منابع المال السياسي ومصباته
فاتح عبدالسلام
نيكولا ساركوزي الرئيس الفرنسي السابق حالهُ لا يختلف عن سلفه جاك شيراك، حيث تجري ملاحقتهما بعد خروجهما من الرئاسة بقضايا استغلال المال العام والتمويل غير المشروع للحملات الانتخابية السابقة. قضية غير جديدة ستتكرر مع سواهما.
لا شيء يمكن أن يمرّ إلى الأبد من دون مساءلة وكذلك يكون الحال مع زعماء آخرين في أوربا وسواها. لا أريد المقارنة مع ما يحدث في بلدان العرب، حيث لا توجد أوجه منصفة للمقارنة بين بلدان تحترم إرادة الإنسان وحقوقه ومستقبله وبين حكومات اختزلت بلداناً وتسعى لرميها في أتون المصير المجهول عن سابق إصرار وترصّد.
غير إنّ الانتخابات صارت عنواناً سياسياً جديداً ومهماً في البلدان العربية لا يمكن تجاوزه، ورافق ذلك العنوان المال السياسي الذي يتدفق في مواسم الانتخابات من مصادر سريّة ويؤثر بشكل حاسم في موازين القوى. ولا أحد يسأل عن مصادر تلك الأموال بالرغم من إنَّ المؤشرات والوجوه والجهات تكشف مسارات ذلك المال، من أين يأتي وأين يصب.
في العراق، التجربة الديمقراطية معقدة وعسيرة بالرغم من مضي عشر سنوات عليها. حيث لا تزال المبررات مقرونة بحداثة التجربة من باب التساهل مع أخطاء هي أكبر من خطايا، منها المال السياسي الذي يشتري الأصوات قبل الانتخابات ثم يشتري ذمم السياسيين في أثناء إقامة التحالفات وفي خلال برامج البرلمان وتصويتاته على القوانين والقرارات، بعدها يتحول بسهولة إلى مال لإسكات الأصوات بكواتم الصوت. هو المال ذاته وهم الساسة ذواتهم وهو الحال ذاته. فلِمَ بعد ذلك كله يجري هذا التوافق على استمرار هذه العجلة في مخاض الطين والعفونة من دون قدرة أي طرف على إيقافها؟
إنه حال عراقي بامتياز، كان نتاج عملية احتلال كبيرة تخللتها جرائم ضد الإنسانية أفرزت دستوراً مهزوزاً غائماً مهلهلاً ثم ترك الباب مفتوحاً لجميع الاحتمالات السيئة في معالجة أية مادة لا يكون حولها توافق مصلحي، حيث مرجعية الوضع العراقي خارج أي دستور مكتوب أو قانون مستقر نافذ.
المال السياسي يعود منذ الآن بقوة، في ساحة هشة ستشهد انتخابات محلية ثم برلمانية على رسوم العفاريت وتعويذاتها لكي يمرّ الجمل مرة أخرى بما حمل.
FASL