منى زكي تعاني رهبة أداء دور أم كلثوم

مراكش‭ (‬المغرب‭) (‬أ‭ ‬ف‭ ‬ب‭) – ‬يشكل‭ ‬أداء‭ ‬شخصية‭ ‬أم‭ ‬كلثوم،‭ ‬بما‭ ‬تختزنه‭ ‬من‭ ‬قيمة‭ ‬فنية‭ ‬وتاريخية‭ ‬ووجدانية‭ ‬عند‭ ‬أجيال‭ ‬متعاقبة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي،‭ ‬تحديا‭ ‬كبيرا‭ ‬تطلّب‭ ‬من‭ ‬الممثلة‭ ‬المصريّة‭ ‬منى‭ ‬زكي‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬من‭ ‬التحضير‭.‬

وتقول‭ ‬منى‭ ‬زكي‭ ‬في‭ ‬حوار‭ ‬مع‭ ‬وكالة‭ ‬فرانس‭ ‬برس،‭ ‬على‭ ‬هامش‭ ‬عرض‭ ‬فيلم‭ “‬الستّ‭” ‬لمروان‭ ‬حامد‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬خلال‭ ‬مهرجان‭ ‬مراكش‭ ‬الدولي‭ ‬للفيلم‭ ‬الأربعاء،‭ “‬في‭ ‬البداية‭ ‬كنت‭ ‬خائفة‭ ‬جدا‭ ‬ولم‭ ‬أكن‭ ‬أعرف‭ ‬من‭ ‬أين‭ ‬أبدأ‭”.‬

وتروي‭ ‬أنها‭ ‬أمضت‭ ‬عاما‭ ‬وثلاثة‭ ‬أشهر‭ ‬في‭ ‬التحضير‭ ‬لأداء‭ ‬هذا‭ ‬الدور،‭ ‬بمساعدة‭ ‬مدربين‭ ‬متخصصين‭ ‬في‭ ‬الصوت‭ ‬والغناء‭ ‬والتموضع‭ ‬والفنون‭ ‬المسرحية‭.‬

ولا‭ ‬تؤدي‭ ‬منى‭ ‬زكي‭ ‬بصوتها‭ ‬أغاني‭ ‬أم‭ ‬كلثوم‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الفيلم،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬اضطرت‭ ‬للتدرب‭ ‬على‭ ‬نبرات‭ ‬صوتية‭ ‬مختلفة‭ ‬لتحاكي‭ ‬صوت‭ ‬المطربة‭ ‬الأشهر‭ ‬على‭ ‬الإطلاق‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬الغناء‭ ‬العربي‭.‬

ويسعى‭ ‬مروان‭ ‬حامد‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬فيلم‭ “‬الست‭” ‬إلى‭ ‬استكشاف‭ ‬الملحمة‭ “‬الاستثنائية‭” ‬لكوكب‭ ‬الشرق،‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬لوكالة‭ ‬فرانس‭ ‬برس‭. ‬ويصور‭ ‬الفيلم‭ ‬سيرة‭ ‬حياتها‭ “‬بصفتها‭ ‬مغنية‭ ‬ولكن‭ ‬أيضا‭ ‬بوصفها‭ ‬امرأة‭ ‬مؤثرة‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ (…) ‬مسيرتها‭ ‬مدهشة‭ ‬وتتضمن‭ ‬كل‭ ‬العوامل‭ ‬اللازمة‭ ‬لإبداع‭ ‬قصة‭ ‬فريدة‭”‬،‭ ‬كما‭ ‬يضيف‭.‬

ويتابع‭ “‬أعتقد‭ ‬أنها‭ ‬ما‭ ‬تزال‭ ‬حية‭ ‬بيننا‭ ‬بعد‭ ‬خمسين‭ ‬عاما‭ ‬على‭ ‬رحيلها،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬صوتها‭ ‬ولكن‭ ‬أيضا‭ ‬بفضل‭ ‬ما‭ ‬حمله‭ ‬هذا‭ ‬الصوت‭ ‬للناس‭”.‬

