أقليات بلا وطن
ممارسات لا إنسانية
بلا شك ان العراق فسيفساء من حيث التنوع، اذ يوجد في العراق اقليات دينية وعرقية واثنية ولغوية منتشرة على جميع الاراضي العراقية بدأ من كردستان العراق وشماله الى وسطه وجنوبه بنسب سكانية مختلفة، حيث يوجد في العراق اقليات دينية (مسيحيون وايزيديون والصائبة المندائية والبهائيين واليهود الذين غادروا العراق سابقا واقليات عرقية كالتركمان والارمن والكرد الفيليين والشبك بالاضافة الى الكاكائية.فهذه الاقليات وبالاخص الدينية هم الاكثر تأثرا في العراق من موجة الارهاب والتمييز والتهميش والعمليات المسلحة وتشدد المليشيات لبعض الاحزاب السياسية الموجودة في السلطة وهؤلاء معاناتهم اضعاف مضاعفة لما نعانيه نحن على ارض الواقع سواء في بغداد او المناطق الجنوبية او الشمالية باعتبارهم الحلقة الاضعف في المجتمع العراقي. فهؤلاء الاقليات حقوقهم ناقصة ومهمشة في كل مجالات الحياة سواء على المستوى الانساني او على مستوى المشاركة في الحياة العامة او المشاركة السياسية او الحق في العمل او الحق في الضمان الاجتماعي والحق في التعليم والزواج والحياة الاسرية والحق في الحرية والامان كل هذه الحقوق مشروعة دستوريا ولكن غير مفعلة على ارض الواقع.
فهم يعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية او الثالثة وحتى الرابعة، فعلى المستوى السياسي مثلا على الرغم من ضمان الدستور العراقي في المادة الثانية والتي تنص على حرية الديانة لابناء الاقليات لكن هناك مضايقات بشكل مباشر وغير مباشر في المشاركة في الحياة العامة ولاسيما في مجال الترقية بالوظائف او الترشح لمنصب رفيع المستوى وهذا واضح في التمثيل الفضائي العراقي فأنه خال من قضاة ايزيديين على الرغم من ان هناك قضاة مسيحيين ولكن باعداد قليلة جدا لا تتناسب مع عدد نفوس المسيحيين في العراق وهذا يدل على انه هناك قصور في التمثيل وعدم مشاركة حقيقة للأقليات على عكس اقليم كردستان العراق فهناك يوجد قضاة من غير المسلمين الا انهم ليس بالتمثيل المطلوب، فلا يزال تمثيل ابناء الاقليات في مواقع صنع القرار يكاد يكون شبه معدوم وبالاخص في مجال التمثيل الدبلوماسي والعسكري والوزاري.
بالاضافة الا ان ابناء الاقليات مغيبون عن الرئاسات الثلاث وكذلك عدم اشراكهم في لجان المصالحة والحوار وعدم تمثيلهم على مستوى الوفود الرسمية والدبلوماسية لا على الصعيد الاقليمي ولا على الصعيد الدولي وهذا كله بسبب عدم وجود احصائية رسمية لاعدادهم فلا يمكن حصر تمثيل الاقليات في مواقع صنع القرار، اما بالنسبة لحق الاقليات في العمل فبرغم من ان هناك ملاحظات على قانون العمل في العراق الا انه يتعرض الكثير من ابناء الاقليات في العراق الى المضايقات والتمييز بسبب الدين في مجال العمل، فهناك حالات تمييز لعمال ايزيديين في محافظة دهوك وتم رصد هذه الحالات من قبل منظمات المجتمع المدني بسبب انتمائهم الديني وايضا تعرض العديد من اصحاب المهن الشعبية والصناعات اليدوية من ابناء الاقليات الى التمييز الديني فقد تم رصد معامل الراشي والطرشي التابعة للاقليات بتغيير اسماء المعامل وابدالها بأسماء اسلامية او مذهبية بسبب نفور الاغلبية من الاقبال على شرائها، بالاضافة الى تعرض العديد من محال بيع الخمور والذهب الى الاستهداف والقتل والمنع من مزاولة مهنهم بسبب هذا الانتماء.
