ممثلون يطردون البهجة من الكوميديا
مروان ياسين الدليمي
خلال العقود الأربعة الماضية،توالى على تدوين وقائع مُشرقةٍ من تاريخ الحركة المسرحية(إضافة إلى عدد معين من المخرجين) كتيبة ممثلين مسرحيين،إتسموا بالموهبة والمعرفة والأخلاص والمثابرة.
والمتابع الحصيف للتجارب المسرحية، التي إختار مبدعوها التحليق في فضاءات تحديث تقنيات الخطاب الفني،لابد من أنه يحتفظ بمجموعة طيبة من أسماء تلك الكتيبة المغامرة من الممثلين الذين ساهموا في تقديمها، وقد لايسع المجال لتعداد أسمائهم .
إلا أن هذا التاريخ العريض الذي سطَّره ممثلون إحتشدت في مسيرتهم تجارب مهمة قدموا فيها شخصيات مركبة في بنائها الفني والأنساني،تم التواطىء على تجاهله إعلاميا وانتاجيا،بل امتد التجاهل إلى حقول الدراسات والبحوث والأطاريح في المؤسسات الاكاديمية.
والملاحظة الأبرز التي تظهر على السطح بهذا السياق، تتمثل باختزال هذا التاريخ وتغييبه عن ذاكرة المتلقي المحلي،عبر استمرار تصدير سلعة فنية ضعيفة ومستهلكة إلى مشاهدي التلفزيون،قوامها مشاهد تمثيلية تلفزيونية ،عادة ما يتم حشر الكثير منها ضمن برامج متنوعة ومختلفة لاعلاقة تجمعها بالدراما ،ومجمل تلك المشاهد تتمسَّح موضوعاتها بأذيال الكوميديا ،إذ تغلب عليها السذاجة والسطحية،من حيث الشكل والمحتوى وطريقة المعالجة، كما يتجلى الإفراط في الأنفعال والأفتعال على ممثليها .
والمفارقة التي تدعو إلى الأسف أن يتحول ممثلو هذه المشاهد(عددهم لايتجاوز أصابع اليد الواحدة)إلى نجوم في نظر الجمهور المحلي البسيط،مع أن اغلبهم يفتقر إلى أبسط الشروط التي تؤهله لأن يُحسب في عداد الممثلين.
وفي ما لو عدنا قليلا بذاكرتنا إلى الوراء ،وتوقفنا على سبيل المثال لا ألحصر أمام مثل فذ مثل سليم البصري ،كذلك خليل شوقي ، راسم الجميلي ، يوسف العاني ، سهام السبتي ، سنجد ان المقارنة لاتصح مع ما نشاهده اليوم من ممثلين وممثلات يغلب التهريج والصراخ والألفاظ السوقية على اسلوب الكثير منهم ، كما تجتمع في إمكانات أغلبهم أبرز نقاط الضعف التي عادة ما يعاني منها الممثل المبتدىء،من حيث الاداء الجسدي والصوتي .
لابد من الإقرار بأن إدارات التلفزيون المتعاقبة وفي ما بعد الفضائيات المحلية نجحت في أن “تطرد العملة الجيدة من الممثلين بعملة ضعيفة” ،طالما أنها كانت حريصة على تكريس حضورهم على الشاشة بشكل دائم ، رغم سذاجة ما يقدمونه من سكيجات ومشاهد ،تُحسب زورا على أنها كوميديا نقدية ساخرة. وتقف خلف ذلك، أسباب متعددة ،بعضها مرتبط بالتسويق وما يفرضه المعلنون من أسماء،وبعضها الآخر له صلة بمسألة الشللية والأخوانية التي تسود الوسط الفني وتسببت في إستبعاد الكثير ممن يمتلكون الموهبة والأمكانيات الذاتية .
بالتالي تمكن هؤلاء من التأثير على ذائقة المتلقي،والإستحواذ على ذاكرته ، فلاغرابة إذا ما استحالت الكوميديا المحلية من تجربة تثير البهجة إلى مادة تبعث على القرف .