تركت‭ ‬أغاني‭ ‬أم‭ ‬كلثوم‭ ‬بصمة‭ ‬في‭ ‬وجدان‭ ‬عشاقها‭ ‬على‭ ‬امتداد‭ ‬العالم‭ ‬العربي،‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬حياتها‭ ‬أو‭ ‬بعد‭ ‬رحيلها‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1975‭. ‬وإضافة‭ ‬إلى‭ ‬أغانيها‭ ‬العاطفية‭ ‬التي‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬تتردّد‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان،‭ ‬قدّمت‭ ‬أغاني‭ ‬دينية‭ ‬وأخرى‭ ‬وطنية‭ ‬واكبت‭ ‬فيها‭ ‬أبرز‭ ‬محطات‭ ‬تاريخ‭ ‬مصر‭ ‬والمنطقة‭ ‬الحافل‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭.‬

وتصفها‭ ‬منى‭ ‬زكي‭ ‬بكونها‭ “‬صوت‭ ‬الشعب‭ ‬العربي‭ ‬وليس‭ ‬فقط‭ ‬المصري،‭ ‬صوت‭ ‬القوة‭ ‬والأمل‭ ‬والصمود‭”.‬

يعود‭ ‬شريط‭ “‬الست‭”‬،‭ ‬وهو‭ ‬الفيلم‭ ‬الثامن‭ ‬في‭ ‬مسيرة‭ ‬مروان‭ ‬حامد،‭ ‬إلى‭ ‬عدة‭ ‬مراحل‭ ‬محورية‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬أم‭ ‬كلثوم‭ ‬بدءا‭ ‬من‭ ‬طفولتها‭ ‬وحتى‭ ‬بروزها‭ ‬الفني‭.‬

ولم‭ ‬يكشف‭ ‬بعد‭ ‬عن‭ ‬موعد‭ ‬عرضه‭ ‬في‭ ‬القاعات‭.‬

تظهر‭ ‬أولى‭ ‬لقطات‭ “‬الست‭” ‬مشاهد‭ ‬من‭ ‬سهرتين‭ ‬راسختين‭ ‬في‭ ‬مسيرتها‭ ‬أحيتهما‭ ‬بمسرح‭ ‬الأولمبيا‭ ‬في‭ ‬باريس‭ ‬في‭ ‬تشرين‭ ‬الثاني‭/‬نوفمبر‭ ‬1967،‭ ‬أشهرا‭ ‬قليلة‭ ‬بعد‭ ‬هزيمة‭ ‬مصر‭ ‬وعدد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬أمام‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬الأيام‭ ‬الستة‭.‬

من‭ ‬ضمن‭ ‬تلك‭ ‬المشاهد‭ ‬يستعيد‭ ‬الفليم‭ ‬جانبا‭ ‬من‭ ‬التناغم‭ ‬العميق‭ ‬بين‭ ‬أم‭ ‬كلثوم‭ ‬وجمهورها،‭ ‬مصورا‭ ‬أحد‭ ‬المستمعين‭ ‬وهو‭ ‬يرتمي‭ ‬عند‭ ‬قدميها‭ ‬فوق‭ ‬خشبة‭ ‬المسرح‭ ‬وقد‭ ‬فقد‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬نفسه،‭ ‬بينما‭ ‬كانت‭ ‬تردد‭ ‬أبيات‭ ‬أغنية‭ “‬أنت‭ ‬عمري‭”. ‬ترحل‭ ‬كاميرا‭ ‬مروان‭ ‬حامد‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬إلى‭ ‬دلتا‭ ‬النيل‭ ‬حيث‭ ‬أبصرت‭ ‬أم‭ ‬كلثوم‭ ‬النور‭ ‬في‭ ‬العام‭ ‬1898،‭ ‬في‭ ‬كنف‭ ‬عائلة‭ ‬متواضعة‭ ‬الحال‭.‬

في‭ ‬ريف‭ ‬مصر‭ ‬خطت‭ ‬سومة،‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬يلقبها‭ ‬مقربوها‭ ‬وجمهورها،‭ ‬خطواتها‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬درب‭ ‬الغناء‭.‬