اما حق الاقليات على صعيد الزواج والعلاقات الاسرية فأن ابناء الاقليات معرضون لانتهاك واضح وصريح بخصوص اسلمة احد الابوين فأولادهم القاصرين يسجلون استنادا للمادة 21/ الفقرة 3 من قانون الاحوال المدنية بأسم احد الابوين الذين سبق وان اشهر اسلامه وبذلك بات من الضروري العمل على تعديل تلك المادة بما ينسجم مع المعايير الدولية الضامنة لحقوق الاقليات بالاضافة الى ذلك تم رصد من قبل منظمات المجتمع المدني الخاصة بحقوق الانسان حالات اجبار على قول الفاظ وعبارات خاصة بالمسلمين في حالات الزواج والطلاق تستخدم في المحاكم الشرعية لدى المسلمين واجبار الاقليات على لفظها باعتبارها سندا قانونيا وشرعيا للقيام بعقد الزواج او الطلاق. اما بالنسبة للضمان الاجتماعي من ان قانون الضمان الاجتماعي يشمل جميع النساء العراقيات الا انه يصعب على النساء الايزيديات وبقية الاقليات من متابعة معاملتهن واستلام الرواتب بسبب الخوف من المواجهة والتعرف بهويتهم بسبب الانتماء الديني.
ففي الآونة الاخيرة انتشرت ظاهرة اجبار الفتيات والتي بأعمار صغيرة ولاسيما في اقليم كردستان على الاكراه والاجبار بالزواج من مسلم بدافع التخويف والتهديد بالقتل وبالاخص الاماكن التي يسودها التطرف الديني فاشتكت العديد من الاقليات ولاسيما الايزيديين من جماعات اسلامية متطرفة من خطف الفتيات الايزيديات واجبارهن على الزواج من مسلم بالاكراه والتهديد تحت مسميات وذرائع مختلفة، بينما لايزال الصمت الحكومي ازاء تلك الافعال مستمرا. اما بخصوص وجود الاقليات المنتشرة في العراق فهي تعيش تحديدا تحت خط ما يسمى (36) شمالا والذي يعتبر حاليا من المناطق المتنازع عليها بين الحكومة الفدرالية في المركز وحكومة اقليم كردستان وهذا ساعد الجماعات المتطرفة الارهابية للاندساس الى تلك المناطق وتنفيذ عملياتهم الارهابية واحتلالها بسبب هذا التنازع واصبحت هذه المناطق مهددة باستمرار وكما قال احد هذه الاقليات نحن شعب (بدون) ليس لنا وطن وليس لنا اي حقوق كل ما ذكر بصدد تهميش وقتل وتمييز بحق الاقليات يرجع الى عدم وضع الحكومة العراقية ستراتيجية لحماية وتعزيز واقع حقوق الاقليات على الرغم من المناشدات المتكررة من ابناء الاقليات ومنظمات حقوق الانسان وحمايتهم من القتل والتمييز والتهميش والاستهداف المتعمد بسبب كونهم اقليات دينية وعرقية. اما حكومة كردستان فالبرغم من وجود ميثاق شرف بخصوص دعم وحماية الاقليات الاقليم الا ان هناك ملاحظات على عدم شرعية ذلك الميثاق كونه لا يرتقي الى مستوى وثيقة رسمية ملزمة بالاضافة الى عدم وجود ستراتيجية تخص الاقليات وتخصص ميزانية وقوانين لحماية وتعزيز واقع الاقليات في الاقليم.
فهذه الممارسات اللاانسانية والتي عانوا منها الاقليات لعقود كثيرة من قبل بعض المتشددين والمتطرفين لاخوتنا من الاقليات ادت الى هجرة الكثير منهم خارج البلاد ليبحثوا عن وطن آمن يحترم آدميتهم وحريتهم ومعتقداتهم.
اذن الوطن هو ليس مجرد ارض وتراب وعلم ومختزل بفئة معينة بل الوطن حقوق وواجبات وحريات ومساواة وعدالة اجتماعية والكل تتمتع بهذه المسميات عذرا قلت مسميات لانها فعلا مسميات على الورق فقط وليس هناك من يفعلها ويشدد عليها حتى يتحقق الامن والتآخي والعيش الكريم لمجتمعنا الجريح.
قال الامام علي (ع) ان لم يكن اخاك في الدين فهو نظيرك في الخلق.
ماجدة الجبوري – بغداد