منظمات تتهم الرئيس التونسي بتقويض الانتقال الديمقراطي

© AFP الرئيس التونسي قيس سعيّد يتحدّث خلال الانتخابات النيابية في محافظة أريانة في 24 كانون الأول/ديسمبر 2024
© ا ف ب/ارشيف فتحي بلعيد

باريس (فرنسا) (أ ف ب) – بعد نحو 15 عاما على سقوط المستبد التونسي زين العابدين بن علي، يؤكد محللون ومنظمات غير حكومية أن الرئيس قيس سعيّد يُقوّض التحول الديموقراطي في ظل سجن معارضين بارزين وحملة قضائية واسعة ضد الأصوات المنتقدة.

منذ تفرّد سعيّد بالسلطة في 25 تموز/يوليو 2021 حين أعلن اتخاذ “تدابير استثنائية” منحته كامل الصلاحيات التنفيذية والتشريعية، تعرب المعارضة والمجتمع المدني عن استيائهما من تراجع الحقوق والحريات في البلد الذي كان مهد ما يسمى الربيع العربي.

ويقول الباحث في مركز كارنيغي الشرق الأوسط حمزة المؤدب المحكوم هو نفسه غيابيا بالسجن 33 عاما في قضية “التآمر على أمن الدولة”، لوكالة فرانس برس “لسوء الحظ، انتقلنا من ديموقراطية مختلة إلى نظام تسلطي مختل بالقدر نفسه”.

في أواخر تشرين الثاني/نوفمبر، أيدت محكمة استئناف أحكاما بالسجن لفترات طويلة بتهم أبرزها “التآمر على أمن الدولة” بحق نحو أربعين شخصا، من بينهم معارضون بارزون يؤكدون أن القضية فارغة و”مدفوعة سياسيا”.

وعقب صدور الأحكام، أوقفت قوات الأمن ثلاثة من المدانين كانوا يحاكمون في حال سراح، منهم المعارض المخضرم أحمد نجيب الشابي البالغ 81 عاما.

وندّدت ابنته هيفاء الشابي على موقع فيسبوك بالحكم (12 عاما في الاستئناف مقابل 18 عاما في الطور الابتدائي) والذي “يرقى إلى مستوى حكم الإعدام”.

أما الاثنان الآخران، المحامي العياشي الهمامي والشاعرة شيماء عيسى، فقد أعلنا أنهما بدآ إضرابا عن الطعام.

وفيما تتهمه المعارضة بالعمل على قمعها، أكد سعيّد مرارا أنه لا يتدخل في شؤون القضاء.

لكن الرئيس التونسي وصف في السنوات الأخيرة المعارضين المسجونين ونشطاء موقوفين على خلفية عملهم في المجال الإنساني بأنهم “إرهابيون” و”خونة”.

– غلق “قوس” الديموقراطية –

صار جلّ قادة المعارضة، سواء اليسارية أو اليمينية، في السجون أو في المنفى.

ومن المساجين رئيس حزب النهضة الإسلامي راشد الغنوشي البالغ 84 عاما والذي عاد من المنفى بعد سقوط بن علي مطلع عام 2011، وهو محكوم بعدة أحكام سجن، أحدها لمدة 22 عاما.

وقضت محكمة الجمعة بسجن رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي لمدة 12 عاما بتهمة “تدبير اعتداء المقصود به تبديل هيئة الدولة”.

يقول الكاتب الصحافي زياد كريشان “إذا انطلق مسار بداية انهيار الانتقال الديموقراطي ذات 25 جويلية (تموز/يوليو) 2021” فإن الأحكام الاستئنافية الصادرة في قضية التآمر “مثلت ولا شك الإسفين الأخير الذي أغلق تجربة السنوات العشر الأولى للثورة بحلوها ومرّها وانجازاتها العظيمة وخيباتها”.

ويضيف في افتتاحية لجريدة المغرب المستقلة التي تأسست بعد 2011 أنه “بمحاكمة هؤلاء وغيرهم تضع الدولة القوس النهائي للانتقال الديموقراطي”.

ونددت نقابة الصحافيين التونسيين مؤخرا بـ”موجة غير مسبوقة من القمع والتضييق على حرية الصحافة والتعبير”، شملت تعليق عمل عدة وسائل إعلام مستقلة على خلفية اتهامها بارتكاب مخالفات إدارية.

فاز قيس سعيّد (67 عاما)، وهو أستاذ سابق للقانون الدستوري، بالانتخابات الرئاسية في عام 2019 بأكثر من 70% من الأصوات في الجولة الثانية.

وقد استفاد الرجل الآتي من خارج المشهد الحزبي من شعور واسع النطاق بالإحباط من الوضع السياسي والاقتصادي في تونس.

وعندما أعلن في صيف عام 2021 إقالة رئيس الوزراء وتجميد عمل البرلمان، خرج آلاف التونسيين إلى الشوارع ليهتفوا فرحا.

لكن “التدابير الاستثنائية” لم تتوقف عند ذلك الحد، فقد حلّ الرئيس لاحقا البرلمان، وعلّق العمل بالدستور، واعتمد دستورا جديدا عرضه في استفتاء، وقام تدريجيا بتهميش وتفكيك هيئات مستقلة مثل المجلس الأعلى للقضاء.

وفي عام 2024، أعيد انتخابه بأكثر من 90% من الأصوات ولكن بنسبة مشاركة متواضعة لم تتجاوز 30%.

ويقول حمزة المؤدب “لقد فشل الشخص الذي كان من المفترض أن يقدم الإجابات” و”تفاقمت المشاكل”.

– قمع “انتقائي”؟ –

كان يمكن أن يشير الإفراج الأخير عن المحامية والإعلامية سنية الدهماني التي دينت بموجب “المرسوم 54” الرئاسي الذي يعاقب على نشر المعلومات الكاذبة، ومؤسس المجلس التونسي للاجئين مصطفى الجمالي الذي دين بتهمة تسهيل الدخول غير القانوني لمهاجرين، إلى انفراجة سياسية.

لكن المؤدب يرى أن “الأمر ليس كذلك على الإطلاق”، معتبرا أن السلطات “تخفف قبضتها ببساطة لإعادة توجيه جهودها بشكل أفضل”. ويضيف أن التوقيفات الأخيرة تُظهر مرحلة “انتقائية” أكثر في القمع.

ويقول الباحث “من الواضح أن الأولوية تُعطى لأهم القضايا التي تستهدف المعارضة السياسية”.

في ظل انقسامها العميق، تسعى المعارضة إلى توحيد جهودها، وقد اجتمع مؤخرا ممثلون لأحزاب من طرفي نقيض في الطيف السياسي.

لكن رغم تنظيمها تظاهرات بانتظام، ومن المقرر تنظيم إحداها السبت، إلا أن المعارضة تواجه صعوبة في جذب الناس من خارج دائرة النشطاء.

 

مشاركة