وكانت‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المرحلة‭ ‬مرفوقة‭ ‬دائما‭ ‬بوالدها،‭ ‬وهو‭ ‬إمام‭ ‬مسجد‭ ‬أدرك‭ ‬موهبتها‭ ‬منذ‭ ‬البداية،‭ ‬إذ‭ ‬كانت‭ ‬تلقي‭ ‬أناشيد‭ ‬في‭ ‬المناسبات‭ ‬الدينية،‭ ‬لكن‭ ‬متنكرة‭ ‬في‭ ‬ثياب‭ ‬فتى‭ ‬مراعاة‭ ‬للأعراف‭ ‬الاجتماعية‭ ‬المحافظة‭.‬

يعلق‭ ‬حامد‭ ‬مذكرا‭ ‬بأن‭ “‬الصعوبات‭ ‬والعقبات‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬ينبغي‭ ‬التغلب‭ ‬عليها،‭ ‬وأيضا‭ ‬قدرتها‭ ‬وقوتها،‭ ‬كانت‭ ‬كلها‭ ‬مذهلة‭”.‬

ينتقل‭ ‬الفيلم‭ ‬بعدها‭ ‬إلى‭ ‬القاهرة‭ ‬حيث‭ ‬انطلقت‭ ‬فعليا‭ ‬رحلة‭ ‬أم‭ ‬كلثوم‭ ‬الفنية‭ ‬أواخر‭ ‬عشرينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تتجاوز‭ ‬حدود‭ ‬بلدها‭ ‬وتنجح‭ ‬في‭ ‬تخليد‭ ‬اسمها‭.‬

تتفق‭ ‬منى‭ ‬زكي‭ ‬ومروان‭ ‬حامد‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬حساسية‭ ‬أم‭ ‬كثلوم‭ ‬الإنسانية‭ ‬كانت‭ ‬أكثر‭ ‬ما‭ ‬أثر‭ ‬فيهما،‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬التجربة‭.‬

يوضح‭ ‬المخرج‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصدد‭ “‬عندما‭ ‬ننظر‭ ‬إليها‭ ‬على‭ ‬المسرح‭ ‬نرى‭ ‬فيها‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬القوة،‭ ‬لكن‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الهشاشة‭ ‬خلف‭” ‬هذه‭ ‬الصورة‭.‬

وتستطرد‭ ‬منى‭ ‬زكي‭ “‬لقد‭ ‬أثرت‭ ‬في‭ ‬شخصيا،‭ ‬علمتني‭ ‬درسا‭ ‬بليغا‭ ‬على‭ ‬المستويين‭ ‬الإنساني‭ ‬والفني‭”.‬

رغم‭ ‬التحولات‭ ‬الكثيرة‭ ‬التي‭ ‬شهدتها‭ ‬الموسيقى‭ ‬والغناء‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬البلدان‭ ‬العربية‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬العقود‭ ‬الماضية‭ ‬ما‭ ‬يزال‭ ‬إرث‭ ‬أم‭ ‬كلثوم‭ ‬حاضرا‭ ‬بقوة،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬صوتها‭ ‬الاستثنائي‭ ‬وبلاغة‭ ‬القصائد‭ ‬التي‭ ‬تغنت‭ ‬بالحب‭ ‬أو‭ ‬اليأس‭ ‬والشوق‭… ‬بألحانها‭ ‬المبهرة‭.‬

يرى‭ ‬حامد‭ ‬أن‭ ‬مسيرتها‭ “‬لم‭ ‬تكن‭ ‬سهلة،‭ ‬فقد‭ ‬نجحت‭ ‬في‭ ‬فرض‭ ‬اختياراتها‭ ‬على‭ ‬الجمهور‭ ‬ولم‭ ‬تتبع‭ ‬أبدا‭ ‬التيار‭ ‬السائد‭”.‬

ويختم‭ ‬معتبرا‭ ‬أن‭ ‬فيلم‭ “‬الست‭” ‬هو‭ ‬طريقته‭ “‬للاحتفاء‭ ‬بإرثها‭ ‬ولفهم‭ ‬كيف‭ ‬أبدعت‭ ‬ما‭ ‬أبدعت‭”‬،‭ “‬أعتقد‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬بالضبط‭ ‬هو‭ ‬مصدر‭ ‬الإلهام‭ ‬الحقيقي‭” ‬لديها‭.‬

مشاركة