو الفيصل بين الوطني وغيره.