من أليندي الساعدي إلى إهتزاز شاكيرا- عادل سعد
يظل صديقي الانتيكة البشرية اليسارية العراقية المعروفة ( ابو نصير ) واحداً من المصادر الموثوقة لتدوين التارخ السياسي العراقي ، يملك وقائع ومعلومات كثيرة عما جرى في البلاد وهو قارئ نشط للعديد من امهات الكتب الفكرية والاقتصادية والاجتماعية ومتتبع لقضايا تتناول اشكاليات الثقافة والتسامح والتفاطن وكلمة امام حاكمٍ جائرٍ. لقد جعله هذا الخزين المعرفي بمسؤواية حارس عتيق لا تستوقفه في السرد لومة لائم ، لذلك اعتقده في بعض الاحيان حارس غابة اثقلته وحشيتها واضناه التأمل وكثرة الاساءات التي طالت العراقيين
لقد اصبحنا رفاق النزهة الاسبوعية يوم الجمعة في شارع المتنبي ومن ثم الرسو بالميناء التقليدي ، أعني مقهى حافظ الحريص اشد الحرص على مخاطبتنا بلقب الاجداد الميامين في أطلالة دبلوماسية مهذبة لا غبار عليها .
اغلب مضمون الخلاصة الاسبوعية لمنصتنا الحوارية ، ،تطويحات المشهد السياسي العراقي ،الغلمنة التي تحكمه ،قوائم الفساد ،مزيج الصبر والقوة والضحك على الذقن الامريكي عند الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ،صالونات الحلاقة السياسية الامريكية ، ولكن يتخلل هذه الخلاصات فائض قيمة من الزمن الشعري العراقي والابوذيات وطرائف ايحائية عن ازمنة الرجولة واختفاء عيون المهى في بغداد هذه الايام تحت وطأة اكسسوارات الزينة التايلندية الرخيصة ،وفي احيانٍ يتم تطعيم الاحاديث بمواضيع ذات دلالات عن بعض اختصاصات الشعب العراقي في متابعة احداث وشخصيات عربية واجنبية عديدة ،بل يتحول هذا العشق الى ولهٍ
صدمة خروشيف ، موت جمال عبد الناصر ، رحيل عبدالحليم حافظ بتاثيرات مرض البلهارزيا الذي اصابه في طفولته عندما كان يتخذ من الترع المائية مسابح له ،ام كلثوم بمنديلها وهي تحرك مستمعيها اهاتاً وعتاباً وشكاوى مريرة عن الغدر والمغالبة والتأنيب . تفكك الاتحاد السوفيتي هزيمة الامريكيين في ڤيتنام وافغانستان ، ضريبة الحوار المدني ،وتكلسات الذهن السياسي ، (بسطيات) التيارات السياسية بأجنحة طائفية ،معادلات الحلال والحرام .
رصيد ماركسي
من التواريخ التي احتلت الصدارة في ذاكرة ابو نصيروقفة الطبيب صاحب الرصيد الماركسي الرئيس التشيلي أليندي على ابواب القصر الرئاسي بكل كبرياء حين واجه انقلاب قاده الجنرال بينوشيه بتخطيط المخابرات المركزية الأمريكية في الحادي عشر من ايلول عام 1973
ما يحسب من بطولةٍ أليندي ، أنه رفض مغادرة مقره الرئاسي في العاصة سانتياغو ، وظل يقاتل الانقلابيين رافضاً أية مساومات قدمت له من اجل ضمان حياته الشخصية ، واذا كان مصرعه قد خيمَّ على العديد من مناطق العالم فان حزن عراقيين عليه كان حزنا متطرفاً ،ومن الطريف المر ، ان يسارياً في العمارة أعلن في بيته الحداد على أليندي يوم مقتله وعندما استفسرت منه زوجته الريفية البسيطة عن سبب حزنه قال لها (قتلوا اليندي) فسالته بعفوية (اليندي من يا سواعد) كانت زوجته المسكينة تعتقد ان المقتول من رجال احدى فروع عشيرة السواعد .
الخلاصة ،لا حدود للحضور الانساني والسياسي العالمي في الذاكرة العراقية ، هناك الاف من العراقيين ان لم نقل ملايين يمتلكون انعطافات غاية في العمق مع شخصيات غير عراقية ، وعليك ان لاتستغرب اذا دخلت منزلَ عراقيٍ وتجده قد علّق صورشخصيات عربية واجنبية يكنَّ لها الولاء والاعجاب الى جانب صور شخصيات عراقية أودعت قيمها في ضمائر الناس
لا تستغرب اذا وجدت على جدران منازل عراقية صور لينين ونهرو وعبد الناصر وكاسترو وجيفارا ومانديلا ، وام كلثوم وفيروز وغيرهم ضيوفاً محاطين بالمزيد من الرعاية وقاىمة من المعلومات عن الشكيمة والحكمة والصفح والمواظبة على مشاريع بنيوية لخدمة الاوطان والتصدي للترهل والانغلاق والبؤس .
الموسف الان ، ان خلاصات جديدة لهذا الولع العراقي بدأت تحكم المشهد العام ،لقد اخذ الاهتمام بالشخصيات الوازنة ينحسر ليحل محله ولع مطارحة المضامين الهابطة وفشارالليدي غاغا وفضائح اهتزاز شاكيرا وحســـنات الهمبركر .